الأربعاء , نوفمبر 6 2024

الربيع الأول في السيرة النبوية | الموسم الثاني | الحلقة 4 | ميلاد أمة

نقدم لكم الربيع الأول في السيرة النبوية | الموسم الثاني الحلقة 4 ميلاد أمة، مع ملخص مكتوب للحلقة.

قد يهمك:

banar_group

الربيع الأول في السيرة النبوية

الموسم الثاني

الحلقة 4 ميلاد أمة

بناء المسجد كان إعداداً مهماً للمقر وإعداداً مهماً للمنهج وإعداداً مهماً للرسائل التي ستخرج عن هذا المقر فيما بعد، فما الذي حدث؟

هناك خطوتان رئيسيتان فعلهما النبي صلى الله عليه وسلم في الفترة الأولى (7 أشهر من قدومه للمدينة):

1- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

هناك مشكلة فيما يتعلق بالمهاجرين فمعظمهم صودرت أموالهم فكانوا في حاجة حقيقية، أي أن هناك مشكلة اقتصادية.

ومشكلة أخرى أنهم من قريش ويريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقدم منهم نموذجاً لقريش المسلمة ويريد أن يحتفظ بالاسم (قريش) لأن هذا الاسم الكبير لا ينبغي أن يكون حقاً للمشركين.

فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبني حالة من الاتفاق غير النظام السائد وقتئذ وهو نظام المولاة الذي يرسخ للعصبية القبيلة.

ما هو نظام الموالاة؟

أي إذا أتي مهاجر إلى قبيلة والى تلك القبيلة، فيقال فلان مولى بني فلان، وبالتالي أصبح لديه الحقوق والواجبات كواحد منهم.

أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتج نظاماً جديداً، فجاء بنظام جديد اسمه المؤاخاة.

ما هو نظام المؤاخاة؟

المؤخاة على أساس فردي، يجمع الناس هذا من المهاجرين وهذا من الأنصار فيأخي فيما بينهم، فيشتركان في الأموال، ويساعد بعضهم البعض حتى يستقر حال الطبقة المهاجرة وترتاح النفوس.

كان هذا النظام الجديد ليس معهوداً، ليس عصبية القبيلة بل رابطة أخوة، وليس نتيجة للصراعات القبلية ولا للتصنيفات القبلية بل هي فهم ووعي جديد للعلاقات بين البشر.

2- الصحيفة أو الوثيقة:

العرب في الحجاز لم تكن قد عهدت فكرة المركز السياسي بل كانت تقوم على فكرة التعدد القبلي والإجماع القبلي أكثر من السياسي.

ما هي الوثيقة:

هي الوثيقة التي أصدرها النبي صلى الله عليه وسلم منذ الشهر الخامس أو السادس لوصوله للمدينة، وضع قواعد لبنية سياسية لم تكن معهودة لدى كل هذه القبائل.

الصحيفة هي الدستور، وقد أنشأت لأول مرة في جزيرة العرب التي كانت تتسم بحالة فوضوية سياسية، فحددت لهم مساراً موثقاً منظماً في شكل وثيقة مكتوبة، فكانت انقلاباً جوهرياً في طرق التعامل داخل المجتمعات العربية.

بنود الوثيقة:

1- الفقرة الأولى:

في فقرتها الأولى كتب:

بسم الله الرحمن الرحيم هذه الصحيفة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أي أن الشرعية التي أعطيت لهذه الوثيقة كانت الشرعية النبوية، القائد الجديد ليثرب والنبي المرسل صاحب الدعوة.

2- هدفها:

هدفها المسلمين من قريش ويثرب ومن لحق بهم ومن تابعهم ووالهم أمة واحدة من دون الناس، فمفهوم الأمة الذي عرف في تلك الصحيفة لم يكن العرب يعرفها من قبل بهذا المعنى، فالأمة عندهم هي القبيلة، فلم تكن عابرة للقبيلة من قبل.

تمسك النبي صلى الله عليه وسلم باسم قريش فهذا الاسم مهم جداً لا يعطى لقريش المشركة في مكة تستخدمه كما تشاء.

3- المواطنة:

الفرد في يثرب سيكون مساوي لكل الناس:

أي من يأتي بجريمة لم يحاسب قومه عليها بل يحاسب هو وحده ويتحمل خطيئته، فنزعت الصحيفة عن القبيلة الأخطاء الفردية، ولكن حددت للقبيلة والعشيرة وظائف أخرى مثل:

التعاقل: أي إذا قتل أحد أفراد القبيلة شخصاً بالخطأ من قبيلة أخرى فالقبيلة تدفع ديته، أيضاً إذا أسر رجل وأرادوا أن يفدوه فهذا واجب القبيلة.

فأقصىت الوثيقة القبيلة إلا عن وظائف الخير التي فيها تكافل اجتماعي.

4- التقاضي:

إذا اختلفتم في أمر فمرجعه إلى الله ورسوله:

أي إلى الله تشريعاً وإلى الرسول قضاء، فبالتالي أصبح هناك آلية للقضاء والتحاكم، كان في الماضي في يثرب يتحاكم الناس للكهان، أو عند الألهة، أو بضرب الأقداح أو بنظام المنافرة ( أي ينفر رجل أمام رجل مقابل مال وكان مشهور في جزيرة العرب) كلها ألغيت فأصبح هناك نظام تشريعي يستند إلى الشرع الإلهي، وقضاء يستند إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم.

5- اليهود:

تتحدث الوثيقة عن اليهود بتفصيل دقيق، فللمسلمين دينهم ولليهود دينهم ولكن هم جميعاً يتحالفون في الدفاع عن المدينة، واليهود يشاركون في دفع تكاليف الحرب مادام المسلمين محاربين، أى هناك حلف عسكري تام للدولة بين كل مكوناتها.

6- قريش:

لا يجوز لأي من مكونات المدينة أن يعين قريش أو يواليها سواء كان بالأموال (القوافل) أو الأفراد، أي حددت البوصلة الاستراتيجية للأمن القومي.

لا تتم أي مولاة مع قريش وأهل هذه الوثيقة، أي أن قريش مستثناه من أي حلف قادم بينها وأي من مكونات المدينة.

7- النبي صلى الله عليه وسلم:

النبي هو القائد وهو الحكم وهو الشاهد على الوثيقة، أي ليس فقط نبياً نهتدي بهديه ونطلب منه الإشباع الروحي أو الفهم الديني، ولكنه أيضاً قائد بكل الصلاحيات اللازمة لكي ينفذ بنود هذه الوثيقة من قضاء وتحالف وسياسة ودفاع وإجماع وتوزيع للمهام.

ماذا بعد الوثيقة:

إذاً عندنا القيادة ومركز القيادة والمؤاخاة ونظام اجتماعي جديد وبقي الأن ننتقل للفعل الاستراتيجي، فبنيت قواعد الدولة الأولى وبني الفهم الجديد وعرف الجميع ومنهم اليهود والمنافقين أنهم أمام واقع جديد وسلموا بذلك، وبالتالي القيادة اليوم موحدة سوف تتجلى سريعاً بقررات عسكرية فورية.

سرية حمزة بن المطلب:

بادر النبي صلى الله عليه وسلم كعادته وسير سرية بقيادة حمزة بن عبد المطلب بعد 7 شهور فقط من وصوله للمدينة إلى سيف البحر على بعد 250 متر من المدينة لكي يعترضوا عير من عير قريش كانت بقيادة أبي جهل.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ عدوه بالمفاجأة التي تربكه وتضعه في موقف رد الفعل، فما كان أبو جهل يتوقع أن يجد أمامه حمزة بن عبد المطلب و30 من المهاجرين وهو يسير آمن مطمئن في ديار بني جهينة على ساحل البحر الأحمر من الشام عائداً إلى مكة بألف جمل.

عندما رأى أبو جهل حمزة ما الذي دار في خلده؟

نتوقع أنه تحسس وجهه، لأن الشجة التي شجها حمزة لأبي جهل منذ سنوات ربما ماثلة في وجهه، فعندما علم حمزة أن أبا جهل قد تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم بأذي جاء إليه وضربه بقوسه وشج وجهه وأدماه وصاح فيه أتسبه وأنا على دينه؟! وكان حمزة حتى تلك اللحظة لم يسلم بعد، فكان هذا سبب إسلامه، ولم يستطع أبو جهل أن يرد على حمزة وهو زعيم بني مخزوم ولم يأذن حتى لقبيلته أن ترد على حمزة لشجاعته وقوته.

أبو جهل تحسس وجهه وأدرك أن حمزة الذي ضربه قبل سنوات قليلة هو حمزة الذي سيضرب تجارة قريش، والمسلمون هم الذين يتعرضون لها وأن لحظة جديدة قد أدت إلى تدمير الإيلاف القرشي الذي حكم المنطقة أكثر من قرن ونصف ونحن على وشك أن نجد إيلافاً جديداً بزعامة النبي صلى الله عليه وسلم يرسم حدوده ومعادلاته وموازينه بشكل لا يربك قريش فقط بل يربك كل قبائل الساحل وكل قبائل الجزيرة، وسنرى ذلك تباعاً في استراتجيته صلى الله عليه وسلم في مشاغلة قريش وإرباكها وصولاً بها إلى لحظة الصدام إلى معركة بدر الكبرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *