الجمعة , أبريل 26 2024

تابع صلح الحديبية | الرحيق المختوم

نواصل فيما يلي وقائع وأحداث صلح الحديبية، والتي بدأت بعقد الصلح وبنود المعاهدة وما تبعها من ردود أفعال ومواقف، والمقالة بعنوان “تابع صلح الحديبية”.

الرحيق المختوم

تابع صلح الحديبية

رد أبي جندل‏‏

وبينما الكتاب جاء أبو جَنْدَل (ابن سهيل) يَرْسُفُ في قيوده، قد هرب من مكة حتى رمي بنفسه بين ظهور المسلمين، فقال سهيل‏:‏ هذا أول ما أقاضيك عليه على أن ترده فقال النبي‏:‏ ‏(‏إنا لم نقض الكتاب بعد‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ فوالله إذا لا أقاضيك على شيء أبداً‏.‏

فقال النبي‏:‏ ‏(‏فأجزه لي‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ما أنا بمجيزه لك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏بلى فافعل‏)

قال‏:‏ ما أنا بفاعل‏.‏

وقد ضرب سهيل أبا جندل في وجهه، وأخذ بتلابيبه وجره ؛ ليرده إلى المشركين، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته‏:‏ يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني‏؟‏

فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عهد الله فلا نغدر بهم‏)‏‏.‏

فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول‏:‏ اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب.

وكان عمر يدني قائم السيف من أبي جندل، ويرجو أن يأخذه ليضرب به أباه‏.

 

الحل عن العمرة‏‏

ولما فرغ رسول الله من قضية الكتاب قال‏:‏ ‏(‏قوموا فانحروا‏). قالها ثلاث مرات وما قام منهم أحد، فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس.

فقالت‏ أم سلمة:‏ يا رسول الله، أتحب ذلك‏؟‏ اخرج، ثم لا تكلم أحداً كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. ففعل، فلما فقام الناس ونحروا، وحلقوا لبعضهم حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً.

 

عدم رد المهاجرات‏

ثم جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية، فرفض طلبهم هذا، بحجة أن نص المعاهدة تخص الرجال دون النساء ‏(‏وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته علينا‏)‏ً‏.‏

 

ماذا يتمخض عن بنود المعاهدة‏؟

يمثل صلح الحديبية فتحاً عظيماً للمسلمين، فقريش لم تكن تعترف بالمسلمين، وكانت توجه كل قوتها لمنع الدعوة بصفتها ممثلة الزعامة الدينية في جزيرة العرب.

وإبرام الصلح يعني اعتراف بقوة المسلمين، وعجز قريش عن مقاومتهم، ولم يعد يهم قريش إلا نفسها، فلم يعد لها شأن بدخول الناس في الإسلام.

وقد كان الهدف الوحيد لحروب المسلمين هو حرية الناس فـي العقيدة والدين دون منع من أي قوة، وقد حققت المعاهدة أكبر مما تحققه الحروب، فبينما كان المسلمون 3000 قبل الهدنة، جيش المسلمين بعد عامين 10 آلاف.‏

 

حزن المسلمين ومناقشة عمر

هناك ظاهرتان عمت لأجلهما المسلمين كآبة وحزن شديد‏، الأولى لماذا وافق النبي على العودة دون إتمام العمرة، والثانية لماذا قبل ضغط قريش في بنود الصلح.

كانت هاتان الظاهرتان مثار الريب والشكوك والوساوس والظنون، وصارت مشاعر المسلمين لأجلهما جريحة، بحيث غلب الهم والحزن على التفكير في عواقب بنود الصلح‏.

‏ولعل أعظمهم حزناً كان عمر بن الخطاب، فقد جاء إلى النبي وقال‏:‏ يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل‏؟‏ قـال‏:‏ ‏(‏بلى‏)‏‏.‏

قـال‏:‏ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلي‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏يا ابن الخطاب، إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري ولن يضيعني أبداً‏)‏‏.‏

قال‏:‏ أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلي، فأخبرتك أنا نأتيه العام‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإنك آتيه ومطوف به‏)‏‏.‏

ثم انطلق عمر متغيظا فأتي أبا بكر، فقال له كما قال لرسول الله، ورد عليه أبو بكر، كما رد عليه رسول الله سواء.

وزاد‏:‏ فاستمسك بغَرْزِه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق‏.‏

ثم نزلت‏:‏ ‏{‏إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏، فأرسل رسول الله إلى عمر فأقرأه إياه‏.‏ فقال‏:‏ يا رسول الله، أو فتح هو‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏‏.‏ فطابت نفسه ورجع‏.‏

ثم ندم عمر على ما فرط منه ندماً شديداً، قال عمر‏:‏ فعملت لذلك أعمالاً، مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً‏.‏

 

انفراج أزمة المستضعفين‏

لما رجع النبي إلى المدينة، وصل “أبو بصير” وهو من ثقيف حليف لقريش، بعدما هرب من التعذيب بمكة، ، فأرسلوا في طلبه رجلين، فسلمه النبي إلى الرجلين.

فانطلقا بأبي بصير حتى بلغا ذا الحُلَيْفَة، استطاع أبو بصير أن يقتل أحدهما، ففر الثاني إلى المدينة يستغيث بالنبي.

وجاء أبو بصير وقال‏:‏ يا نبي الله، قد والله أوْفَي الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم. فقال رسول الله:‏ ‏(‏ويل أمه، مِسْعَر حَرْبٍ لو كان له أحد‏)‏.

فعرف أبو بصير أن النبي سيرده إليهم، فخرج حتى أتي سِيفَ البحر، ثم لحق به أبو جندل بن سهيل، وكل من أسلم وهرب من قريش، حتى اجتمعت منهم عصابة‏.‏

وراحت هذه العصابة تعترض عير قريش المتجهة إلى الشام، فتقتلهم وتأخذ أموالهم‏.، فناشدت قريش النبي أن يأخذ من يسلم، عندئذ أرسل النبي إليهم، فقدموا عليه المدينة‏.‏

 

إسلام أبطال من قريش‏‏

وفي سنة 7 من الهجرة بعد هذا الصلح أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، ولما حضروا عند النبـي قـال‏:‏ ‏(‏إن مكـة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها‏)‏‏.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *