الجمعة , أبريل 19 2024

السرايا والبعوث بين أحد والأحزاب

تتناول هذه المقالة السرايا والبعوث بين أحد والأحزاب فقد كانت مرحلة حرجة بعد النتائج التي ترتبت على هزيمة المسلمين في غزوة أحد، وكيف استطاع النبي صلى الله عليه وسلم استعادة هيبة المسلمين وإزالة آثار غزوة أحد.

كان لمأساة أحد أثر سيئ على سمعة المؤمنين، فقد ذهبت ريحهم، وزالت هيبتهم عن النفوس، وزادت المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين.

وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب، وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر، وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين، بل طمعت في أن تقضي عليهم وتستأصل شأفتهم‏.‏

فلم يمض على هذه المعركة شهران حتى تهيأت بنو أسد للإغارة على المدينة‏.‏ ثم قامت قبائل عَضَل وقَارَة في شهر صفر سنة 4هـ بمكيدة تسببت في قتل عشرة من الصحابة.

وفي نفس الشهر نفسه قام عامر بن الطُّفَيل العامري بتحريض بعض القبائل حتى قتلوا سبعين من الصحابة، وتعرف هذه الوقعة بوقعة بئر مَعُونَة.

ولم تزل بنو نضير خلال هذه المدة تجاهر بالعداوة حتى قامت في ربيع الأول سنة 4 هـ بمكيدة تهدف إلى قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وتجرأت بنو غَطَفَان حتى همت بالغزو على المدينة في جمادي الأولي سنة 4 هـ‏.‏

فكانت الأخطار تهدد المسلمين، فاتخذ النبي من حكمة صرفت وجوه التيارات، وأعادت للمسلمين هيبتهم المفقودة، وأكسبتهم العلو والمجد من جديد‏.‏

وأول ما أقدم عليه بهذا الصدد هي حركة المطاردة التي قام بها إلى حمراء الأسد، فقد حفظ بها قدراً من سمعة جيشه، ثم قام بمناورات أعادت للمسلمين هيبتهم، وفي الصفحات الآتية شيء مما جري بين الطرفين‏.‏

الرحيق المختوم

السرايا والبعوث بين أحد والأحزاب

سرية أبي سلمة‏ | 1 محرم 4هـ

علم النبي أن طلحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعون بني أسد بن خزيمة إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فبعث رسول الله سرية قوامها 150مقاتلاً، وأمر عليهم أبا سلمة والذي استطاع أن يباغت بني أسد في ديارهم حتى تشتتوا.

وأصاب المسلمون إبلا وشاء، وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين لم يلقوا حرباً.

 

بعث عبد الله بن أُنَيس‏‏ | 5 محرم 4 هـ

علم النبي أن خالد بن سفيان الهذلي يحشد الجموع لحرب المسلمين، فأرسل إليه عبد الله ابن أنيس ليقضي عليه‏.‏

وغاب عبد الله 18 ليلة، ثم عاد ومعه رأس خالد ليضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

 

بعث الرَّجِيع‏ | صفر 4 هـ

قدم على رسول الله قوم من عَضَل وقَارَة، وذكروا أن فيهم إسلاماً، وسألوا أن يبعث معهم من يعلمهم الدين.

فبعث معهم 6 أو 10 وأمر عليهم مَرْثَد بن أبي مَرْثَد الغَنَوِي أو عاصم بن ثابت، فذهبوا معهم.

فلما كانوا بالرجيع ـ بناحية الحجاز ـ استصرخوا عليهم حياً من هذيل يقال لهم‏:‏ بنو لَحْيَان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فلحقوهم وأحاطوا بهم، وقتلوهم عدا خُبَيب وزيد بن الدَّثِنَّةِ ورجل آخر، ربطوهم.

وانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة، حتى قتلتهما قريش.

 

مأساة بئر مَعُونة‏ | صفر 4 هـ

قدم أبو براء عامر بن مالك قدم على رسول الله بالمدينة، فدعاه النبي إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، فقال ‏:‏ يا رسول الله، لو بعثت أصحابك إلى أهل نَجْد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم.

فقال‏ النبي:‏ ‏‏(‏إني أخاف عليهم أهل نجد‏)‏، فقال أبو بََرَاء ‏:‏ أنا جَارٌ لهم.

فبعث النبي معه 70 رجلاً من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم، وأمر عليهم المنذر بن عمرو.

فساروا حتى نزلوا بئر معونة، ثم بعثوا حرام بن مِلْحَان بكتاب رسول الله إلى عدو الله عامر بن الطُّفَيْل.

لم ينظر عامر في كتاب رسول الله، بل قتل رسوله (حرام)، ثم حرض بني عامر لقتل الباقين لكنهم رفضوا لأجل جوار أبي براء.

فذهب عامر لتحريض بني سليم، فأجابته عُصَيَّة ورِعْل وذَكَوان، فأحاطوا بأصحاب رسول الله فقتلوهم جميعاً إلا كعب بن زيد بن النجار، فإنه ارْتُثَّ من بين القتلي‏.‏

ومن بعيد رأى عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة بن عامر الطير تحوم على موضع الوقعة، فنزل المنذر، فقاتل المشركين حتى قتل، وأسر عمرو لكنهم لما علموا أنه من مُضَر تركوه‏.‏

ورجع عمرو إلى النبي بأنباء المصاب الفادح، وبينما هو في الطريق لقيا رجلين من بني كلاب فقتلهما دون أن يعلم أن معهما عهد أمان من النبي.

فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل، فقال ‏:‏‏‏(‏لقد قتلت قتيلين لأدِيَنَّهما‏)‏، وانشغل بجمع ديتهما من المسلمين ومن حلفائهم اليهود ، وهذا الذي صار سبباً لغزوة بني النضير، كما سيذكر‏.‏

وقد تألم النبي للحادثتين، تألما شديداً، وغلب عليه الحزن والقلق، فانشغل بجمع دية القتيلين، ودعا على القبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه‏.

 

غزوة بني النضير‏ | ربيع الأول 4 هـ

كان اليهود يتحرقون على المسلمين إلا أنهم لم يكونوا أصحاب حرب، بل كانوا أصحاب دس ومؤامرة، فكانوا يجاهرون بالحقد والعداوة.

وكان اليهود بعد وقعة بني قينقاع وقتل كعب بن الأشرف قد خافوا على أنفسهم فاستكانوا، لكنهم بعد وقعة أحد تجرأوا، واتصلوا بالمنافقين وبمشركي مكة سراً‏.، وازدادوا جرأة بعد وقعة الرَّجِيع وبئر مَعُونة.

خرج النبي في نفر من أصحابه إلى اليهود يطلب منهم أن يعينوه في دية الكلابيين، فقالوا ‏:‏ نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتى نقضي حاجتك‏.‏

فجلس النبي إلى جنب جدار من بيوتهم، وجلس معه أبو بكر وعمر وعلى وطائفة من أصحابه‏.، بينما اليهود قد تآمروا لى قتل النبي.

التخطيط لاغتيال النبي

قال اليهود لبعضهم: أيكم يأخذ هذه الرحي، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها‏؟‏

قال أشقاهم عمرو بن جحاش‏:‏ أنا‏.

فقال سَلاَّم بن مِشْكَم‏:‏ لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه‏.‏

ورفضوا نصيحة سلام، وعزموا على تنفيذ قتل النبي، فنزل جبريل يعلم النبي بما هموا به، فنهض مسرعاً وتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا‏:‏ نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما هَمَّتْ به يهود‏.‏

وبعث رسول الله محمد بن مسلمة إلى بني النضير يقول لهم ‏:‏ ‏‏(‏اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشراً، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه‏)‏‏.‏

المنافقون يدعمون بالكذب

ولم يجد يهود مناصاً من الخروج، فتجهزوا إلا أن رئيس المنافقين ـ عبد الله بن أبي ـ بعث إليهم أن اثبتوا وتَمَنَّعُوا، ولا تخرجوا من دياركم.

وقال: إن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم، ‏{‏لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ‏}‏ وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان‏.‏

عادت لليهود ثقتهم، وقرروا المناوأة، وبعث رئيسهم حيي بن أخطب إلى رسول الله‏:‏ إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك‏.‏

ولا شك أن الموقف كان حرجاً بالنسبة للمسلمين في هذه الفترة، فالعرب تكالبت عليهم، وبنو النضير كانوا على درجة من القوة، واحتمالات القتال محفوفة بالمخاطر.

النبي يحاصر واليهود يستسلمون

فلما بلغ رسول الله جواب حيي بن أخطب كبر وكبر أصحابه، ثم نهض لمناجزة القوم، فاستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وسار إليهم، وعلى بن أبي طالب يحمل اللواء، فلما انتهي إليهم فرض عليهم الحصار‏.‏

والتجأ بنو النضير إلى حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك، فأمر بقطعها وتحريقها.

واعتزلتهم قريظة، وخانهم عبد الله بن أبي وحلفاؤهم من غطفان، لذا لم يطل الحصار، فقد دام 6 ليال (أو 15) حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فاندحروا وتهيأوا للاستسلام ولإلقاء السلاح.

وأبلغوا رسول الله استسلامهم وخروجهم من المدينة، فاشترط النبي عليهم أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح‏.، ووافقوا على ذلك.

خرج اليهود وقد خربوا بيوتهم بأيديهم، وتحملوا على ستمائة بعير، فرحل أكثرهم إلى خيبر، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، وأسلم منهم رجلان‏، فأحرزا أموالهما‏.‏

واستولى النبي على أرضهم وديارهم وأموالهم، وأنزل الله في هذه الغزوة سورة الحشر بأكملها، فوصف طرد اليهود، وفضح مسلك المنافقين، وبين أحكام الفيء، وأثني على المهاجرين والأنصار.

 

غزوة نجد ‏

استطاع النبي أن يوطد سلطانه في المدينة بعد غزوة بني النضير، فقد كف المنافقون عن الجهر بكيدهم، وتفرغ النبي لقمع الأعراب الذين آذوا المسلمين بعد أحد‏.‏

وقبل أن يقوم النبي بتأديب أولئك الغادرين، علم بتحشد جموع البدو والأعراب من بني مُحَارِب وبني ثعلبة من غَطَفَان.

فسارع النبي إلى الخروج، يجوس فيافي نجد، ويلقي بذور الخوف في أفئدة البدو والأعراب، ثم يرجع إلى المدينة.‏

وقد ذكر أهل المغازي والسير بهذا الصدد غزوة معينة غزاها المسلمون في أرض نجد في شهر ربيع الثاني أو جمادي الأولي سنة 4 هـ، ويسمون هذه الغزوة بغزوة ذات الرِّقَاع‏.‏

وكانت للغزوة ضرورة، فقد اقترب موعد عودة قريش التي وعد بها أبو سفيان في أحد، وهناك ضرورة أن يخضد النبي شوكة البدو والأعراب على المتمردين والمتغطرسين من حول المدينة.

 

غزوة بدر الثانية

لما أنهى المسلمون شوكة الأعراب، تجهزوا للمعركة مع قريش وفق الموعد المبرم قبل عام.

ففي شعبان 4هـ خرج رسول الله في 1500، و 10 أفراس، وحمل لواءه على بن أبي طالب، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وانتهي إلى بدر، فأقام بها ينتظر المشركين‏.‏

أما أبو سفيان فخرج في 2000 من مشركي مكة، ومعهم 50 فرساً، حتى انتهي إلى مَرِّ الظَّهْرَان على بعد مرحلة من مكة فنزل بمَجَنَّة ـ ماء في تلك الناحية‏.‏

خرج أبو سفيان متثاقلاً يهاب قتال المسلمين، وقد أخذه الرعب، واستولت على مشاعره الهيبة.

فلما نزل بمر الظهران خار عزمه، فاحتال للرجوع، وقال لأصحابه‏:‏

يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا‏.‏

ويبدو أن الخوف والهيبة كانت مستولية على مشاعر الجيش أيضاً، فقد رجع الناس ولم يبدوا أي معارضة لهذا الرأي، ولا أي إصرار وإلحاح على مواصلة السير للقاء المسلمين‏.‏

وأما المسلمون فأقاموا ببدر 8 أيام ينتظرون العدو، ثم رجعوا إلى المدينة وقد انتقل زمام المفاجأة إلى أيديهم، وتوطدت هيبتهم في النفوس، وسادوا على الموقف‏.‏

 

غزوة دُوَمة الجندل‏

عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر، وقد ساد المنطقة الأمن والسلام، واطمأنت دولته، فتفرغ للتوجه إلى أقصي حدود العرب حتى تصير السيطرة للمسلمين على الموقف، ويعترف بذلك الموالون والمعادون‏.‏

فبعد 6 أشهر على غزوة بدر الثانية، وصلت أخبار بأن القبائل حول دومة الجندل ـ قريباً من الشام ـ تقطع الطريق هناك، وتنهب ما يمر بها وأنها قد حشدت جمعاً كبيرا تريد أن تهاجم المدينة.

استعمل رسول الله على المدينة سِبَاع ابن عُرْفُطَة الغفاري، وخرج في ألف من المسلمين لخمس ليال بقين من ربيع الأول سنة 5هـ، وأخذ رجلاً من بني عُذْرَة دليلاً للطريق يقال له‏:‏ مذكور‏.‏

خرج يسير الليل ويكمن النهار حتى يفاجئ أعداءهم وهم غارون، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، فهجم على ما شيتهم ورعائهم، فأصاب من أصاب، وهرب من هرب‏.‏

وأما أهل دومة الجندل ففروا في كل وجه، فلما نزل المسلمون بساحتهم لم يجدوا أحداً، وأقام رسول الله أياماً، وبث السرايا وفرق الجيوش، فلم يصب منهم أحداً، ثم رجع إلى المدينة‏.‏

بهذه الإجراءات السريعة الحاسمة، وبهذه الخطط الحكيمة الحازمة نجح النبي صلى الله عليه وسلم في بسط الأمن، والسيطرة على الموقف، وتحويل مجري الأيام لصالح المسلمين.

فقد سكت المنافقون والأعراب واستكانوا، وتم إجلاء قبيلة من اليهود، وبقيت الأخري تظاهر بإيفاء الجوار والعهود، وتراجعت قريش عن مهاجمة المسلمين‏.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *