الأحد , أكتوبر 13 2024

رسالة الإسلام والغاية منها .. السيد سابق

أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، والشريعة الجامعة التي تكفل للناس الحياة الكريمة المهذبة والتي تصل بهم إلى أعلى درجات الرقي والكمال.

ومما يؤكد عموم هذه الرسالة وشمولها:

1 – أنه ليس فيها ما يصعب على الناس اعتقاده، أو يشق عليهم العمل به قال الله تعالى: “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” وقال تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”

2 – أن ما لا يختلف باختلاف الزمان والمكان، كالعقائد والعبادات، جاء مفصلا تفصيلا كاملا، وموضحا بالنصوص المحيطة به، فليس لاحد أن يزيد فيه أو ينقص منه، وما يختلف باختلاف الزمان والمكان، كالمصالح المدنية، والامور السياسية والحربية، جاء مجملا، ليتفق مع مصالح الناس في جميع العصور، ويهتدي به أولو الامر في إقامة الحق والعدل.

3 – أن كل ما فيها من تعاليم إنما يقصد به حفظ الدين، وحفظ النفس وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وبدهي أن هذا يناسب الفطر ويساير العقول، ويجاري التطور ويصلح لكل زمان ومكان.

الغاية من رسالة الإسلام

والغاية التي ترمي إليها رسالة الإسلام، تزكية الانفس وتطهيرها عن طريق المعرفة بالله وعبادته، وتدعيم الروابط الإنسانية وإقامتها على أساس الحب والرحمة والاخاء والمساواة والعدل، وبذلك يسعد الإنسان في الدنيا والاخرة.

التشريع الاسلامي أو الفقه

والتشريع الاسلامي ناحية من النواحي الهامة التي انتظمتها رسالة الإسلام، والتي تمثل الناحية العملية من هذه الرسالة.

ولم يكن التشريع الديني المحض – كأحكام العبادات – يصدر إلا عن وحي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، من كتاب أو سنة، أو بما يقره عليه من اجتهاد. وكانت مهمة الرسول لا تتجاوز دائرة التبليغ والتبيين

أما التشريع الذي يتصل بالأمور الدنيوية، ومن قضائية وسياسية وحربية، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشاورة فيها، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إليه صلى الله عليه وسلم يسألونه عما لم يعلموه، ويستفسرونه فيما خفي عليهم من معاني النصوص، ويعرضون عليه ما فهموه منها، فكان أحيانا يقرهم على فهمهم، وأحيانا يبين لهم موضع الخطأ فيما ذهبوا إليه.

والقواعد العامة التي وضعها الإسلام، ليسير على ضوئها المسلمون هي:

1 – النهي عن البحث فيما لم يقع من الحوادث حتى يقع.

2 – تجنب كثرة السؤال وعضل المسائل.

3 – البعد عن الاختلاف والتفرق في الدين.

4 – رد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة.

على ضوء هذه القواعد، سار الصحابة ومن بعدهم من القرون المشهود لها بالخير، ولم يقع بينهم اختلاف، إلا في مسائل معدودة، كان مرجعه التفاوت في فهم النصوص وأن بعضهم كان يعلم منها ما يخفي على البعض الاخر.

فلما جاء أئمة المذاهب الأربعة تبعوا سنن من قبلهم، إلا أن بعضهم كان أقرب إلى السنة، كالحجازيين الذين كثر فيهم حملة السنة ورواة الآثار، والبعض الآخر كان أقرب إلى الرأي كالعراقيين الذين قل فيهم حفظة الحديث لتنائي ديارهم عن منزل الوحي.

بذل هؤلاء الائمة أقصى ما في وسعهم في تعريف الناس بهذا الدين وهدايتهم به، وكانوا ينهون عن تقليدهم ويقولون: لا يجوز لاحد أن يقول قولنا من غير أن يعرف دليلنا.

إلا أن الناس بعدهم قد فترت هممهم، وضعفت عزائمهم وتحركت فيهم غريزة المحاكاة والتقليد، فاكتفى كل جماعة منهم بمذهب معين ينظر فيه، ويعول عليه، ويتعصب له.

وبالتقليد والتعصب للمذاهب فقدت الأمة الهداية بالكتاب والسنة، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء، وأقوال الفقهاء هي الشريعة، واعتبر كل ما يخرج عن أقوال الفقهاء مبتدعا لا يوثق بأقواله، ولا يعتد بفتاويه.

وكان مما ساعد على انتشار هذه الروح الرجعية، ما قام به الحكام والاغنياء من إنشاء المدارس، وقصر التدريس فيها على مذهب أو مذاهب معينة، فكان ذلك من أسباب الاقبال على تلك المذاهب، والانصراف عن الاجتهاد، محافظة على الارزاق التي رتبت لهم!

كان من آثار ذلك أن اختلف الأمة شيعا وأحزابا، حتى إنهم اختلفوا في حكم تزوج الحنفية بالشافعي، كما كان من آثار ذلك انتشار البدع، واختفاء معالم السنن، وخمود الحركة العقلية، ووقف النشاط الفكري، وضياع الاستقلال العلمي، الامر الذي أدى إلى ضعف شخصية الامة، وأفقدها الحياة المنتجة، وقعد بها عن السير والنهوض، ووجد الدخلاء بذلك ثغرات ينفذون منها إلى صميم الإسلام.

مرت السنون، وانقضت القرون، وفي كل حين يبعث الله لهذه الأمة من يجدد لها دينها، ويوقظها من سباتها، ويوجهها الوجهة الصالحة، إلا أنها لا تكاد تستيقظ حتى تعود إلى ما كانت عليه، أو أشد مما كانت.

وأخيرا انتهى الامر بالتشريع الاسلامي، الذي نظم الله به حياة الناس جميعا، وجعله سلاحا لمعاشهم ومعادهم، إلى دركة لم يسبق لها مثيل، ونزل إلى هوة سحيقة، وأصبح الاشتغال به مفسدة للعقل والقلب، ومضيعة للزمن، لا يفيد في دين الله، ولا ينظم من حياة الناس.

وقف التشريع عند هذا الحد ووقف العلماء لا يستظهرون غير المتون، ولا يعرفون غير الحواشي وما فيها من إيرادات واعتراضات وألغاز، وما كتب عليها من تقريرات، حتى وثبت أوروبا على الشرق تصفعه بيدها، وتركله رجلها. فكان أن تيقظ على هذه الضربات، وتلفت ذات اليمين وذات الشمال إذا هو متخلف عن ركب الحياة الزاحف، وقاعد بينما القافلة تسير. وإذا هو أمام عالم جديد، كله الحياة والقوة والانتاج، فراعه ما رأى، وبهره ما شاهد، فصاح الذين تنكروا لتاريخهم وعقوا آباءهم، ونسوا دينهم وتقاليدهم: أن ها هي ذي أوروبا يا معشر الشرقيين، فاسلكوا سبيلها، وقلدوها في خيرها وشرها، وإيمانها وكفرها، وحلوها ومرها، ووقف الجامدون موقفا سلبيا، يكثرون من الحوقلة والترجيع، وانطووا على أنفسهم، ولزموا بيوتهم، فكان هذا برهانا آخر على أن شريعة الإسلام لدى المغرورين لا تجاري التطور، ولا تتمشى مع الزمن. ثم كانت النتيجة الحتمية، أن كان التشريع الاجنبي الدخيل هو الذي يهيمن على الحياة الشرقية، مع منافاته لدينها وعاداتها وتقاليدها وأن كانت الاوضاع الاوروبية هي التي تغزو البيوت والشوارع والمنتديات والمدارس والمعاهد، وأخذت موجتها تقوى وتتغلب على كل ناحية م ن النواحي حتى كاد الشرق ينسى دينه وتقاليده ويقطع الصلة بين حاضره وماضيه، إلا أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة، فهب دعاة الاصلاح يهيبون بهؤلاء المخدوعين بالغربيين، أن: خذوا حذركم، وكفوا عن دعايتكم، فإن ما عليه الغربيون من فساد الاخلاق لابد وأن ينتهي بهم إلى العاقبة السوآى، وأنهم ما لم يصلحوا فطرهم بالإيمان الصحيح ويعدلوا طباعهم بالمثل العليا من الاخلاق، فسوف تنقلب علومهم أداة تخريب وتدمير، وتتحول مدنيتهم إلى نار تلتهمهم وتقضي عليهم القضاء الاخير

ويصيحون بهؤلاء الجامدين دونكم لنبع الصافي، والهدى الكريم: لنبع الكتاب وهدى السنة، خذوا منهما دينكم وبشروا بهما غيركم، فعند ذلك تهتدي بكم هذه الدنيا الحائرة، وتسعد بكم هذه الإنسانية المعذبة “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا”.

وكان من فضل الله أن استجاب لهذه الدعوة رجال بررة، وتلقتها قلوب مخلصة، واعتنقها شباب وهبها أعز ما يملك من الاموال والانفس. فهل أذن الله لنوره أن يشرق على الأرض من جديد؟ وهل أراد للإنسان أن يحيا حياة طيبة، يسودها الإيمان والحب والاحسان والعدل؟

انظر أيضاً:

مختصر كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *