الربيع الأول في السيرة النبوية | وضاح خنفر | الحلقة 24 من القريتين إلى المدينة

نقدم لكم الربيع الأول في السيرة النبوية وضاح خنفر الموسم الأول الحلقة 24 من القريتين إلى المدينة، مع ملخص مكتوب للحلقة.

قد يهمك:

banar_group

الربيع الأول في السيرة النبوية

وضاح خنفر

الحلقة 24 من القريتين إلى المدينة

دلالات الهجرة النبوية في البعد الاستراتيجي:

الانتقال إلى حيز جغرافي جديد كان تحولاً استراتيجياً جديداً، تاريخياً هو التحول الأهم في مسار البعثة النبوية الشريفة، ويقصد بالانتقال هنا الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة.

النبي صلى الله عليه وسلم حتى العالم 13 من البعثة كانت دعوته عملياً تتركز على الحركة ما بين مكة والطائف، وعلى من وفد إلي مكة من قبائل العرب.

وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31 الزخرف)، القريتين هما مكة والطائف.

قريش لم تسلم بكليتها فالحل أن تبدأ بقريش جديدة مسلمة منفتحة على العالم خارج إطار مكة متصلة بباقي قبائل العرب ليست مستعلية لا بسلطة ولا بتجارة ولا بمكانة.

مميزات يثرب الاستراتيجية:

هناك مميزات استراتيجية ليثرب غير عراقتها حتى تصبح موطناً للبعثة في المرحلة الجديدة مرحلة الانفتاح على الإقليم وعلى العالم.

1- تقع يثرب في أرض منبسطة، فهي واحة سهل الاتصال بينها وبين الأخريين، بخلاف الوادي الوعر غير ذي زرع فالوصول إليه صعب ووعر إلا بإرادة من يريد أن يصل إليه.

2- تركيبتها الاستراتيجية والنفسية قابلة لأن تتحول إلى مركز للبعثة الجديدة، البعثة التي تنتقل من القريتين إلى نطاق العالم أجمع.

3- مدينة زراعية، والزراع في طبيعتهم مستقرين، وبالتالي قدرتهم على التعاون والاتصال بالأخرين أفضل من التجار الذين بطبيعتهم أصحاب مصالح تخرجهم أحياناً خارج نطاق العلاقات الإنسانية الودودة، فالمصالح تقتضي في بعض الأحيان أن تحالف وألا تغامر وتتخذ مواقف جديدة وألا تخرج عن السياقات القديمة، فأنت أبعد عن المقام الأخلاقي أحياناً وأقرب من المقام المصلحي.

التجارة والسياسة في هذه المرحلة متشابهان في أنهما يغلبان على الأرجح لغة المصالح على الأخلاق.

4- اقتصادها كان منوعاً فيه الزراعة وأيضاً كانت محطة تجارية مهمة لكثير من القوافل التي كانت تعبر من مكة إلى الشام ( هناك طريقان للتجارة الطريق الأول قريب من الساحل، والثاني من يثرب وتعبر بخيبر ثم تبوك ثم الشام وأيضاً من يثرب إلى نجد ثم للعراق).

5- الزراعة والتجارة أعطتها شخصية أكثر توازناً، ففيها لغة المصالح، وفيها لغة الناس المستقرين، وفيها لغة الزراعة لغة البساطة.

6- كانت مدينة حصينة ليس لأنها واحة فقط يصعب على العدو اقتحامها بل لديها جبل أحد حاجز طبيعي في شمال المدينة وجبل في جنوبها وفيها الحرات التي تحيط بالمدينة من كل جانب فكان عسير على الجيوش أن تغزو المدينة إلا من حيز ضيق كما حدث في أحد، ورأينا عندما حفر الخندق كانت حصينة جداً وتعذر على جيش قريش وغطفان اقتحامها.

تركيبة يثرب السكانية:

هناك تركيبة ديموغرافية في يثرب:

اليهود: موجودون منذ زمن بعيد الأرجح أنهم جاءوا في الأزمة التي كانت تحارب فيها الدول اليهود فهاجروا خوفاً من البطش واستقروا في المدينة وبنو مجتمعاً زراعياً وبدأوا يتاجروا بين القبائل.

الأوس والخزرج: قبائل أسدية أي من أصول يمنية هاجروا في وقت لاحق من اليهود على الأرجح القرن الرابع الميلادي، استقر الأوس قريباً من بني قريظة ومن بني النضير واستقر الخزرج قريباً من بنو قينقاع، وهذا الجوار أدى فيما بعد إلى التحالف في الحروب.

فالتركيبة فيها عنصر عربي جاء من اليمن وعنصر من أهل الكتاب، بمعنى أن لغة الرسالة ولغة البعث والنبي موجودة، وكان الأوس والخزرج يستمعون لليهود في مناسبات عديدة فيتحدثون عن نبي قادم في أخر الزمان ويتحدثون عن شريعة ويتحدثون عن كتاب.

لما خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه اللغة وهي ليست غريبة عليهم ساعدت على تقبل سكان يثرب للرسالة وجعلت من النبي صلى الله عليه وسلم شخصاً مقبولاً.

الحروب بين الأوس والخزرج وحرب بعاث:

لماذا كانت الحروب متصلة بين الأوس والخزرج؟

لأن الأوس سكنوا الأماكن العالية الغنية الخصبة أما الخزرج سكنت في الأماكن الغير خصبة، فهذا التنافس أحياناً يخرج عن السيطرة وتحدث حروب ومناوشات ومع انضمام القبائل اليهودية الأخرى تحصل تحالفات أكبر.

في حرب بعاث (أكبر حرب حدثت بين الأوس والخزرج وأخر حرب) انقسم المجتمع انقساماً حقيقياً فانضم بني النضير وبنو قريظة إلى الأوس، وانضم بنو قينقاع إلى الخزرج كادت تلك الحرب أن تقضي على الخزرج.

انقسم المجتمع إلى 3 كتل عملية كبرى:

الأوس وحلفاؤهم، والثانية الخزرج وحلفاؤهم، وخرج في النصف على الحياد عبد الله بن أبي بن سلول _ كان من الخزرج _ مع مجموعة من قومه.

الانتقال إلى يثرب ليس انتقال يحتمي به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بطش قريش، بل هو تحول استراتيجي عميق من أجل البعثة فاليوم نتكلم عن مركز وعاصمة لدعوة سوف تبدأ تتعاطى مع المحيط بنفس جديد وعقلية جديدة وانفتاح جديد.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَدِمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وقُتِّلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وجُرِّحُوا، قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في دُخُولِهِمْ في الإسْلَامِ”. صحيح البخاري

فهذه الحرب جعلت من النبي صلى الله عليه وسلم شخصاً مقبولاً، فملئ الفراغ بعد تدميرهم.

الحروب الأهلية عبر التاريخ يعقبها دائماً محاولة تصالحية وأيضاً أحيانا إلى انتقال جدي نحو بديل يملئ الفراغ ويعيد التفكير في الأسس العميقة للمجتمع السابق على الحرب، فكانت يثرب تبحث عن فكر جديد ووعي جديد وزعيم يؤدي إلى حالة استقرار وازدهار، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبحت المدينة عاصمة ليس لمحيطها الصغير بل لإمبراطورية عظمي تحكم العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *