نقدم لكم الربيع الأول في السيرة النبوية | الموسم الثاني | الحلقة 3 | قريش المسلمة وقريش المشركة، مع ملخص مكتوب للحلقة.
قد يهمك:
الربيع الأول في السيرة النبوية
الموسم الثاني
الحلقة 3 | قريش المسلمة وقريش المشركة
قريش المشركة:
بدأت قريش تشيخ وتفقد المبادرة، وزعماؤها بدأوا يفقدون القدرة على التركيز، فمثلاً خروج مصعب بن عمير لم يكن سراً وقريش لم تستطع التعاطي مع هذا الخطر المحتمل إلا في وقت متأخر بعيد العقبة الثانية.
هاجر النبي صلى الله عليه وسلم بعد العقبة الثانية ب3 شهور فقط هنا أدركوا أن هناك مشكلة.
اتخذت قريش قراراتها لكن متأخراً وهذا طبيعة النظم الساكنة الخاملة التي تعتد فقط بالأنساب وتبني شرعيتها على أسس موروثة وليس على الابتكار والابداع والشباب.
شيوخ مكة قادوها نحو التهلكة لذلك كانت ضعيفة، فشلت قريش في منع النبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة، وستفشل أكثر عما قريب لأن بنيتها الداخلية متهالكة لا تقدر الابداع ولا أي فكر جديد وذلك سيتعارض مع مفهوم جديد سيبنى في يثرب.
قريش المسلمة:
الصحابة الذين هاجروا كانوا شباباً في معظمهم وكانوا قرشيين، وهاجروا مع زعيم قريشي من أعمدة النسب القرشي وهو النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك نتكلم عن قريش ولكن بشروط جديدة قريش مسلمة خارج مكة، حية وفتية ومبدعة وذات خلق وذات رسالة جديدة.
وبالتالي قريش الكافرة المتهالكة المعتدة بالأنساب بدأت تخرج من المشهد وتدخل قريش المؤمنة الفتية القوية المتطلعة نحو المستقبل وإن خرجت عن وطنها الأول مكة فإنها ستبني في وطنها الجديد دولة تصل المشارق والمغارب.
يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن العرب تقدر قريش بسبب البيت الحرام وبسبب تجارتها وغيره، ولذلك لم يكن هدف النبي صلى الله عليه وسلم أن يدمر قريش بل هدفه أن يحيي قريشاً جديدة بذات وعي جديد وقواعد جديدة ومنفتحة على قبائل العرب، قريش بلا حدود.
وصول النبي صلى الله عليه وسلم يثرب:
كيف تصرف النبي عندما وصل المدينة؟
كل الأنظار تتطلع لهذا القادم الجديد لتقيمه سواء من المسلمين فكثير منهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، ومن غير المسلمين ومن اليهود، لذلك تصرف النبي صلى الله عليه وسلم في غاية الحكمة كزعيم وقائد من اللحظة الأولى، فعندما حطت رحاله لم يدخل مباشرة إلى يثرب بل بدأ عملية انتقال تدريجي، فمكث عدة أيام في قباء وبدأ يتكلم مع الناس ويلتقي بهم ويستقبل الوفود.
الانطباع الأول لأهل يثرب عن النبي صلى الله عليه وسلم:
في هذه الفترة لاحظ الناس أنه رفيق ودود متعفف قبل الهدية وتعفف عن الصدقة فهذا زعيم فيه صفات التعفف، فيه صفات الاستعلاء لكن مع الأدب والتواضع وليس كاستعلاء قريش وسادتها وليس أيضاً كاستعلاء عبد الله بن أبي بن سلول من شيوخ يثرب.
فيه أيضاً أنه لا يفرق بين شريف ووضيع فيما يتعلق بالنسب فيأتيه سادة الأوس والخزرج فيجالسهم ويأتيه الموالي والعبيد وعامة الناس يجلس معهم ويتحدث معهم بنفس الحديث وبنفس المجلس، ويثرب تحتاج لهذا الشكل من القيادة فقد سئمت من طرق السادة السابقين الذين أوردوها المهالك.
جاء النبي الجديد بوعي جديد وبفكر جديد وبرسالة جديدة، فيه ذلك الإيمان التوحيدي العميق وليس فيه القسوة التي تعادي كل من لا يؤمن بدينه، فقد كان ينفتح على الناس يتحدث معهم وإن أغلظ أحد الحديث كان يبتسم في وجهه، وكان ليناً رفيقاً حسن الخلق وكان عظيماً في طريقة تعامله مع الناس، فبالتالي هم أمام زعيم حقيقي منفتح، كان في لباسه ومتاعه متقلل لا يطلب المال ولا يطلب السؤدد ولا ينظر باستعلاء هو نبي برسالة وزعيم بخلق.
ذلك عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم كانت الانطباعات الأولى التي رفعت لكل الفئات في المدينة هذا رجل فريد.
موقف اليهود وأهل يثرب من النبي صلى الله عليه وسلم:
ارتبك اليهود لأنهم أمام واقع جديد رجل يقول أنه يؤمن بإله واحد وهم كذلك، ورجل جاء بكتاب مصدق لما بين يديه بما في ذلك توراة موسى ويؤمن باليوم الأخر، لكن هناك مشكلة واحدة أنه ليس منهم، فإن أعطوه الشرعية والقبول هناك خطر أن يحدث مركز قوة جديد ويجمع العرب من الأوس والخزرج، ويصبح هناك مشكلة لوضعهم الذي استفادوا منه استفادة كبيرة، ولذلك اضطرب الموقف اليهودي من النبي صلى الله عليه وسلم.
عبد الله بن أبي بن سلول – وقد أعد التاج الذي سيوضع على رأسه ملكاً ليثرب – أمام شخص الكل ملتف حوله فغار منه وحقد على هذا الواقع الجديد، لكنه لا يستطيع المقاومة لأن كل زعماء الأوس والخزرج من الشباب معه بما في ذلك ابنه ولذلك اتخذ موقفاً ثانياً وهو النفاق أي أظهر وداً وأبطن شراً.
النبي كان مدرك لكل هذه التناقضات وأراد ألا يدخل في أي حلف من الأحلاف حتى مع أخواله من بني النجار فلم تأخذ العلاقة شكلاً خاصاً.
المسجد ودوره:
عندما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بالناقة كل أهل يثرب كان يعرض عليه البقاء عنده، فيقول لهم اتركوها فإنها مأمورة، فالناقة أمرت من الله تعالى لتنزل في تلك الأرض، واشتراها النبي صلى الله عليه وسلم بالمال، لماذا؟
هنا سيكون مقر الدولة الجديدة، هنا سيكون المسجد، ليس المسجد دار العبادة فحسب لكن دار الإمارة والقضاء ودار السياسة ومجمع الأمة، وهذا ينبغي ألا يكون لأحد فيه أثرة، ولا ينبغي أن يدعي أحداً ملكاً ببعض مافيه، هذا كيان محايد لم تعهده يثرب من قبل هذا هو الإجماع الجديد في تلك البقعة في المدينة المنورة، هنا دار الندوة من جديد لكنها مترفعة عن أعراف قريش وفسادها.
هذه الدار الجديدة لا تميز بين ما هو ديني وما هو دنيوي:
أي أن هذا المكان لا يفرق بين ما هو قاصد نحو الله عبر الطقوس والشعائر وبين ما هو قاصد نحو الله عز وجل عبر السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، هنا اتحدت البوصلة فهو اتحاد فريد لا يوظف النبي صلى الله عليه وسلم الدين لمصالحه وزعامته كما فعلت قريش، ولم يوظف مكة البيت من أجل قوافله كما فعلت قريش، هذا المكان البوصلة فيه قاصدة نحو الله والتطبيقات جميعاً قاصدة نحو تلك البوصلة وبالتالي لا فرق بين ما هو دنيوي وما هو ديني في هذا الإطار.
كان المسجد هو الجامعة الأولى بناء إجماع جديد لا يكفي أن تكون السياسة جوهرها ولا ينبغي أن يتمحور الأمر حول المصالح والمال والاقتصاد، إنما يتمحور حول تنقية داخلية للنفس وللروح تربوية وعقلية، فهم جديد للوجود وللكون ومكان الإنسان في الكون وعلاقته بالوجود كاملاً.
فكانت من وظائف المسجد وظيفة تربوية بالإضافة إلى السياسي والاقتصادي والديني، كلها أصبحت مكونات لمنهج توحيدي واحد وهذا الذي بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعده ليكون مقراً أساسياً، فكانت بوابات المسجد منفتحة على معظم الأحياء كان يدخله الصحابة، فكانت كل بيوتهم الرئيسية منفتحة على المسجد فلم يكن كياناً منعزلاً حتى من حيث البناء والشكل، بسيط من حيث الشكل لكنه كيان منفتح يرحب بكل الناس القادمة إليه.
كان في وسط يثرب فهو الملتقى الطبيعي الجغرافي لكل قادم أو زائر أو مسافر أو مهاجر إلى يثرب لن يضل الطريق سيقوده سعيه إلى ذلك المكان الذي سيصبح بحق أول مركز يتحد فيه الروحي والديني والدنيوي والسياسي والعقلي في بوتقة واحدة.