نتابع فيما يلي أحداث غزوة فتح مكة وتبدأ الأحداث من وصول جيش المسلمين إلى ذي طوى وتوزيعه على مداخل مكة ثم دخول النبي صلى الله عليه وسلم فاتحاً.
تابع فتح مكة
الجيش الإسلامي بذي طُوَى
مضى رسول الله حتى انتهي إلى ذي طوي وكان يضع رأسه تواضعاً لله حين رأي ما أكرمه الله به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل.
وهناك وزع جيشه، أمر خالد بن الوليد أن يدخل مكة من أسفلها، والزبير بن العوام من أعلاها، وأبو عبيدة أن يأخذ بطن الوادي حتى ينصب لمكة بين يدي النبي.
الجيش الإسلامي يدخل مكة
دخل خالد وأصحابه، واستقبله سفهاء قريش بالخَنْدَمَة فناوشوهم وأصابوا من المشركين 12 وانهزم المشركون، وأقبل خالد يجوس مكة حتى وافى النبي على الصفا.
وقتل من أصحاب خالد 2 كانا قد شذا عن الجيش.
وأما الزبير فنصب راية بالحَجُون، فلم يبرح حتى جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النبي يدخل المسجد ويطهره ويخطب
دخل النبي المسجد والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه.
ثم طاف بالبيت على راحلته ، وفي يده قوس، وحول البيت 360 صنما، فجعل يطعنها بالقوس، ويقول: {جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء:81]، والأصنام تتساقط على وجوهها.
ثم دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت فدخلها، فرأي فيها الصور، وأمر بها فمحيت.
ثم أغلق عليه الباب، وعلى أسامة وبلال، ثم صلي داخل الكعبة، ثم دار وكبر في نواحيه، ووحد الله، ثم فتح الباب، وقريش قد ملأت المسجد، فقال:
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده…..)
(يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب)
ثم تلا الآية: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.
ثم قال: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟)
قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم.
قال: (فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ} اذهبوا فأنتم الطلقاء).
مفتاح البيت إلى أهله
ثم جلس رسول الله وقال: (أين عثمان بن طلحة؟).
فدعي له، فقال له: (هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء).
بلال يؤذن على الكعبة
وحانت الصلاة، فأمر النبي بلالا أن يصعد فيؤذن على الكعبة.
صلاة الفتح أو صلاة الشكر
ودخل رسول الله يومئذ دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى صلاة الفتح.
وأجارت أم هانئ حموين لها، فقال رسول الله: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ).
إهدار دم أكابر المجرمين
وأهدر رسول الله يومئذ دماء 9 من أكابر المجرمين، وأمر بقتلهم، وهم:
عبد العزى بن خطل، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن نفيل بن وهب، ومقيس بن صبابة، وهبار بن الأسود.
وقينتان كانتا لابن الأخطل، كانت تغنيان بهجو النبي، وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب، وهي التي وجد معها كتاب حاطب.
فأما ابن أبي سرح فجاء به عثمان إلى النبي، وشفع فيه، فحقن دمه، وقبل إسلامه. وأما عكرمة، فاستأمنت له امرأته، فأمنه النبي وأسلم وحسن إسلامه.
وقتل ابن خطل ومقيس والحارث ، أما هبار ففر يوم مكة ثم أسلم وحسن إسلامه.
وأما القينتان فقتلت إحداهما، واستؤمن للأخرى فأسلمت، كما استؤمن لسارة وأسلمت.
خطبة الرسول الثاني من الفتح:
وفي اليوم التالي خطب النبي وقال:
(أيها الناس، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً، أو يعضد بها شجرة…)
تخوف الأنصار من بقاء الرسول في مكة
قال الأنصار فيما بينهم: أترون رسول الله إذ فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها – وهو يدعو على الصفا رافعاً يديه –
فلما فرغ من دعائة سألهم ورد عليهم (معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم).
أخذ البيعة
وحين فتح الله مكة على رسول الله أذعن أهل مكة، واجتمعوا للبيعة، فجلس رسول الله على الصفا يبايع الناس، وعمر بن الخطاب أسفل منه، يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، فجاءت هند بنت عتبة متنكرة، خوفاً من رسول الله أن يعرفها.
فقال رسول الله: (أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئا)، فبايع عمر النساء على ألا يشركن بالله شيئا.
فقال رسول الله: (ولا تسرقن)
فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات؟ فقال أبو سفيان: وما أصبت فهو لك حلال.
فضحك رسول الله وعرفها، فقال: (وإنك لهند؟) قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك.
فقال: (ولا يزنين). فقالت: أو تزني الحرة؟
فقال: (ولا يقتلن أولادهن). فقالت: ربيناهم صغارا، وقتلناهم كبارا، فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى فتبسم رسول الله.
قال: (ولا يأتين ببهتان) فقالت: والله إن البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق.
فقال: (ولا يعصينك في معروف) فقالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك.
ولما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول: كنا منك في غرور.
أعمال النبي بمكة
أقام رسول الله بمكة 19 يومًا يجدد معالم الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى.
وخلال هذه الآيام أمر أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، ولكسر الأوثان التي كانت حول مكة، فكسرت كلها.
ونادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره.
السرايا والبعوث
ولما اطمأن رسول الله بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى صنم العزى ليهدمها وكانت بنخلة، وكانت أعظم أصنامهم.
ثم بعث عمرو بن العاص إلى سواع ليهدمه وهو صنم لهذيل برهاط.
وبعث سعد بن زيد بن الأشهلي إلى مناة وكانت بالمشلل عند قديد للأوس والخزرج وغسان وغيرهم.
ولما رجع خالد من هدم العزى بعثه رسول الله إلى بني جذيمة داعيا إلى الإسلام لا مقاتلا، فلما دعاهم، قالوا: صبأنا، صبأنا.
فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم، فأبى ابن عمر وأصحابه حتى قدموا على النبي وأخبروه، فرفع النبي يديه وقال : (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالدًا).
وكان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كلام وشر في ذلك فبلغ النبي فقال:
(مهلا يا خالد، دع عنك أصحابي، فوالله لو كان أحد ذهبا، ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته).
تلك هي غزوة فتح مكة، وهي المعركة الفاصلة والفتح الأعظم الذي قضى على كيان الوثنية قضاء باتًا، ولم يترك لبقائها مجالا ولا مبررا في ربوع الجزيرة العربية.
وهذه الغزوة الفاصلة فتحت أعين الناس وأزالت عنها آخر الستور التي كانت تحول بينها وبين الإسلام وبهذا الفتح سيطر المسلمون على الموقف السياسي والديني كليهما معا في طول جزيرة العرب وعرضها، فقد انتقلت إليهم الصدارة الدينية والزعامة الدنيوية.
ولم يبق لأقوام العرب إلا أن يفدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعتنقوا الإسلام ويحملوا دعوته إلى العالم، وقد تم استعدادهم لذلك في سنتين آتيتين.