الربيع الأول في السيرة النبوية | وضاح خنفر | الحلقة 23 ما قبل يثرب

نقدم لكم الربيع الأول في السيرة النبوية وضاح خنفر الموسم الأول الحلقة 23 ما قبل يثرب، مع ملخص مكتوب للحلقة.

قد يهمك:

banar_group

الربيع الأول في السيرة النبوية

وضاح خنفر

الحلقة 23 ما قبل يثرب

بنو شيبان:

استكمل النبي صلى الله عليه وسلم حواراته ولقاءاته مع بقية القبائل المختلفة مثل:

بنو حنيفة، وبنو كعب، وبنو كلب، وبنو عامر، وكان أهمهم بني شيبان.

روي عن علي بن أبي طالب أنه ذهب وأبو بكر الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم للقاء بني شيبان وكان سيدها هو هانئ بن قبيصة حفيد هانئ بن مسعود الذي انتصر في معركة ذي قار كما ذكرنا سابقاً.

يجلس حفيده في العام 11 للبعثة ومعه مجموعة من بني شيبان يخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة فيفهمون.

يخاطبهم بأننا جئنا لنأمر بالمعرف وننهى عن المنكر ونطعم الطعام …… إلخ، وتحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن مبادئ الإسلام وعن أخلاقياته فاقتنع به، فكرة الرسالة والنبي وأن هناك مرسل من الله ليست غريبة عليهم فهم يتعايشون مع النصارى العرب المقيمين في العراق ولديهم ثقافة قريبة من الثقافة المسيحية المنتشرة في العراق، وكانوا يجاورون الفرس أيضاً.

كانت قبيلة بني شيبان لديهم استقلالية بعيدة جداً عن قريش، فكان بإمكانهم التعبير عن أراءهم بطريقة أكثر حرية من غيرهم، لذلك لديهم مكانة ومناعة مهمة.

رد هانئ بن قبيصة رداً جميلاً على محمد صلى الله عليه وسلم وقال:

يا محمد هذا أمر كبير لا نستطيع أن نحسمه في لقاء هو الأول من نوعه، نرجع إلى أهلنا وترجع إلى أهلك، ثم نفكر ثم نتحاور في هذا الأمر.

ويعطي هانئ موقف استراتيجي عن طبيعة القبيلة وموازين القوى فيها فيقول:

نحن بين أنهار كسرى وأنهار العرب، أما ما يكون في علاقتنا مع كسرى فالذنب غير مغفور لأنه اشترط علينا ألا نؤوي محدثاً وألا نساند عليه أحد، وأما مع العرب فالذنب في ذلك مغفور، فإن أردت أن ننصرك على ما يلينا من العرب ممكن، لكن إن أردت أن نحميك بالاتجاهات كلها بما في ذلك الفرس فنحن لا نستطيع.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا الدين لا يمسك به إلا من أحاط به.

وأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بهم وامتدحهم مع أبي بكر وعلي، وتكلم معهم في النهاية عن شيء قال لهم: فإن ملككم الله أرضهم وبيوتهم فهل ستسلمون؟

قالوا: نعم.

قال: هو حادث.

في تلك المرحلة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة محاصر يبشر بأنه سيفتح قصور كسرى وأرضه الكبيرة جداً بالنسبة للعرب، هذا في العام الذي كانت الدولة الفارسية تنتصر على الدولة الرومانية، وكانت هي أعظم قوة موجودة على الكرة الأرضية.

يثرب والبيعة الأولى والثانية:

التقى النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من يثرب، وهي مدينة زراعية تجارية بعيدة عن مكة ليست جزء من الجغرافيا السياسية لمكة إنما هي معبر لقوافل قريش في طرق من طرقها نحو الشام، أهل يثرب لديهم استقلالية عن مكة ومكة تحتاجهم أكثر مما يحتاجون لها.

يثرب خرجت لتوها من حرب أهلية مدمرة بين المكونين الأساسيين ليثرب وهم: الأوس والخزرج.

قبل 5 سنوات من الهجرة النبوية وقعت أخر حرب بين الأوس والخزرج وهي حرب بعاث، فجاءت مجموعة من الخزرج لمكة من أجل إيجاد حليف ضد الأوس، فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم معهم وقال:

أفلا أدلكم على خير من ذلك وشرح لهم الرسالة، لم يسلموا وسمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم لكنهم كانوا مشغولون بالحرب.

وقال أحدهم: لو أن هذا الرجل جاءنا ربما يصلح بيننا وتنتهي هذه المعارك وذهب.

يثرب بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم:

الخزرج فيها بنو النجار أخوال النبي صلى الله عليه وسلم فهم أخوال جده عبد المطلب.

زار النبي صلى الله عليه وسلم يثرب وعمره 6 سنوات لزيارة أخوال جده في يثرب، ووالده عبد الله توفي عند بني النجار ودفن عندهم.

ذهبت به أمه آمنة لزيارة قبر والده وأقام فيها شهراً، ثم عادت وتوفيت في الطريق ودفنت في الأبواء في طريق العودة لمكة.

إذا النبي صلى الله عليه وسلم على صلة مصاهرة ونسب مع بني النجار من الخزرج من المدينة.

أسعد بن زرارة وبيعة العقبة الأولى:

في معركة بعاث كاد الأوس أن يبيد الخزرج في مرحلة من المراحل، فلم تصلح يثرب أن تكون في ذلك الوقت مركزاً أساسياً للدعوة لكثرة الحروب والاضطرابات في ذلك الوقت، لكن التواصل معها بقي مستمراً.

قبل 4 سنوات من الهجرة جاء أسعد بن زرارة من بني النجار إلى مكة في مهمة وجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه شخص أخر، فتحدث لهما النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما وعادا إلى يثرب.

بدأ أسعد بن زرارة يتكلم مع بعض الناس ثم عاد في السنة التي تليها مع 6 أشخاص أكثرهم من الخزرج، فأسملوا وعادوا.

في السنة التي تليها عاد 12 شخص وهنا حدثت بيعة العقبة الأولى وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإيمان بالله وأن يأتمروا بما أمر الله وأن ينتهوا عما نهى الله.

لم يتحدث النبي صلى الله عليه وسلم هنا عن عقد سياسي ولا عن حماية ولا عن منعه لكن مبادئ أساسية، وعادوا بسفير اسمه مصعب بن عمير وهو شاب من شباب قريش المميزين، حسن المظهر، حسن المنطق، متكلماً لبقاً، ومعه بن أم مكتوم الأعمى صاحب سورة عبس.

أقاما مصعب وابن أم مكتوم في بيت أسعد بن زرارة، وبدأ يأتيهما وجوه القوم.

البيئة النفسية ليثرب في تلك المرحلة كانت مضطربة بسبب الحروب والدماء والثارات والقتلى بين مكونات المدينة الرئيسية من الأوس والخزرج والقبائل الثلاث لليهود.

بنو قريظة وبنو النضير وقفوا مع الأوس ضد الخزرج، وقد أدرك الأوس والخزرج أن النفوذ الاقتصادي لليهود بدأ يتضخم على حساب نفوذهم، فكان هناك شعور بالانكسار وشعور بضرورة وجود حالة جديدة.

بيعة العقبة الثانية:

جاء الخطاب الإسلامي لكي يغير كثير في نفوسهم لكي يمسح الماضي القبيح من الحروب والدماء، ويعد بأمل جديد، ويؤسس لوحدة، لا فرق بين أوسي وخزرجي كل من يسلم فهو أخ للثاني.

بالتالي هذه الرسالة الجديدة لبيئة تعاني من التمزق والانقسام ومن الحروب هي بداية جديدة وانطلاقة مهمه ضرورية، وانتشر الإسلام بطريقة مفاجأة، ففي عام واحد استطاع هذا الفريق المكون من أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير وبن أم مكتوم أن يعودوا بـ73 من المسلمين من الأوس والخزرج ومعهم امرأتان في عام 13 للبعثة، ويبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية.

لم تكن بيعة العقبة الثانية كالأولى على الايمان بالله فقط، بل كانت بيعة فيها قدر كبير جداً من السياسة بياعهم النبي صلى الله عليه وسلم على:

  • السمع والطاعة في النشاط والكسل.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • لا تأخذهم في الله لومة لائم ويعلنوا الدين.
  • أن يمنعوه وينصروه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم (حماية تامة للرسالة).
  • وجزاؤهم في ذلك الجنة.

هنا يتشكل كيان ما، فيه عقد سياسي، فيه تفاهم على تبعات هذا الإسلام، فلم يعد الإسلام تجربة فردية للإيمان بالله، بل أصبح موقف سياسي واستراتيجي ضد القبائل وقريش ممن يعادون النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك أمسك أسعد بن زرارة بيد النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة وقال:

يا معشر الأوس والخزرج قبل أن تبايعوا تأكدوا مما تقولون، أنتم تقولون أنكم ستنصرون محمداً على غيره من الناس، وستعضكم السيوف وستحاربكم الناس، وسيكون لذلك تبعات كثيرة، فهل أنتم واثقون من ذلك؟

كان أسعد ذكياً فهو يريد أن يعزز هذه النقطة، أن هذه البيعة لم تكن فقط تدين شخصي، إنما هو موقف سينحاز فيه أهل يثرب إلى دعوة جديدة وأنها ليست دعوة يثربية خاصة بل سيكون لها تبعاتها على العرب جميعاً.

فيأكد عليهم هل أنتم مستعدون لتؤدوا ثمن موقفكم هذا؟

قالوا: أمط عنا يدك يا سعد، وذهبوا وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا:

فوالله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها، وبايعوه بحضور العباس بن عبد المطلب ولم يكن مسلماً في ذاك الوقت، فلماذا حضر؟

هو عم النبي صلى الله عليه وسلم وسيد بني هاشم بعد وفاة أبي طالب، فحضر البيعة لأن هذا العقد أصبح أيضاً عقد قبلي، فهو زعيم بني هاشم وقد حضر العقد مع محمد، فبايعوه بشرط العباسي وهو حماية النبي صلى الله عليه وسلم.

بيعة العقبة الثانية كانت ميلاد لفكرة جديدة ليست الإيمان فحسب لكن فكرة وجود فئة منظمة ذات موقف استراتيجي سياسي مدركة لأبعاده قادرة على تطبيقه، هذه هي النواة الأولى التي ستأسس بعد قليل الدولة المسلمة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلي يثرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *