الخميس , نوفمبر 14 2024

قصة الخليفة عمر بن عبد العزيز (2) | مميزات خلافته

نقدم لكم الجزء الثاني من قصة الخليفة عمر بن عبد العزيز (2) | مميزات خلافته، عمر الثاني، الخليفة العادل الزاهد مجدد القرن الثاني.

ونعرض فيها خلافته المباركة وأول خطبة له بعد توليه الخلافة، وأول ما فعله، ومميزات خلافته التي بلغت سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام فقط.

وقد عُقدت الخلافة لعمر بن عبد العزيز في يوم الجمعة 10 صفر سنة 99هـ.

قد يهمك:

كتاب قصص ومواقف | أحمد السيد

قصة الخليفة عمر بن عبد العزيز (2) | مميزات خلافته

وصية الخليفة سليمان بن عبد الملك لمبايعة عمر:

“بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز، إني وليته الخلافة من بعدي، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيُطمع فيكم.”

خطبة الخليفة عمر بن عبد العزيز الأولى:

قال عمر في أول خطبة له بعد استخلافه ليحل الناس من تلك المسؤولية التي وضعت على أكتافه من غير رغبة منه:

“أيها الناس، إني قد ابتُليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم.”

فصاح الناس صيحة واحدة:

“قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فولِّ أمرنا باليمن والبركة”.

فعلم عمر أن لا مفر منها، فقال محدداً منهجه وسياسته في الحكم:

“أما بعد، فإنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، ألا إن ما أحل الله حلال إلى يوم القيامة، ألا إني لست بقاضٍ ولكني منفّذ، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحد أن يُطاع في معصية الله، ألا إني لست بخيركم، ولكني رجل منكم، غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً.


أيها الناس، من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا:

يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها،

ويعيننا على الخير بجهده،

ويدلنا من الخير على ما نهتدي إليه،

ولا يغتابن عندنا الرعية،

ولا يعترض فيما لا يعنيه.


أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله عز وجل خلف، واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم، يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا من ذكر الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللذات…


وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها صلى الله عليه وسلم، ولا في كتابها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً، ولا أمنع أحداً حقاً”.

ثم رفع صوته وقال:

“يا أيها الناس، من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. وإن من حولكم من الأمصار والمدن، فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا وليكم، وإن هم نقموا فلست لكم بوالٍ”.

أول أعمال عمر بعد الخلافة:

1- إيقاف التوسع في المناطق النائية في أطراف الدولة.

2- محاولة سحب القوات الإسلامية من مناطق القتال حفاظاً على المسلمين.

3- كتب عمر بن عبد العزيز إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام والطاعة.

4- دافع عمر بن عبد العزيز عن المسلمين في أذربيجان عندما أغار الترك على المسلمين فوجه إليهم حاتم بن النعمان الباهلي، فقتل أولئك الترك.

5- أمر ببناء وتحصين مدينة اللاذقية عندما أغارت الروم في البحر على ساحلها.

6- عزل جميع الولاة الظالمين:

عزل عمر بن عبد العزيز جميع الولاة والحكام الظالمين، ومنهم:

*خالد بن الريان صاحب حرس سليمان بن عبد الملك الذي كان يضرب كل عنق أمره سليمان بضربها، وعين محله عمرو بن مهاجر الأنصاري.

فقال عمر بن عبد العزيز: “يا خالد، ضع هذا السيف عنك، اللهم إني قد وضعت لك خالد بن الريان، اللهم لا ترفعه أبداً”.

ثم قال لعمرو بن مهاجر:

“والله إنك لتعلم يا عمرو إنه ما بيني وبينك قرابة إلا قربة الإسلام، ولكني سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن ألا يراك أحد، فرأيتك حسن الصلاة، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي”.

*وعزل أسامة بن زيد التنوخي، وكان على خراج مصر، وكان ظالماً يعتدي في العقوبات بغير ما أنزل الله عز وجل، فكان يقطع الأيدي في خلاف دون تحقق شروط القطع.

فأمر به عمر بن عبد العزيز أن يحبس في كل جُنُد سنة، ويُقيّد ويُحلّ عنه القيد عند كل صلاة ثم يُرد في القيد، فحبس بمصر سنة، ثم بفلسطين سنة.

ثم مات عمر وولي يزيد بن عبد الملك الخلافة، فردّ أسامة على مصر في عمله.

مميزات خلافة عمر بن عبد العزيز:

أهم ما ميز خلافة عمر بن عبد العزيز:

العدل ورد المظالم والحزم في أخذ الحق والدفاع عنه والشورى والحث على نشر العلم وتدوين الأحاديث وغيرها.

1- الحزم في أخذ الحق والدفاع عنه:

كان عمر حازماً شديداً في أخذ الحق والدفاع عنه، كما حدث مع الرجل الأسير في بلد الروم، وقد أجبر على ترك الإسلام واعتناق النصرانية، قائلين له:

“إن لم تفعل سملت عينك”.

فاختار الرجل دينه على بصره فسملت عيناه.

فأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى ملك الروم وقال له:

“أقسم بالله لأن لم ترسله إلي لأبعثن إليك من الجنود جنوداً يكون أولهم عندك وآخرهم عندي”، فاستجاب ملك الروم لطلبه، وبعث بالرجل إليه.

رواية ابن عبد الحكم

2- العدل وردّ المظالم:

قال ابن موسى: “ما زال عمر بن عبد العزيز يردّ المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات”.

من أقوال عمر بن عبد العزيز:

“إن الله بعث محمداً داعياً ولم يبعثه جابياً”.

“أنثروا القمحَ على رؤوسِ الجبال لكي لا يُقال: جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين”.

  • قد بدأ عمر بنفسه في رد المظالم:

روى ابن سعد: لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال:

“إنه لينبغي أن لا أبدأ بأول من نفسي”.

*فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع، فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم، فقال:

“هذا مما كان الوليد بن عبد الملك أعطانيه مما جاءه من أرض المغرب”، فخرج منه.

*قال ابنه عبد العزيز بن عمر: “كان سيف أبي محلى بفضة فنزعها وحلاه حديداً”.

*باع عمر كل ما كان به عنه غني، فبلغ 23 ألف دينار، فجعله في السبيل.

القطائع التي أقطعه إياها قومه:

*عرف أن والده عبد العزيز قد ظلم مصري في أرض له بحلوان فردها للمصري.

*رد الدار التي كان والده عبد العزيز قد اشتراها من الربيع بن خارجة وقد كان يتيماً في حجره، فردها عليه، لعلمه أنه لا يجوز اشتراء الولي ممن يلي أمره.

*رد المال كان يأتيه من جبل الورس باليمن إلى بيت مال المسلمين رغم شدة حاجة أهله إلى هذا المال.

*أمر مولاه مزاحم برد المال الذي كان يأتيه من البحرين كل عام إلى مال الله.

*أمر مزاحم فور ببيع الزينة المقدمة له بعد توليه الخلافة، وضم ثمنها إلى بيت مال المسلمين.

  • رد مظالم أهل بيته وبني عمومته من الأمويين:

وفد عليه أفراد البيت الأموي عقب دفن سليمان، وسألوه ما عودهم الخلفاء الأمويون من قبله، فطلب منهم إخراج ما بأيدهم من أموال وإقطاعات أخذوها بغير حق.

موقفه مع عمته فاطمة بنت مروان:

وجد بنو أمية أنفسهم مجردين إلا من حقهم الطبيعي المشروع، فغضبوا وأرسلوا إليه عمته فاطمة بنت مروان لتجعله يلين عن سياسته.

فلما دخلت عليه عظمها وأكرمها كعادته، وألقى لها وسادة لتجلس عليها، فقالت:

“إن قرابتك يشكونك ويذكرونك أنك أخذت منهم خير غيرك”.

قال: “ما منعتهم حقاً أو شيئاً كان لهم، ولا أخذت منهم حقاً أو شيئاً كان لهم”.

فقالت: “إني رأيتهم يتكلمون، وإني أخاف أن يهيجوا عليك يوماً عصيباً”.

فقال: “كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره”،

فدعا بدينار وجنب ومجمرة، فألقى ذلك الدينار بالنار، وجعل ينفح على الدينار فإذا احمر تناوله بشيء، فألقاه على الجمر فنشى وقتر، فقال:

“أي عمة، أما ترثين لابن أخيك من هذا؟”،

ثم قال: “إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة ولم يبعثه عذاباً إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده وترك للناس نهراً شربهم فيه سواء، ثم ولي أبو بكر وترك النهر على حاله، ثم ولي عمر فعمل عملهما، ثم لم يزل النهر يستقي منه يزيد ومروان وعبد الملك وابنه الوليد وسليمان أبناء عبد الملك حتى أفضى الأمر إلي وقد يبس النهر الأعظم، فلم يُروَ أصحابه حتى يعود إلى ما كان عليه”.

فقالت: “حسبك، قد أردت كلامك، فأما إذا كانت مقالتك هذه فلا أذكر شيئاً أبداً”،

فرجعت إليهم فأخبرتهم كلامه.

وفي رواية أخرى قالت لهم:

“أنتم فعلتم هذا بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب فجاء يشبه جده”، فسكتوا.

بعض مواقفه في رد مظالم العباد:

1- جاءه رجل من البصرة اغتصبت أرضه، فرد عمر هذه الأرض إليه ثم قال له:

“كم أنفقت في مجيئك إلي؟”.

فقال الرجل: “يا أمير المؤمنين، تسألني عن نفقتي وأنت قد رددت علي أرضي وهي خير من مائة ألف؟”.

فأجابه عمر: “إنما رددت عليك حقك”، ثم ما لبث أن أمر له بستين درهماً تعويضاً له عن نفقات سفره.

2- خاصم نفر من المسلمين ( روح بن الوليد بن عبد الملك) في حوانيت، وقد قامت لهم البينة عليه، فأمر عمر روحاً برد الحوانيت إليهم، فقام روح فتوعدهم، فردع رجل منهم وأخبر عمر بذلك.

فأمر عمر صاحب حرسه أن يتبع روحاً، فإن لم يردّ الحوانيت إلى أصحابها فليضرب عنقه، فخاف روح على نفسه وردّ إليهم حوانيتهم.

3- ردّ عمر أرضاً كان قوم من الأعراب أحيوها، ثم انتزعها منهم الوليد بن عبد الملك، فأعطاها بعض أهله، فقال عمر:

“قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضاً ميتة فهي له”.

3- العمل بالشورى:

ومن أقواله في الشورى:

“إن المشورة والمناظرة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معهما رأي، ولا يُفقد معهما حزم”.

«إني قد ابتليت بهذا الأمر فأشيروا عليّ

ولم يكتف بمشورة من حوله، بل امتد الأمر إلى جميع أمصار المسلمين، وكان يستشير العلماء ويطلب نصحهم في كثير من الأمور، كان يستشير ذوي العقول الراجحة من الرجال

وحرص عمر على إصلاح بطانته لمّا تولّى الخلافة، فقرّب إلى مجلسه العلماء وأهل الصلاح، وأقصى عنه أهل المصالح الدنيوية والمنافع الخاصة،

فقال لعمرو بن مهاجر: «إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم هزني، ثم قل: يا عمر ما تصنع؟”.

4- نشر العلم:

حرص عمر على نشر العلم بين رعيته وتفقيههم في الدين وتعريفهم بالسنة

فبعث عمر العلماء لتعليم الناس وتفقيههم إلى مختلف أقاليم الدولة وحواضرها وبواديها، وأمر عماله على الأقاليم بحث العلماء على نشر العلم، فقد جاء في كتابه الذي بعث إلى عماله:

“ومُر أهل العلم والفقه من جندك فلينشروا ما علمهم الله من ذلك، وليتحدثوا به في مجالسهم”

وكتب إلى بعض عماله أيضاً:

“أما بعد، فأمر أهل العلم أن ينشروا العلم في مساجدهم، فإن السنة كانت قد أميتت”.

كما أمر عماله أن يُجروا الرواتب على العلماء ليتفرغوا لنشر العلم، وانتدب العديد من العلماء لتفقيه الناس في الدين.

5- تدوين الحديث النبوي:

من طلائع التدوين الرسمي للحديث النبوي، كان على يدي عبد العزيز بن مروان (والد عمر) عندما كان أميراً على مصر، وآتى ثماره على يد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز،

أصدر عمر أوامره إلى بعض الأئمة العلماء بجمع سنن وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

في صحيح البخاري كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم:

“انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولتُفشوا العلم، ولتُجلسوا حتى يعلم ما لم يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً”.

وكتب إلى الإمام ابن شهاب الزهري، فقد ذكر ابن عبد البر عن ابن شهاب قال: “أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً”.

قال ابن حجر العسقلاني:

“وأول من دوّن الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد».

كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة:

“أن انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه، فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله”.

وعمَّمَ أوامره إلى جميع الأمصار في الدولة الإسلامية، ليقوم كل عالم بجمع وتدوين ما عنده من الحديث.

قصة الخليفة عمر بن عبد العزيز (2) | مميزات خلافته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *