قصيدة من وحي الهجرة للشاعر طلعت المغربي تحكي قصة الظلم والتعذيب الذي تعرض له النبي والمسلمون على يد قريش بسب رسالة الإسلام.
ويبدأ الشاعر حكايته بمقدمة مدح للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وكيف رفض الإغراء والتهديد مقابل التنازل هذه الدعوة، وكم تعرض من أحداث مؤلمة في حياته.
فبعد موت عمه وزوجته اشتد التعذيب، وشكى بعض أصحابه إليه هذه الأحوال التي تفتن عن دين الله، وأوذى النبي وطرد من الطائف وتعرض للقذف والجرح.
ورفع يده يدعوا الله، فأتي الفرج، وجاء نفر من يثرب يعلنون إسلامهم، ثم تبدأ هجرة المسلمين تباعاً، وتجتمع قريش في ندار الندوة لمنع هجرة محمد.
من وحي الهجرة النبوية
شعر : طلعت المغربي
يا صاحبَ الذكرى إليكَ تحيتي
وعليكَ يا خيرَ الوجودِ ثنائي
يزهو القصيدُ بذكركم يا سيدي
فمقامُكم يعلو على الإطراء
أهدي إليكَ قصيدتي فلعلني
يومَ اللقا أنجو بذا الإهداء
من وحي سيرتِكم أتتْ أبياتُها
والعذرُ إن لم أستطع إيفائي
أرجو شفاعتَكم إذا اجتمع الورى
أرجو رضاكم يا أبا الزهراء
نفسي انجلت عنها الهمومُ بمدحكم
وتبدلتْ أكدارُها بصفاء
نورُ النبيِّ ” محمدٍ ” كشفَ الدجى
كالبدرِ عند الليلةِ الظلماءِ
نورٌ على نورٍ مديح ” محمدٍ”
حقاً برغم ِالأعينِ العمياء
فهو السراجُ وذاك وصفُ إلهِنا
وضيا حبيبي فاقَ كلَّ ضياء
للعالمينَ أتيتَ ” أحمدُ ” رحمةً
وأراكَ للكفار سيفَ فناء
في السِلْمِ خير ُمُسالمٍ يا سيدى
والفارسُ المغوارُ في الهيجاء
والصحبُ إن حميَ الوطيسُ ببأسِكم
هم يتقونَ وعندَ كلِ بلاء
هيهاتَ أن أظما وذكرُكَ سيدي
للقلب فيه مدى الحياةِ روائي
يا ويحَ أربابَ الجهالةِ أقبلوا
وقلوبُهم كالصخرةِ الصماء
جاءوا لعم المصطفى وحبيبِهِ
وتكلموا في غلظةٍ وجفاءِ
قالوا له ابنُ أخيك فرَّق بيننا
بل عابَ دينَ القوم ِوالآباءِ
ومضى يقولُ بأنهُ يوحى له
مع أنه كبقيةِ الشعراءِ
إن كان ما يأتيهِ مساً.. جاءهُ
منا أطباءٌ بخير دواءِ
أو كان يبغي المالَ جئناكم به
حتى يضيقَ بذلك الإثراءِ
أو كان يبغى الملكَ كان مليكَنا
وهو الرئيسُ وسيدُ الوجهاءِ
فارجعْ إلى ابنِ أخيكَ واعرفْ رأيَهُ
جئنا لكي لا نبتدي بعداءِ
وهنا يقولُ المصطفى بثباتِهِ
ووقارِهِ .. يا أرحمَ الآباءِ
والله يا عمَّاهُ لو وضعوا هنا
شمساً أو البدرَ المنيرَ إزائي
ما كنتُ أتركُ ما أمرتُ بفعله
حتى أتممه ولو بفنائي
وهنا يقولُ الكفرُ جئنا فاستمعْ
سنحُلُ هذا الأمرَ دونَ عناءِ
خذ من تشا منا مكانَ” محمدٍ”
لا تحمه ِ .. واتركهُ دونَ وقاءِ
قد ساوموه لكي يسلم حبه
عرضوا لهذا الأمر ِدونَ حياءِ
ويقول عمُ المصطفى وحبيبُهُ
يا بئسَ ما عرضوا له بغباءِ
بئستْ فعالُكمو وبئسَ مقالُكم
لا تذكروه فإنَّ فيهِ شقائى
أنا أطعمُ ابنكمو وأغذوهُ لكم
ثم المقابلُ تقتلونَ رجائى
” واللهِ لن يصلوا إليكَ بجمعِهم “
حتى أفارقَ عالَمَ الأحياءِ
ويموتُ عمُ المصطفى ونصيرُهُ
يا موتُ هلاَّ جئتَ فى إبطاءِ
والزوجُ فارقت الحياة َلربها
فبقيتَ تبكيها أحرَّ بكاءِ
وظللتَ تذكرها بخيرٍ دائماً
وحبوتَها في العمر ِخيرَ وفاءِ
وقضيتَ عامَ الحزن ِبعدَ وفاتِهم
وإذا الحياةَُ غدتْ بغير ضياءِ
وإذا بأهل ِالكفر زادوا كيدَهم
وتفننوا في المكر ِوالإيذاءِ
قالوا إذا لم ترجعوا عن دينكم
سنحيلُ دنياكم إلى أرزاءِ
سنصبُّ ألوانَ العذابِ عليكمو
لن تظفروا منا بأيِّ نَجَاءِ
هذا ” بلالُ ” قد ابتُلي بأميةٍ
قد عاشَ منه العمرَ في بلواءِ
يأتي بصخرٍ فوقَ صدرٍ طاهرٍ
ويجرهُ جراً على الرمضاءِ
وإذا العذابُ اشتدَ زادَ صلابةً
” أحدٌ ” يقولُ ” بلالُ ” للأعداءِ
” أحدٌ ..أحدْ ” هذا نشيدٌ خالدٌ
قد هزَّ أرضي بل وهزَّ سمائى
وأرى ” صُهيبَ ” الآن يبغي هجرةً
لكنهم وقفوا له بجفاءِ
قد كنتَ صُعلوكاً فقيراً معدماً
لا.. لن تمرَّ بهذه الأشياءِ
وهنا يقول ” صهيبُ ” قولة َواثقٍ
أنا أفتدي ديني ولو بدمائي
أنا لن أعودَ مدى الحياةِ إليكمو
لو أنكم مزقتمو أشلائي
أبشرْ ” أبا يحيى ” ببيع ٍ رابحٍ
أبشر فعندَ اللهِ خيرُ عطاءِ
وكذاك ” عمارُ بنُ ياسرَ ” مثلُهم
وكذا ” سمية ُ ” أولُ الشهداء
وأبوهُ ” ياسرُ ” تلك عائلة ٌ غدت
فوقَ الكلامِ وفوقَ كل ِثناءِ
” صبراً ” تقولُ لآل ِياسر تؤجروا
غداً اللقاءُ بجنةٍ فيحاءِ
ويقولُ ” عمارُ بن ياسرَ ” سيدي
إني أعيشُ الآنَ في الظلماءِ
طاوعتُهم يا سيدي في قولِهم
لأصدَّ عني محنتي وبلائي
لكنَّ قلبيَ مؤمنٌ وموحِدٌ
ما فيهِ غيرُ عقيدتي وولائي
وتقول يا ” عمارُ ” عُدْ إن عاودوا
يوماً ولا تعبأ بذي الأشياءِ
ما دام قلبكَ مطمئناً لا تخفْ
واذكرْ إلهكَ عشْ بخيرِ رجاءِ
ويجيئُ ” خبابُ الأرت ” مخاطباً
خيرَ البريةِ سيدَ الشفعاءِ
ويراكَ يا ” مختارُ ” تسندُ ظهرَكم
لجدارِ هذي الكعبةِ الشمَّاءِ
ألفاظها جاءت على استحياءِ
إنَّ العذابَ اشتدَّ زاد ضراوة
لبست لنا الأيامُ ثوبَ شقاءِ
هلاّ دعوت الله ربكَ سيدي
هلاَّ دعوتَ لنا على الأعداءِ
ويقولُ ” خبابُ الأرت ” مقولة
وتقولُ الاستعجالُ ذلك شأنكم
بل إنَّ ذلك شيمةُ الأحياءِ
قد كان فيما قبلكم أممٌ مضت
صبروا على البلوى بلا استثناءِ
مُشِطوا بأمشاطِ الحديد فمدَهم
هذا العذابُ بقوةٍ ومضاءِ
النصرُ آتٍ لا محالة َ فاصبروا
واستمسكوا بالشرعةِ الغراءِ
النصرُ من رب البرية قادمٌ
فلتنضووا يا قومُ تحتَ لوائي
الدينُ يوماً ما سيسرى ضوؤهُ
وبقدر ِ ما تمتدُ عينُ الرائي
ويسيرُ سائركم بأمنٍ دائمٍ
من حضر موت إلى رُبى صنعاءِ
ويسيرُ سائركم بأمنٍ دائمٍ
لم يخش إلا اللهَ ذا الآلاءِ
ما كنتَ تقدِرُ أنْ تُدافِعَ سيدي
يوماً عن الضعفاءِ والبؤساءِ
ها أنتَ تسجدُ مرةً فيجيئُكم
بسلا جزورٍ أخبثُ الخبثاءِ
وذهبت تبغي من ثقيفٍ نصرةً
فلعلَ فيها سامعاً لنداءِ
لكنهم كانوا الأراذلَ سيدي
لاقوكمو بجهالةٍ جهلاءِ
أغروا بكم صبيانَهم وعبيدَهم
تركوكمو فيها مع السفهاءِ
يرمونكم بحجارةٍ يا سيدي
فتسيلُ من عقبٍ أعزُ دماءِ
ورفعتَ كفكَ للسماواتِ العلا
فإذا جميعُ الكونِ فى إصغاءِ
إنْ لمْ يكنْ بك ربنا غضبٌ عليَّ
فذاكَ غاية ُ مُنيتي ورضائي
إني استعذتُ بنورِ وجهكَ ربَنَا
فبهِ إلهي أشرقتْ ظلمائي
وبه صلاحُ الدين ِوالدنيا معاً
وأخصهُ بالحمدِ والإطراءِ
عُتبى الأمورِ إليكَ حتى ترتضي
يا ربَّنا يا واسِعَ النعماءِ
ويجيئ أمرٌ أن تهاجرَ سيدي
من عندِ ربكَ أرحمِ الرحماءِ
وتجمعَ القومُ اللئامُ ببابِكم
باللاتِ قدْ حلفوا وبالآباءِ
لا ينجونَّ ” محمدٌ ” من بيننا
أو أننا نُمحى من الغبراءِ
شاهت وجوهُ القومِ يا خيرَ الورى
ومضيتَ أنتَ بعزةٍ ومضاءِ
ومع الذي قد نالكم من كيدهم
ها أنتَ ” أحمدُ ” سيدُ الأُمناءِ
للقومِ عندي يا ” عليُ ” ودائعٌ
أنا لا أخونهمو وهم أعدائي
نم يا عليُ لكي تردَّ ودائعاً
أعظمْ بكم ْ منْ قمةٍ شماءِ
أعظمْ بهذا الخُلْق ِأينَ مثالُهُ
أعظمْ بها من منةٍ ووفاءِ
هم يمكرونَ .. يدبرونَ لقتلِكم
وتفكرونَ بردِ ذي الأشياءِ
وينامُ مشتملاً عليُ ببردِكم
أنعمْ بهذي البُردةِ الخضراءِ
يفديكمو بالروح ِ لم يعبأ بها
يفديكمو حقاً بخيرِ فداءِ
الموتُ خلفَ البابِ ينظرُ نحوه
لكنهُ يعلو عن النظراءِ
بشجاعةٍ فوقَ الشجاعةِ نفسها
وبهمةٍ تعلو ذرى العلياءِ
ما هابَ سيفاً مشهراً في وجههِ
ما كانَ يوماً ما من الجبناءِ
يا دهرُ سجلْ لا تكنْ متوانياً
هذا النموذجُ عزَّ في دنيائي
وخرجت تبغي من يكون مؤازراً
ومضيت في حذرٍ من الرقباء
وخرجتَ تبغي في الأباعدِ نصرةً
إنَّ الأقاربَ أتعسُ التعساءِ
ونظرتَ خلفكَ والدموعُ غزيرة
يا أرضَ مكة َ أطهرَ الأرجاءِ
يا بقعة ً عندَ الإلهِ عزيزة
وكذاكَ عندي بلْ وأنتِ شفائي
واللهِ حبكِ أنتِ يجري في دمي
لكنَّ أهلَكِ قرروا إقصائي
يا مهبطاً للوحي إني أرتجي
من عند ربي مِنَّة ً بلقاءِ
إنَّ الذى فرضَ الكتاب عليكمو
سيردكم يوماً من السعداءِ
يوماً ستفتحُ ذلكَ البلدَ الذى
غادرتَهُ في حلكةِ الظلماءِ
هاجرتَ ” أحمدُ ” بعدما اشتدَّ الأذى
هاجرتَ تخفيفاً عن الضعفاءِ
وأرى ” سراقة “َ راحَ يتبعُ خطوكم
ضلتْ خُطاهُ وتاهَ فى البيداءِ
وجوادُهُ رفضَ الرضوخَ لأمرهِ
ساختْ قوائمهُ بذي الصحراءِ
لِمَ يا جوادُ اليومَ أنت خذلتني؟
ما كنتَ يوماً ترتضي إيذائي
فخُطاكَ تسرعُ إنْ بَعُدنا عنهمو
وإذا قصدناهم ففي إبطاءِ
وكأنهُ قد قالَ ذا ركبُ الهُدى
من ذا يطاولُ ركبَهُ بغباءِ
حقاً فركب المصطفى لا يقتفي
بالسوءِِ ذاكَ تصرفِ البلهاءِ
فعنايةُ الرحمنِ تحرسُ ركبَهُ
وعناية ُ الرحمنِ خيرُ وقاءِ
وهنا يقولُ سراقة ُ اذهب سيدي
لا .. لن أناصبكم بأي عداءِ
هاتِ الأمانَ أيا ” محمدُ ” هاتِهِ
فعطاؤكم والله خيرُ عطاءِ
أنا لن أدلهمو عليكم سيدي
أبداً ومهما حاولوا إغرائي
ارجعْ سراقة ُ لا غُبارَ عليكمو
واسمعْ لِما سأقولُ من أنباءِ
يوماً ستلبسُ في يديكَ أساوراً
هي مِلك كسرى صاحب الخيلاءِ
ارجع سراقة ُوانتظرْ ما قلتُهُ
فهو القريبُ وليسَ ذا بالنائي
هي رحلة ٌ هاجرتَ فيها سيدي
أحداثُها جلتْ عن الإحصاءِ
عطرتَ طيبة َ سيدي بمجيئكم
وملأتَ كلَّ الكون ِ بالأضواءِ
وبنيتَ مجتمعاً يفيضُ محبة
ومودة ً.. يخلو من البغضاء
هجروا حظوظ َ النفس ِحينَ أمرتهم
وسموا بأخلاق ٍ على الجوزاءِ
يا رب وامنحنا بفضلك هجرةً
تعلو النفوس بها على الأهواء
ويكون فيها هجر كل رذيلةٍ
كالحقد والبغضاء والشحناء
وأعد لأمتنا سوالفَ مجدِها
واكتب لنا نصراً على الأعداء
ثبت إلهي كلَّ من قد جاهدوا
وارفع لهم يا ربُ خيرَ لواء
واحقن دماءَ المسلمين جميعها
لنكون يا ربي من السعداء