هذه المادة المختصرة من كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق تتناول ما يتعلق بزيارة القبور، ودعاء المقابر، والأعمال التي تنفع الميت، وأفضل ما يهدى للميت، مع الإشارة لما يتعلق بسؤال القبر.
زيارة القبور وما ينفع الميت
زيارة القبور
زيارة القبور مستحبة للرجال. لما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
” كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها. فإنها تذكركم الاخرة “
وكان النهي ابتداء لقرب عهدهم بالجاهلية، وفي الوقت الذي لم يكونوا يتورعون فيه عن هجر الكلام وفحشه.
فلما دخلوا في الإسلام واطمأنوا به وعرفوا أحكامه، أذن لهم الشارع بزيارتها.
ورخص مالك وبعض الأحناف ورواية عن أحمد وأكثر العلماء، في زيارة النساء للقبور، لحديث عائشة: كيف أقول لهم يا رسول الله – أي عند زيارتها للقبور -.
تحية ودعاء المقابر:
عن بريدة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم:
“السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم فرطنا ونحن لكم تبع، ونسأل الله لنا ولكم العافية.”
رواه احمد ومسلم وغيرهما.
الأعمال التي تنفع الميت
من المتفق عليه: أن الميت ينتفع بما كان سببا فيه من أعمال البر في حياته، لما رواه مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له “
أما ما ينتفع به من أعمال البر الصادرة عن غيره فبيانها فيما يلي:
- الدعاء والاستغفار له.
- الصدقة: وقد حكى النووي الاجماع على أنها تقع عن الميت ويصله ثوابها سواء كانت من ولد أو غيره.
- الصوم: لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: ” لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟” قال: نعم. قال: ” فدين الله أحق أن يقضى “.
- الحج: لما رواه البخاري عن ابن عباس: أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال: ” حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته ؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء “.
- الصلاة: لما رواه الدار قطني أن رجلا قال: يا رسول الله، إنه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ” إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك، وأن تصوم لهما مع صيامك “.
- قراءة القرآن: وهذا رأي الجمهور من أهل السنة.
أفضل ما يهدى للميت
قال ابن القيم:
قيل الأفضل ما كان أنفع في أنفسه، فالعتق عنه، والصدقة أفضل من الصيام عنه، وأفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدق عليه وكانت دائمة مستمرة.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” أفضل الصدقة سقي الماء ” وهذا في موضع يقل فيه الماء ويكثر فيه العطش، وإلا فسقي الماء على الأنهار والقنى لا يكون أفضل من إطعام الطعام عند الحاجة.
وكذلك الدعاء والاستغفار له إذا كان بصدق من الداعي وإخلاص وتضرع، فهو في موضعه أفضل من الصدقة عنه كالصلاة على الجنازة، والوقوف للدعاء على قبره.
سؤال القبر
اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يسأل بعد موته، قبر أم لم يقبر.
فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار رمادا ونسف في الهواء أو غرق في البحر لسئل عن أعماله، وجوزي بالخير خيرا وبالشر شرا، وأن النعيم أو العذاب على النفس والبدن معا.
قال الحافظ في الفتح: وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط، من غير عود إلى الجسد.
وخالفهم الجمهور فقالوا: تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه.
لان الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال. كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه.
وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور، كقوله: ” إنه ليسمع خفق نعالهم ” وقوله: ” تختلف أضلاعه لضمة القبر.
وقوله: ” يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق ” وقوله: ” يضرب بين أذنيه ” وقوله: ” فيقعدانه “
وكل ذلك من صفات الأجساد ونحن نذكر بعض ما ورد في ذلك من الاحاديث الصحيحة:
روى البخاري ومسلم عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ – لمحمد –
فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. قال: فيقولان: أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا.
وأما الكافر، والمنافق، فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟
فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقولان: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة فيسمعها من يليه، غير الثقلين. “
وروى البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
“المسلم إذا سئل في قبره فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قول الله: “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة”
وفي لفظ: نزلت في عذاب القبر. يقال له: من ربك ؟ فيقول: الله ربي، ومحمد نبيي، فذلك قول الله: “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة” “.
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح أبي حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه.
فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه، والصيام عن يمينه، والزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة، والصلة، والمعروف والاحسان، عند رجليه.
فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتى من يمينه، فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من يساره، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل.
ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والاحسان: ما قبلي مدخل
فيقال له: اجلس فيجلس، قد مثلت له الشمس وقد أخذت للغروب، فيقال له: هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه ؟
فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولان: إنك ستصلي، أخبرنا عما نسألك عنه ؟ أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وما تشهد به عليه ؟
فيقول: محمد. أشهد أنه رسول الله جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله.
ثم يفتح له باب إلى الجنة. فيقال له: هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها. فيزداد غبطة وسرورا. ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه.
ويعاد الجسد لما بدئ منه، وتجعل نسمته في النسيم الطيب، وهي طير معلق في شجر الجنة، قال: فذلك قول الله تعالى: “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة”.
وذكر في الكافر ضد ذلك إلى أن قال: ” ثم يضيق عليه في قبره إلى أن تختلف فيه أضلاعه، فتلك المعيشة الضنك التي قال الله تعالى: “فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى””.
وعن ابن عمر رضي عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“هذا (يقصد: سعد بن معاذ) الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفا من الملائكة، لقد ضم ضمة (أي: ضمة القبر)، ثم فرج عنه “
رواه البخاري ومسلم والنسائي.