الجمعة , مارس 29 2024

ما بين الأحزاب والحديبية (1)

نتناول في هذه المقالة ما بين الأحزاب والحديبية (1) زواج النبي بزينب بنت جحش من كتاب السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور على محمد الصلابي، باختصار وتصرف.

ذات صلة:

banar_group

ما بين الحديبية والأحزاب

(1) زواج النبي بزينب بنت جحش:

مع استمرار حركة السرايا وبناء الدولة وبسط هيبتها، كانت حركة البناء التشريعي والاجتماعي تتكامل، فنظام التبني يهدم، والحجاب يفرض، وأدب الولائم يقرر، ومن ذلك زواج النبي صلي الله عليه وسلم من زينب بنت جحش.

اسمها ونسبها:

زينب بنت جحش أخت عبد الله بن جحش شهيد أحد، وأخت حمنة زوجة مصعب بن عمير شهيد أحد، وهي بنت عمة النبي أميمة بنت عبد المطلب وخالها حمزة شهيد أحد.

كان اسمها برة فسماها النبي زينب وكانت تكني بأم الحكم كانت زينب من المهاجرات الأول ورعه صوامة قوامة، كثيرة الخير والصدقة وقال النبي صلي الله عليه وسلم لزوجاته أن أولوهن لحوقاً به أطولكم بداً، وقد كانت زينب الأطول يدا في الصدقة وأول الزوجات لحوقاً بالنبي.

تقول عائشة: لم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقي لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلي الله تعالي، ما عدا سورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفئية.

زواجها من زيد

كانت زينب من شريفات بني أسد، وكان زيد من الموالي وهي طبقة أدني من طبقات السادة، وكان النبي قد أعتق زيد ثم تبناه فكان يدعي زيد بن محمد.

وقد أراد النبي أن يزوج زيد بزينب ليبطل عملياً الفوارق الطبقية بنفسه في أسرته.

تحدث النبي بنفسه إلي زينب ليخطبها لزيد فرفضت وقالت: لست بناكحته.

فقال: بلي فانكحيه.

 قالت: يا رسول الله أوامر في نفسي؟

وبينما هما يتحدثان أنزل الله الآية “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا” الأحزاب 36

فقالت يا رسول الله قد رضيته لي زوجاً؟

قال: نعم.

قالت: لا أعصي رسول الله وقد زوجته نفسي.

طلاق زيد لزينب

لم يتوافق زيد وزينب في زواجهما، وأصبحت الحياة معاً لا تطاق، واشتكي زيد للنبي وأخبره برغبته في طلاقها، ورسول الله يقول له: أمسك عليك زوجك واتق الله.

كان النبي يطلب من زيد ألاّ يطلقها رغم أنه علم من الوحي أنه سيطلقها وستكون زوجته ويخشى الناس إذا ما حدث هذا الزواج باعتبارها أنها ستكون طليقة ابنه بالتبني.

بعد زواج زيد وزينب نحو عام وبعدما قضي منها وطراً، أذن الله بطلاقهما ولم يكن لزيد رغبة في استمرار العلاقة الزوجية معها، لأنه كان كريم النفس، لا يريد أن يبني سعادته على شقاء الآخرين، أو الإضرار بزينب التي كانت تعيش معه في قلق واضطراب.

وطلق زيد زينب بمحض إرادته دون تدخل خارجي.

تحريم التبني:

كانت عادة التبني متغلغلة في نفوس الناس ومشاعرهم وكانت هذه العادة في صدر الإسلام في مكة وبعد الهجرة إلى أن نزل التحريم.

وقد نزلت الآيات “وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ”

الأحزاب 4

ثم أمر الله برد نسبهم إلى آبائهم فهذا من العدل والقسط والبر ” ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ” الأحزاب 5

عن عبد الله بن عمر قال: إن زيد بن حارثة رضي الله عنه مولي رسول الله صلي الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا بزيد بن محمد حتى نزل القرآن.

رواه البخاري

فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لزيد: أنت أخونا ومولانا.

رواه البخاري

وقال صلي الله عليه وسلم: من ادعي إلى غير أبيه أو انتهي إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله تعالي منه صرفاً ولا عدلاً. البخاري

وقال صلي الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر.

البخاري

ومعناه أن يجئ من الأولاد ثمرة لفراش صحيح قائم على الزواج أو ملك يمين وأن العهر والزني لا يصلح أن يكون سبباً للنسب وإنما لشيء آخر هو الرجم بالحجارة.

زواج النبي بزينب

أمر الله النبي أن يتزوج بزينب وذكر الحكمة في ذلك في قوله: “لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا”

الأحزاب 37

فكان الزواج لإلغاء التبني وتوابعه عملياً.

وذكر المبطلون من الكفار وفروخهم ومقلدوهم روايات كاذبة يفترون فيها أن النبي هوي زينب بعدما تزوجت من زيد وهو قول باطل.

ولما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لزيد: اذهب فأذكرها عليّ فانطلق إليها يقول زيد: فلما رأيتها عظمت في صدرها فقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلي الله عليه وسلم يذكرك.

قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي.

فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وتزوجها النبي صلي الله عليه وسلم ودخل عليها بغير إذن وأصدقها 400 درهم وذلك في 5هـ على المشهود.

وأولم الرسول صلي الله عليه وسلم في عرس زينب وليمة كبيرة فأولم بشاة ولم يولم على امرأة من نسائه ما أولم علي زينب.

دروس وعبر في زواج زينب:

1-خاطب زينب للرسول هو زوجها الأول، ولعل اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لزيد مقصود ليقطع ألسنة المتقولين بأن زيد طلقها بغير إرادة منه، وأنه قد بقي لزيد رغبة في شيء منها أم لا.

وفيه درس أيضاً أن الطلاق ليس مانعاً من النصح بين المطلقين، وليس مانعاً من حقوق الإخوة الإسلامية، فرغم ما وقع بينهما أتاها يبشرها.

2-في الآية عتاب للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد علم من السماء أن زيد سيطلق زينب وأنها ستكون زوجة له، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى من كلام الناس أن محمداً تزوج امرأة متبناه فكان يحث زيد علي أن يطلق زوجته.

وهذا عتاب دليل علي أن القرآن من عند الله، فلو كان من عند محمد لأخفي ما لم يخفه القرآن.

3-تحريم التبني حرّم زيد شرف الانتساب إلى النبي يصلي الله عليه وسلم، لكن الله عوّضه ذلك أن أكرمه الله وشرفه بذكر اسمه في القرآن، فكان الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن “فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا”.

4-زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب كان بأمر الله وهو شرف عظيم لزينب التي أطاعت النبي صلي الله عليه وسلم حيث تزوجت بزيد وهي كارهة، فأكرمها الله بأن تكون من أمهات المؤمنين.

وكانت تفتخر بذلك بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات.

وفي رواية: إن الله أنكحني في السماء.

5-معجزة الوليمة وآداب الضيافة ونزول حجاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم: يقول أنس بن مالك: تزوج رسول الله صلي الله عليه وسلم فدخل بأهله، قال: وصنعت أمي أم سليم حيساً فجعلته في تور (إناء) فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقل: بعثت بهذا إليك أمي وهي تقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله.

فقال النبي لأنس: ضعه ثم قال: اذهب فادع لي فلاناً وفلاناً ومن لقيت يقول أنس: فجاء ثلاثمائة ثم قال صلي الله عليه وسلم: يا أنس التور فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة.

فقال صلى الله عليه وسلم ليتحلق عشرة بعشرة، وليأكل كل انسان مما يليه. فأكلوا حتى شبعوا، فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم.

وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم ورسول الله جالس وزوجته مولية وجهها إلى الحائط فثقلوا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم.

فخرج رسول الله صلي الله على نسائه ثم رجع فلما رأوا رسول الله صلي الله عليه وسلم قد رجع ظنوا أنهم أثقلوا عليه.

فابتدروا الباب فخرجوا كلهم. وجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى أرخي الستر ودخل وأنا جالس في الحجرة فلم يلبس إلا قليلاً حتى خرج عليّ ونزلت هذه الآيات فخرج وقرأهن على الناس.

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا”

وقد حجب رسول الله صلي الله عليه وسلم نساءه لنزول آية الحجاب.

وكان نزول آية الحجاب من موافقات عمر رضي الله عنه: عن أنس قال: قال عمر: قلت يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. رواه البخاري

وقد توفيت زينب بنت جحش عام20 هـ وعمرها 52 عام، وكانت أول نساء النبي لحوقاً به.

 بلغت مروياتها 11 حديثاً لها في الكتب الستة، واتفق البخاري ومسلم على حديثين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *