الجمعة , أبريل 19 2024

نزول الوحي ومرحلة الدعوة السرية | الرحيق المختوم

في هذا الجزء من مختصر كتاب الرحيق المختوم لصفي الدين المباراكفوري، نزول الوحي ومرحلة الدعوة السرية ، نتناول بداية العهد المكي من حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتبدأ من مقدمات نزول الوحى وبدء الرسالة والتكليف، وبيان بالرعيل الأول الذي آمن بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

الرحيق المختوم

النبوة والدعوة – العهد المكي

تنقسم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العهد المكي، 13 سنة تقريبًا‏، والعهد المدني، 10 سنوات كاملة‏.‏

ويمكن تقسيم العهد المكي إلى‏:‏

1 ـ مرحلة الدعوة السرية، 3 سنوات‏.‏

2 ـ مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة‏.‏

3 ـ مرحلة الدعوة خارج مكة وفشوها فيهم، من أواخر السنة العاشرة من النبوة‏.‏ وقد شملت العهد المدني وامتدت إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم‏.‏

 

في ظلال النبوة والرسالة

في غار حراء

لما تقاربت سنه صلى الله عليه وسلم الأربعين، حبب إليه الخلاء، فكان يذهب إلى غار حراء في جبل النور على مبعدة نحو ميلين من مكة.

كان يقيم فيه شهر رمضان، ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرة مبدعة.

وكانت هذه العزلة طرفًا من تدبير الله له، وكانت قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات، وليكون انقطاعه عن شواغل الأرض نقطة تحول لاستعداده لما ينتظره من الأمر العظيم، دبر الله له هذه العزلة.

 

جبريل ينزل بالوحي

ولما تكامل له أربعون سنة بدأت طلائع النبوة تلوح وتلمع، فمن ذلك أن حجرًا بمكة كان يسلم عليه، ومنها الرؤيا الصادقة؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.

فلما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته صلى الله عليه وسلم أكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن‏.‏

فجاءه الملك فقال‏:‏ اقرأ‏:‏ قال‏:‏ (‏ما أنا بقارئ‏)‏

قال‏:‏ (‏فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال‏:‏ اقرأ، قلت‏:‏ مـا أنـا بقـارئ، قـال‏:‏ فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلـغ منـى الجهد، ثم أرسلني فقال‏:‏ اقرأ، فقلت‏:‏ ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثـم أرسلـني فـقـال‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ‏}‏‏[‏العلق‏:‏1‏:‏ 3‏]‏‏)‏.

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال‏:‏ (‏زَمِّلُونى زملونى‏)‏.

فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة‏:‏ (‏ما لي‏؟‏‏)‏ فأخبرها الخبر، (‏لقد خشيت على نفسي‏)‏، فقالت خديجة‏:‏

كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق.

فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ـ وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي ـ

فقالت له خديجة‏:‏ يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة‏:‏ يابن أخي، ماذا ترى‏؟‏ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأي.

فقال له ورقة‏:‏ هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعا، ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك.

فقال رسول الله‏:‏ (‏أو مخرجيّ هم‏؟‏‏)‏ قال‏:‏نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يَنْشَبْ ورقة أن توفي، وفَتَر الوحى‏.‏

 

فَتْرَة الوحى (أي انقطاعه)

أما مدة فترة الوحى فاختلفوا فيها على عدة أقوال‏.‏ والصحيح أنها كانت أيامًا، وقد بقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام الفترة كئيبًا محزونًا تعتريه الحيرة والدهشة‏.‏

 

جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية

انقطع الوحى أياماً، ليذهب ما وجده النبي من الروع، وليحصل له التشوف إلى العود، ثم عاد الوحى بتكليف النبي بالرسالة، ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏}

فكانت الآيات هي مبدأ رسالته صلى الله عليه وسلم وهي متأخرة عن النبوة بمقدار فترة الوحى‏.‏

وتشتمل التكليف بالبلاغ والتحذير، وبتطبيق أوامر الله سبحانه وتعالى على ذاته، والالتزام بها في نفسه؛ ليحرز بذلك مرضاة الله ، ويصير أسوة حسنة لمن آمن بالله‏.

وكأنه قيل له‏:‏

إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، أما أنت الذي تحمل هذا العبء الكبير فما لك والنوم‏؟‏ وما لك والراحة‏؟‏ وما لك والفراش الدافئ‏؟‏ والعيش الهادئ‏؟‏ والمتاع المريح‏!‏

قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك، قم للجهد والنصب، والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة، وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل، والجهاد الطويل الشاق، قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد‏.‏

وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا؛ لم يسترح ولم يسكن، ولم يعـش لنفسه ولا لأهله‏.‏

قام وظل قائمًا على دعوة الله ، عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عامًا؛ لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد منذ أن سمع النداء العلوى الجليل.‏

 

ثلاث سنوات من الدعوة السرية

قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ وكان من الحكمة أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية؛ لئلا يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم‏.‏

 

الرعيل الأول

عرض الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام أولًا على ألصق الناس به من أهل بيته، وأصدقائه، فدعاهم إلى الإسلام، ودعا إليه كل من توسم فيه الخير ممن يعرفهم ويعرفونه.

فأجابه من هؤلاء جَمْعٌ عُرِفوا في التاريخ الإسلامى بالسابقين الأولين، وفي مقدمتهم زوجة النبي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ومولاه زيد بن حارثة وابن عمه علي بن أبي طالب ـ وكان صبيًا ـ وصديقه الحميم أبو بكر الصديق‏.‏ أسلم هؤلاء في أول يوم الدعوة‏.‏

ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام، وكان رجلًا مألفًا محببًا سهلًا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.

فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم بدعوته عثمان بن عفان الأموى، والزبير بن العوام الأسدى، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص الزهريان، وطلحة بن عبيد الله التيمي‏.‏

فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الأول وطليعة الإسلام‏.‏

ثم تلا هؤلاء آخرون، عرفوا بالسابقين الأولين، ويظهر بعد التتبع والاستقراء أن عدد الموصوفين بالسبق إلى الإسلام وصل إلى مائة وثلاثين رجلًا وامرأة.

ولكن لا يعرف بالضبط أنهم كلهم أسلموا قبل الجهر بالدعوة أو تأخر إسلام بعضهم إلى الجهر بها‏.‏

 

الصلاة ونزول الوحي

ومن أوائل ما نزل من الأحكام الأمر بالصلاة، وكانوا إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم.

وقد رأي أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم وعليّا يصليان مرة، فكلمهما في ذلك، ولما عرف جلية الأمر أمرهما بالثبات‏.‏

وكان الوحى يبين لهم جوانب شتى من التوحيد، ويرغبهم في تزكية النفوس، ويحثهم على مكارم الأخلاق، ويصف لهم الجنة والنار كأنهما رأي عين‏.‏

وهكذا مرت ثلاثة أعوام، ولم يجهر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المجامع والنوادى، إلا أنها عرفت لدى قريش، لكنهم لم يهتموا به كثيرًا حيث لم يتعرض لدينهم، ولم يتكلم في آلهتهم‏.‏

 

2 تعليقات

  1. صلى الله عليه وسلم

  2. زينب بوزكراوي

    بسم الله الرحمن الرحيم جاجاكم الله خيرا عن هذا الاعتناء بسيرة خير البرية صلى الله عليه وسلم ورزقنا معيته في الدارين كرما منه وفضلا .وتعلمنا مايزيدنا حبا في ديننا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *