الخميس , مارس 28 2024

قصة موسى عليه السلام (ج3) | مختصر ابن كثير

نواصل في هذا الجزء رحلة موسى للعودة إلى مصر، وذهابه إلى الوادي المقدس طوى عند جبال الطور في أرض سيناء، وتكليفه للرسالة من قبل الله إلى فرعون، ومعه برهان العصا والتي يلقيها فتتحول إلى ثعبان سريع الحركة، وبرهان آخر عند وضع يده في جيبه فتخرج بيضاء مضيئة.

بعثة موسى إلى فرعون بالبرهانين

لما أتم موسى 10 سنين أجيراً عند والد زوجته شعيب، أراد أن يعود مع أهله إلى مصر لزيارة أهلها متخفياً، فأعطاه شعيب غنماً يعيش به، وارتحل موسى مع أهله من عند صهره شعيب وانطلق متجهاً نحو الديار المصرية.

خرج موسي وسافر بأهله، ولما وصلوا جبال الطور من أرض سيناء عند وادى طوى المقدس، وحل عليهم الليل، تاهو في طريقهم، فقد كانت الليلة شديدة الظلام والبرد، فأطرق موسى بصره، فرأي في الجانب الغربي من جبل الطور ضوءاً فقال لأهله: انتظروا هنا، إني آنست ناراً هناك، سأذهب إليها لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تدفئون بها.

ولما قصد موسي إلى تلك النار التي رآها، ووصل إليها وجدها تأجج في شجرة خضراء من العوسج، وكل ما لتلك النار في اضطرام وكل ما لخضرة تلك الشجرة في ازدياد، فوقف متعجباً، وكانت تلك الشجرة في لحف جبل غربي منه عن يمينه، وناداه الله: يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وأنت في الوادي المقدس طوى، وقد بورك من في النار ومن حولها، فاخلع نعليك، يا موسى إني اصطفيتك واخترتك فاستمع لما يوحى إليك، إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني، وأقم الصلاة لذكري، وإن يوم الحساب قادم لا محالة لكني أخفي موعده لأختبر كل نفس بما تسعى، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى.

كان المشهد مهيباً، والروع يملأ قلب موسى، فسأله الله: وما تلك بيمينك ياموسى؟ قال موسي: هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولى فيها مآرب أخرى. قال: ألقها ياموسى. فلما ألقاها موسي على الأرض انقلبت حية ضخمة تتحرك حركة سريعة كأنها مثل الجان، فخاف موسى وولى مدبراً يجرى منها بعيداً ولا يلتفت، فناداه الله: يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين، خذها وأمسكها بيدك سنعيدها سيرتها الأولى كما كانت عصا. فاقترب موسي منها وهو يهابها، حتى أمسكها فإذا هي تتحول إلى عصا مرة أخرى، ثم أمره تعالى أن يدخل يده في جيبه ثم ينزعها، فإذا هي تتلألأ كالقمر بياضاً من غير سوء، أي من غير برصٍ ولا بهق، فكانت معجزتان وبرهانان.

وبعدما شاهد موسي البرهانين، أمره الله تعالى أن ينطلق برسالته مع هذه البراهين إلى فرعون فإنه قد طغى في البلاد وأكثر فيها الفساد، وأن يخاطبه خطاباً ليناً لعله يتذكر أو يخشى، فقال موسي: رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلوني، وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معى ردءاً يصدقني إني أخاف أن يكذبوني (وكان بلسان موسى لدغة). فقال الله: قد أوتيت سؤلك ياموسى، سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما، وأنتم الغالبون بآياتنا وبمن اتبعكما من المؤمنين.

ووهب الله لموسى أخاه هارون وجعله نبياً، ليكون وزيرا مع موسي، يسبحون الله سوياً ويذكرونه كثيرا، وانطلقا سوياً إلى فرعون ليبلغاه رسالة الله، فلما التقيا بفرعون قالا: إنا رسولا رب العالمين، أرسلنا لندعوك إلى عبادته سبحانه وحده لا شريك له، وأن تفك أسرى بني إسرائيل وترفع عنهم القهر والظلم، وتتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا.

قال فرعون: ألست أنت الذي ربيناه في منزلنا منذ ميلاده وأنعمنا عليه كل هذه السنين حتى كبر ثم تمرد علينا؟ ألست أنت من ارتكبت جريمتك وقتلت القبطي وكفرت بنعمتنا؟

قال موسي: نعم فعلت ذلك وأنا من الضالين، قبل أن ينزل الوحي إلى، ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي النبوة وجعلني من المرسلين، أما تلك النعمة التي تمن بها علىّ فأنا رجل واحد من بني إسرائيل لكنك استعبدت بقية القوم واستخدمتهم في أعمالك وخدمتك وأشغالك، والله أمرنا بالعدل ورفع الظلم، وأوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى.

قال فرعون: ومن رب العالمين الذي تزعمان أنه أرسلكما وابتعثكما؟

قال: رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين، هو الذي خلق كل شيء ثم هداه.

قال: فما بال القرون الأولى؟ لماذا عبدت غيره إذا كان هو الخالق.

قال: علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، فضلالهم ليس حجة، فالله يحصي عليهم أعمالهم ويجزيهم بها يوم القيامة ولا يظلم مثقال ذرة، فهي مكتوبة ومحصاة عليهم، فهو سبحانه الذي جعل لكم الأرض ممهدة للعيش فيها، وسلك فيها سبلاً وأنزل من السماء ماء فأخرج به أزوجاً من شتى النباتات، لتأكلوا ولترعوا أنعامكم، إن في ذلك لآيات لأصحاب العقول، فالله خلقنا من الأرض وفيها نعود إليها ثم يخرجنا تارة أخرى للحساب والجزاء.

نظر فرعون لمن حوله ساخراً مما يسمع وقال: ألا تستمعون؟ قال ربكم ورب آبائكم الأولين، إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون.

قال: لست مجنوناً، إنه رب المشرق والمغرب إن كنتم تعقلون.

غضب فرعون مما يسمع وقال: أنا ربكم الأعلى، ولئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين.

قال موسي: أولو جئتك بشئ مبين.

قال: فائت به إن كنت من الصادقين.

فرمى موسى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، فزع منه فرعون وخاف خوفاً شديداً أصابه بالإسهال، ثم أدخل موسى يده في جيبه فخرجت بيضاء منيرة تتلألأ كالقمر وتبهر الأبصار، لكن فرعون استكبر ورفض دعوة موسى، واتهمه بالسحر وقال: إنك لساحر عليم بالسحر، فهل جئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى؟ فإن كنت كذلك لآتينك بسحر أعظم من سحرك وإنا لغالبون، واجعل بيننا موعداً ومكاناً محدداً نجتمع فيه ولا نخلفه ولا تخلفه.

قال موسى: موعدكم يوم الزينة في وقت الضحى، وعليك جمع حشود الناس لترى بعينها ما يقع.

وكان هذا من أكبر مقاصد موسى أن يظهر آيات الله وحججه وبراهينه أمام حشود الناس، فاختار يوم الزينة لأنه يوم عيد من أعيادهم ومجتمع لهم.

قصص الأنبياء

تابع أيضاً:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *