نقدم لكم محاضرة كيف تكون صاحب همة عالية | الدكتور محمد راتب النابلسي، مع ملخص مكتوب للمحاضرة.
في عالم البشر قد تجِدُ إنسانًا بِقَلبِهِ الكبير وهِمَّتهِ العلِيّة وأهدافِهِ النبيلة كالجبل، وآخر لِضَعفِ هِمَّتهِ ولِسُخْف مَطلبِهِ كأنّه ذُبابة.
الإنسانٌ الذي يستخدمُ الطاقات الهائلة التي منحها الله إياه في معالي الأمور، سيكون عظيمًا من عُظماء البشَر.
ومن لا يستخدمها فسيتحمّلُ من أجلها الحسرات إلى أبد الآبدين.
ومن يستخدمُها في الشرّ, فهُم المجرمون والطّغاة،
قد يهمك:
كيف تكون صاحب همة عالية
الدكتور محمد راتب النابلسي
ما هدفك؟
لو سألْت إنسانًا ضعيف الهِمّة: ما هدَفُك؟
فهدفه أن يأكلَ ويشْرَبَ ويسْكُن في بيتٍ ويتزوّج، فإذا حقّق هذه المطالب تنتهي كلُّ أهدافِهِ.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فهَمُّه هِدايةُ الخلق.
الله عز وجل لا ينظرُ إلى شكلك، ولا إلى صورتك، ولكن إلى همِّكَ وهِمّتِكَ، فأنت تكْبُر عند الله بِقَدر ما تحْمِلُ من هُموم المسلمين.
بالهمة يصل كل إنسان لما أهمه وشغله، فهناك علماء كِبار يُعَدُّون من المُجدِّدين في الدِّين، فِكرُه وكتُبُه على كلِّ لِسانٍ، بعْد ألفِ عامٍ.
وهناك على مستوى الدّنيا هِمَّتهُ في تَحصيل المال مُذْهلة كصاحبُ مايكروسوفت الشابّ الأربعيني الذي تزيد ثروته عن 90 مليار دولار.
وآخر تركَ 50 مليون قتيل مثل هتلر فهو وَحْش وطاغِيَة وجبّار،
فبهمتك إما أن تكون أعلى من كلّ ملَكٍ، أو دون الحيوان.
كما قال الإمام عليّ -كرّم الله وجهه-:
“رُكِّبَ المَلَكُ من عقْلٍ ولا شهوَة، ورُكِّب الحيوان من شَهوةٍ ولا عقْل، ورُكِّبَ الإنسان من كِلَيْهِما, فإن سما عقلهُ على شهوتِهِ كان فوق الملائكة، وإن سمَت شهوتهُ على عقله كان دون الحيوان”.
من أنت؟
قلْ لي ما الذي يغضبُك، أقل لك من أنت؟
قل لي ما الذي يرضيك، أقلْ لك من أنت؟
قلْ لي ما مِقياسُ الفوز عندكَ، أقل لك من أنت؟
قلْ لي إلى ما تسْعى,، أقُل لك من أنت؟
ما الذي يُحزنُكَ، أقل لك من أنت؟
أيُّ شخْصٍ ترنو إليه، أقُلْ لك من أنت؟
الإنسان مخلوق ومجبول لِيَكون أعلى المخلوقات، قال تعالى:
“وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً.”
الوسائل التي توصلك إلى الله؟
بِمُجرّد أن تَدَعَ الحرام، وأن تقبلَ على الحلال، فقد ارْتقيْت عند الله عز وجل، فأنْ تكون عند الله محبوبًا شيءٌ في متناوَل يدك.
- لا يزال ابن آدم يتقرَّبُ إليّ بالنوافل حتى أُحبّه.
النوافل منها:
صَلاة النافلة، صَدقة النافلة، طَلبِ العِلْم، وخِدمةِ أخٍ مؤمن بِتَرْبيَة ولدٍ، بدَعْوةٍ إلى الله تعالى.
اِعْمَل عملاً صالحًا لا تبتغي به إلا وَجه الله تعالى، أقْرِض الله قرضًا حسنًا.
فإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سمْعهُ الذي يسمعُ به، وبصرهُ الذي يُبصرُ به، ويدهُ التي يبطشُ بها، ورِجلهُ التي يمشي بها، ولئِن سألني لأعطينّه، ولئِن دعاني لأجيبنه.
قال تعالي:
“فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً “.
- أيّ إنسان، أيّ مخلوق، أيّ نبات، هو مخلوقٌ لله عز وجل، كلّ هؤلاء الذين هم أمامك مخلوقات لله عز وجل، فإن أحْببْتَ الله أحببْتَ مخلوقاته، فكُنْتَ بهم رحيمًا، وكنت بهم رؤوفًا، كنت لهم منصفًا، أعنْتَهُم على شؤون دينهم،
- الإنسان التافه هو الذي يعيشُ لِشَهوَتِهِ، تافِهٌ لا قيمة له.
قال تعالى:
“الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ”.
“أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً”.
“وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ”.
“كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ “.
“إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً”.
“وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ”.
“مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”.
ماذا تركت لنفسك؟
إذا مات الإنسان ماذا يقول الناسُ عنه؟
إذا كان من أصحاب الدنيا فقط لا يُقال ولا كلمة، الله يرحمه.
ولكن إذا كان من أصحاب الأخرة يقال: انتفَعَ الناس بِعِلْمه، أو عملَ عملاً عظيمًا.
أن يكون لك عمل عظيم, لا يعرفهُ أحد تبتغي به وجه الله تعالى، كَخِدْمة للخلْق، تركْت بصمات في المجتمع، وتركْت أثرًا.
قال تعالى:
“إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”.
كان أمة: يعني هو في قلب أمّة، فأنت بِقَلب كم من واحد؟
هل تركْت بصماتٍ في المجتمع؟
هل تركْت علمًا؟
أو ولدًا صالحًا؟
أو مؤلّفاتٍ؟
تركْت مؤسسّة خيريّة؟
أو دعوة إلى الله تعالى ناصعة واضحةٌ بيّنة؟ .
منزلة الهمّة:
منزلة الهمّة منزلةٌ من منازل إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين، والهمّة فِعْلَةٌ من الهمّ، وهو مبدأ الإرادة والانبعاث، قال تعالى:
“وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ”.
ما الذي يبعث الإنسان؟
الهمّة هي المحرِّك.
كلّما كبرَ الهدف تعْلو الهمّة، وكلّما اشْتدّ العلم تعلو الهمّة، فالهِمّة متعلّقة بالعلم، ومتعلّقة بِعِظَم الهدف.
أمثلة:
- أذَّنَ لِصَلاة الفجْر المؤذِّن، صاحِبُ الهمّة العاليَة يتجافى جنبُه عن المضاجِع، وينطلقُ إلى الله لِيُصلّي، وصاحِبُ الهمّة الدنية يبقى نائمًا.
- صاحبُ الهمّة العليّة ينفقُ مالهُ ابتغاء مرضاة الله، وصاحب الهمّة الدنية ينفق ماله على نفسه مستمتعًا به.
- هناك طالب يدرسُ حتى الثانية فجْرًا، في همّته أن يكون طبيبًا لامعًا لذلك يعْزفُ عن لقاءٍ مع صديق، عن نزهة، عن سهرةٍ مع أهله، عن وليمةٍ, عن خروجٍ من البيت، يعكف على الكتاب، لأنّ هدفهُ كبير، فهمّته عاليَة.
- الهمّة لها علاقة بالمعرفة، قُدِّمَت حلويات فاخرة أمام طبيب فلم يأكل منها، فهو من شِدّة ما يرى من انسداد الشرايين عند مرضاه كلّ يوم، وهو يعلمُ أنّ هذه المادّة الدّسِمَة هي التي تشُدّ هذه الشرايين، كرِهَها كراهية علميّة، فهي طيّبة جدًّا لكنْ كرهها.
ما الذي تطلبه؟
إذا الإنسان تطلّع إلى الآخرة تعلُو هِمّته، ويزداد شَوْقُه، ويبْذلُ الغالي والرخيص، والنّفْسَ والنفيس.
مقولةٌ أصحّ من هذه المَقولة: قيمة كلّ امرئ ما يطلبُ.
فما الذي تطلبُه أنت؟
الله عز وجل خلقَنا لِيُسْعدنا، فإذا رآنا نختارُ الدّنيا يُعاتبُنا، قال تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ”.
“قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً”.
معظمُ الناس يتَّجه إلى المباحات، يعتني بها إلى أقصى درجة فجأةً تأتيه المنيّة في أوْج نشْوَتِهِ، يُغادرُ الدّنيا وهو حريصٌ على البقاء فيها.
من هو الإنسان العاقل؟
الإنسان العاقل يوزع أهدافهُ بين الدنيا والآخرة، أما الذي وضَعَ كلّ أهدافه في الدنيا, ثمّ اكْتشفَ فجْأةً أنّ الدنيا زائلة، فقد خسر خسراناً مبيناً.
تأتي ساعات على من يُفارقُ الدّنيا ينسى فيها كلّ اللّذائذ التي في الدنيا يقول: لمْ أر خيرًا قطّ!.
الهمة العالية والهمة الدنية:
أيّ همّة تعلّقت في الدنيا فهي هِمّة دَنِيَّة، وأيُّ هِمّة تعلَّقَتْ بالحق تعالى فهي هِمّة علِيَّة.
ومن شَغَلَهُ ذِكْري عن مَسألتي أعْطَيْتُهُ فوق ما أُعطي السائلين.
أنت هِمَّتُك تتَّجِهُ إلى مَنْ؟
إن كانت هِمَّتُكَ تتَّجِهُ إلى الحقّ جلّ جلاله, فأنت من عُظماء البشَر، سَمَوْت عن الضَّعْف البشري، فالأنبياء هم بشرٌ في الأساس، لكنّهم لأنّهم تَجْري عليهم كلّ خصائص البشر كانوا سادة البشَر، همْ قِمَمٌ لأنّهم بشر، انتَصروا على ضعفهم البشري،
أما إذا الإنسان خضَع لضَعْفه البشريّ أصبحَ تافهًا، لكلّ عصْرٍ هناك للبيئة معالم.
يقول لك: أنا مع الناس، إن أحسنوا أحْسنْت، وإن أساؤوا أسأْت، والناس يقلد بعضهم بعضًا، فالخطّ العريض في المجتمع، والأكثريّة مقلّدة.
قال عليه الصلاة والسلام:
“لا يكن أحدكم إمَّعَة”.
الإمعة الذي يقول أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت ولئن أساؤوا أسأت.
أما الأبطال فلا يتأثّرون بالبيئة، ولا يستجيبون لِضَغْط البيئة، بل هم يؤثِّرون في البيئة لا يتأثرون.
من ملامح صاحب الهمة العالية:
1-صون القلب عن الرغبة في الفاني :
أوَّلُ ملامِحِ هذه الهِمَّة العاليَة: هي صوْنُ القلب عن الرغبة في الفاني.
يأكلُ لِيعيش، يسْترُ جسمهُ كما أمره الله عز وجل، يتزوّج وفْق سنَّة النبي صلى الله عليه وسلّم، يأكل، ويشرب، ويلبسُ من دون إسرافٍ ولا مَخْيلَة، هذا هو شأْنُ المؤمن.
أما الإسراف، الترَف، التبذير, الظهور بِمَظهر كبير جدًّا، هذا ليس من شأن المؤمن.
“تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ”.
قلْبَ صاحبِ هذه الهمّة يسْتوحِش من الدنيا الفانيَة ويتعلّق بالباقيَة.
فالهِمّة العالية من لوازمها: أنّ القلب يسْتوحِش الدنيا، ويأْنسُ بالحق.
قلبُ صاحب الهمّة العاليَة يزْهدُ فيها وفي أهلها:
قال سيّدنا عليّ:
إليك عنّي يا دنيا فقد طلّقْتُك بالثلاث، شأنك خطير، أمدك قصير غُرِّي غيري.
وأما الراغبون فيها فأرواحهم وقلوبهم في وَحشةٍ من أجسامهم، إذْ فاتها ما خُلقَت له، فهي في وحشة لفواته.
فرْق كبير بين زاهدٍ في الدنيا وبين متعلّقٍ بها، الزاهدون في الدنيا يرونها موحشةً لهم, لأنّها تحول بينهم وبين مطلوبهم ومحبوبهم.
فصاحبُ الهمّة العاليَة تحْملُه هِمَّته على الرّغبة في الدار الباقيَة لا في الدار الفانية،
المؤمن الصادق هدفهُ الله عز وجل، هِمَّتهُ العاليَة تقتضي أنّ أيّ شيءٍ يقرِّبُه من الله عز وجل يتعلّق به، وأيّ شيءٍ يُبعدُه عن الله ينقطِعُ عنه.
فصديق مؤمن، وحديثهُ عن الله، يتعلّق به يزورهُ، ويحرصُ على صُحبته، وصديقٌ آخر دُنْيَوي، كلّ حديثه عن الدنيا، والطّعام والشراب والنّساء، يبتعِدُ عنه، فكُلّ شيءٍ يقرِّبُك من الله تتمسَّك به، وكلّ شيءٍ يبعِدُك عن الله تعالى تبتعِدُ عنه.
2- السكينة:
أحيانًا تجلسون في مَجْلسٍ، في بيت، يدورُ حديثٌ عن الله عز وجل، عن الآخرة، وعن كمال الله، وعن كمال الأنبياء، يقول أحدهم لك وهو صادق: كُنَّا في جّنة، وقد تكون الغرفة متواضعة جدًّا، جلسوا على الأرض، وقُدِّمَت لهم ضيافة بسيطة جدًّا، وأحيانًا تكون في مكانٍ جميلٍ جدًّا، وفخْمٍ جدًّا، ولكن لا سرور، هذه السكينة يُلقيها ربّنا على من يشاءُ من عباده.
3- البصائر والأبصار:
الزاهدون في الدنيا ينظرون إليها بالبصائر، والراغبون فيها ينظرون إليها بالأبصار.
الراغب يراها بِعَينِهِ هناك بيت جميل وقصر جميل وامرأة جميلة .. إلخ، أما المؤمن فهو يرى بالبصيرة، يرى أنّها فانيَة، لا بدّ من أن يدَعها إلى جنّة عرضها السموات والأرض.
4- عُلُوُّ الهمّة من الإيمان.
ما أهم شيء في حياتك؟
تكادُ تكون الهمّة محرّك، وأنت في الطريق إلى الله عز وجل, أهمّ شيءٍ في حياتك هذه الطاقة المحرّكة، وهذه الهمّة العليّة، ولا تَنْسَوا المقولة الثابتَة التي وردَت في الأثر:
“عُلُوُّ الهمّة من الإيمان”.
كلّما ازداد إيمانك علَتْ همّتك، يصبحُ همّك طلب العلم، هناك بالإنسان حاجات عُليا، وحاجات دنيا، صاحبُ الهمّة العليّة تستيقظُ عندهُ الحاجات العليا، طلبُ العلم يأتي في رأس هذه الحاجات العليا، وصاحبُ الهِمّة الدنِيَّة حاجاتهُ دُنيا، حاجاته كما ورد:
“تعِسَ عبد الدّرْهم والدّينا، تعسَ عبدُ البطن، تعسَ عبد الفرج تعس عبد الخميصة”.
الذي يَعتني بِثِيابِه إلى درجة أنّه يكرهُ أن يُصلّي للحِفاظ على أناقة ثِيابِهِ مثلاً، هذا عبْدٌ للخميصة، والذي همّه الطعام والشراب، وهمّه النّساء، وهمُّه الدّرهم والدِّينار، هؤلاء عبيد.
أما الأحرار فهم الذين همّهم الله عز وجل.
كان عليه الصلاة والسلام تعْظُم عندهُ النّعمة مهما دقَّتْ، لأنّه يعظّمُ المنعِم، لكن لم يكن يغضبُ للدنيا أبدًا.
5- صاحب الهمة في مقام عال:
صاحبُ الهمّة العاليَة يأنَفُ أن ينْزلَ من مقامِهِ العالي إلى مقام أهل الدّنيا، فهو ليس متكبِّرًا، ولكنْ في مُستوى رفيع.
“لا يصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامه إلا تقي”.
صاحب مؤمنًا تتذاكَر معه العِلْم، فتَرْقى به، ويرقى بك.
صاحب مؤمنًا عندهُ حياء لا يتكلّم إلا الكلمة الراقيَة.
صاحب مؤمنًا عندهُ كرَم.
صاحِب مؤمنًا عندهُ رحمة.
صاحب مؤمناً سِتِّير لا يفْضحُك.
صاحِب مؤمنًا شُجاعًا لا يخذلُك.
صاحب مؤمناً مخلصًا لا يُسْلمُك.
صُحبة المؤمنين جنّة في الدُّنيا.
إذا كان بالدّنيا جنّة، هي أن تصْحَبَ مؤمنًا، كلّه أخلاق عاليَة، أدَب، وورَعٌ، أنَفة, وعِفّة, وحِشْمة، ولا تصاحب إنساناً دُنيَوياً دنيئاً، خسيساً، غدّاراً، كذّاباً، أنانياً، مخادعاً.
صاحب الهمّة العاليَة يطلبُ ربّهُ طلبًا تامًّا بكلّ معنًى واعتبار في عمله، يطلبُ ربّه بعمله، فعملُه مُتقَن، فيه صِدق وأمانة، وعبادته ومناجاته، ونومه، ويقظته، وحركته، وسُكونه، وعُزلته، وخلْطَته, وسائر الأحوال، لقد انْصبغَ قلبهُ بالتوَجُّه إلى الله تعالى أيَّما صِبغة، وهذا الأمْر إنَّما يكون لأهل المحبّة الصادقة.
قد تَجِدُ ملكاً بيَدِهِ كلّ أمور مملكته، ولكن لا طريق إليه، لا سبيل إليه، لكنّ الله عز وجل ملِك الملوك، قال تعالى:
“فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً”.
أنت حينما تنتهي عمّا نهاك الله عنه، وحينما تعملُ صالحًا تصِلُ إلى الله تعالى، والله عز وجل ينتظرُك.
قصص من حياة الصحابة في الهمم العالية:
إذا قرأنا تاريخ الصحابة، والله نجدُ أنفسنا لا شيءَ أبدًا.
- سيّدنا عمر -رضي الله عنه- ماذا أراد؟ أراد أن يقيم الحقّ في الأرض.
- سيّدنا الصدّيق, هذا الإنسان اللطيف الناعم الرقيق النحيل، جيَّشَ جيشًا بعد حُروب الردّة، وفتَحَ به بلاد المسلمين، وقال:
والله لو منعوني عِقال بعيرٍ كانوا يُؤدُّونه لِرَسول الله -صلى الله عليه وسلّم- لقاتلْتُهم عليه، هِمَّة عاليَة.
- سيّدنا الصّديق لمْ ينْدَم على شيءٍ فاتَهُ من الدّنيا قطّ.
- سيّدنا عثمان أنفقَ مالهُ كلّه، جيَّشَ جيشًا بأكمله، فقال عليه الصلاة والسلام:
“ما ضرّ ما فعل عثمان بعد اليوم”.
- سيّدنا عمر بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنّة.
سألَ عمر سيّدنا حذيفة – كان أمينَ سرّ رسول الله – بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: بِرَبِّكَ هل أنا مع المنافقين؟
فقال حذيفة: معاذ الله يا أمير المؤمنين.
مِن شِدّة خوفِهِ من الله تعالى ومن شِدَّة حِرصِهِ على طاعة الله تعالى، ومِن شِدّة تعلُّقِهِ بالآخرة، قال له: أُنْشِدُك الله هل جاء اسمي مع المنافقين؟
أما الآن تجِدُ إنسانًا غارقًا بالمعاصي ويقول لك: أنا إيماني أقْوَى من إيمانك، ويدَّعِي أنّ إيمانه إيمان الصدِّيق.
- سيّدنا عمر بعد أن طُعِنَ، وكان يُصلّي بالمسلمين الفجْر، أوّل ما فعله بعد أن صحا, قال: هل صلّى المسلمون الفجْر؟ هِمَّتهُ في الاتّصال بالله عز وجل.
ما أول شئ يخطر ببالك حينما تستيقظ صباحًا؟
هناك أشخاص وهم على فراش الموت, يسألون عن أشياء دنيوية، يقول: هل وصَلَتْ البِضاعة؟! هل خلُصَتْ ؟! هل صببْتُم السّقف؟!
- سيّدنا عمر كان في المدينة، ومعه سيّدنا ابن عوف، وجدا قافلةً قد استقرَّت في ظاهر المدينة، فقال: تعال نحْرُس هذه القافلة -عملٌ صالحٌ لِوَجه الله.
- وهو خليفة المسلمين، يبدو أنَّ طِفلاً بكى، فقام عمر إلى أُمّه, وقال: أرْضِعيه، فلمّا بكى ثانيَةً, قال: أرضِعيه، فلمّا بكى ثالثةً ويبدو أنّه غضبَ، فقال: ألا ترضِعينَهُ؟
فقالَتْ: ما شأنُكَ بنا؟ قالَت: إنَّني أفْطِمُهُ.
قال : ولِمَ تُفطِميه؟
قالت: لأنّ عمر لا يُعطينا العطاء إلا بعد الفِطام,.
قال: ويْحَكَ يا عمر، كم قتَلْت من أطفال المسلمين؟! وصلّى صلاة الفجر، فلم يستمع أصحابُه إلى قراءته من شدّة خُشوعه وبُكائِه، وكان يدعو ويقول: يا ربّ، هل قبلْت توبتي فأهنئ نفسي، أم ردَدْتها فأُعزِّيَها؟
خوفهُ من الله، وهِمَّتهُ في رعايَة رعِيَّتِهِ وإكرامهم.
- الطريق من المدينة إلى مكّة طريق طويل كيف قَطَعَ النبي هذا الطريق على ناقة؟فكيف قَطَع الطريق على ناقةٍ وكان مطاردًا, وكان مهدورًا دمُه، وقد وُضِعَت مئة ناقة لِمَن يأتي به حيًّا أو ميِّتًا؟ وكيف تبِعَهُ سُراقة، وقال: يا سُراقة، كيف بِكَ إذا لبِسْت سِوارَي كِسرى؟!
معنى ذلك: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان موقنًا أنّه سيَصِلُ إلى المدينة، وسيُنشىء دولةً هناك، وسيُحاربُ الفرْس، وسوف تأتي الغنائم إلى المدينة، وهذا الذي حصلَ بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام, جاءَت الغنائم إلى المدينة.
فقال عمر رضي الله عنه: والله إنّ الذي أدَّى هذا لأمينٌ، جواهر وتيجان وحليّ،
فقال عليّ -كرَّم الله وجهه-: يا أمير المؤمنين، أعَجبْت من أمانتهم! لقد عففْتَ فعَفُّوا، ولو ركعت لركَعوا.