نقدم لكم فيما يلي قصة جديدة كتاب قصص ومواقف للكاتب أحمد السيد بعنوان سلمان الفارسي الباحث عن الحق.
قد يهمك:
سلمان الفارسي الباحث عن الحق
سلمان شاب فارسي من أهل أصبهان من قرية يقال لها جَيًّ وكان أبوه زعيمها والذي علّم سلمان المجوسية حتى صار قاطن النار الذي يوقدها.
انشغل أبوه يوماً فطلب من سلمان القيام ببعض الأعمال في مزرعته، فمر سلمان بكنيسة وأعجبه صلاتهم ووقعت النصرانية في قلبه وسأل عن أصل هذا الدين فقالوا بالشام، وظل معهم حتى غربت الشمس.
عنفه أبوه وقال: دينك ودينك آبائك خير منه قال سلمان: كلا والله إنه لخير من ديننا.
حبسه أبوه وقيده، فهرب سلمان مع تجار نصارى إلى الشام ووصل لأسقف الكنيسة وقال إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك.
وافق الأسقف وصحبه سلمان إلا أنه اكتشف أنه رجل سوء يجمع الصدقات ويكنزها لنفسه.
فلما مات الأسقف وأراد النصارى دفنه قال سلمان: إن هذا رجل سوء يأمركم بالصدقة ويكنزها لنفسه ولا يعطي المساكين، ودلهم على موضع سبع قلال مملوءة بالذهب فقالوا: والله لا ندفنه، فصلبوه ورموه بالحجارة ثم جاءوا برجل آخر مكانه.
يقول سلمان: فما رأيت أفضل وأزهد وأعبد منه فأحببته، فلما حضرته الوفاة قال سلمان: إلى من توصيني؟ قال: يا بني والله ما أعلمه إلا رجل بالموصل فائته فإنك ستجده على مثل حالي.
رحل سلمان إلى الموصل وصحب الرجل حتى حضرته الوفاة فسأله: إلى من توصني؟ فأوصاه برجل في نصيبين، فصحبه حتى حضرته الوفاة فقال: إلى من توصني؟ فأوصاه برجل في عمورية.
ارتحل سلمان إلى عمورية ولزم صاحبه حتى حضرته الوفاة فقال: إلى من توصني؟ فقال: أي بني والله ما أعلمه بقي أحد مثل ما كنا عليه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخيل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل.
مر بسلمان تجار من العرب من قبيلة “كلب” فقال لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم غنيمتي وبقراتي هذه؟ قالوا: نعم.
فلما بلغوا وادي القرى غدروا بيه وباعوه عبداً ليهودي ثم باعه اليهودي لآخر من بني قريظة وهي حي من أحياء مدينة يثرب، يقول سلمان فوالله ما هو إلا رأيتها فعرفت صفتها.
وفي بني قريظة وذات يوم وبينما سلمان يعمل في نخل سيده إذ جاءه من يقول: يا فلان قاتل الله بني قيلة إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل من مكة يزعمون أنه نبي.
يقول سلمان: فما سمعته حتى أصابتني رعدة وكدت أسقط على صاحبي فنولت أسأل: ما هذا الخبر؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة قائلاً مالك ولهذا؟ أقبل على عملك.
ولما جاء المساء أخذ سلمان بعض الطعام وانطلق إلى قباء حتى التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال بلغني أنك رجل صالح وأن معك أصحاباً غرباء وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق به، فهاك هذا فكل منه.
فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه كلوا، ولم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم فقال سلمان في نفسه: هذه صفة مما وصف لي.
ولما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أخذ سلمان طعاماً ثم انطلق إليه فقال: رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية، فأكل النبي وأكل أصحابه فقال سلمان: هذه صفتان.
ثم جاءه مرة ثالثة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتبع جنازة فاقترب سلمان واستدار خلف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر نحو كتفه، ففهم النبي صلى الله عليه وسلم مقصده فأرخى رداءه، فلما رأى سلمان خاتم النبوة انكب على النبي صلى الله عليه وسلم يقبله ويبكي.
فسأله النبي النبي صلى الله عليه وسلم : ما شأنك؟ فأخبره قصته، فعجب النبي صلى الله عليه وسلم بها وأمره أن يقصها على أصحابه.
فوائد وعبر:
1- كان سلمان صادقاً في البحث عن الحق فهيأ الله له طريق الوصول: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”.
2- كان سلمان لبيباً حازماً من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم، ترك المجوسية والإمارة ونعيم أبيه ورياسته فدارت الأيام ليعود إلى فارس مجاهداً فاتحاً وتولى إمارة المدائن.
3- ليس في الإسلام تفريق بين المسلمين على أساس الجغرافيا أو اللغة، فجمع بين سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي إخوة في الله مع المسلم العربي، وقد سُئل سلمان: من أبوك فقال: أبي الإسلام.
4- أمر النبي صلى الله عليه وسلم سلمان أن يكاتب سيده ليتحلل من الرق وقال لأصحابه: أعينوا أخاكم. فتحلل وكانت أولى مشاركاته يوم الأحزاب وهو صاحب اقتراح الخندق.
5- لم يكن سلمان محسوباً على المهاجرين ولا الأنصار لكن الصحابة كانوا يتفاخرون به، كلٌ يزعم أنه منهم، قال المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم معهم في المفاخرة وقال: سلمان منا آل البيت.