نقدم لكم الجزء الأول من قصة الخليفة عمر بن العزيز (1) ، عمر الثاني، الخليفة العادل الزاهد مجدد القرن الثاني.
لقب بخامس الخلفاء الراشدين، ثامن خلفاء بني أمية.
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : “لاَ يَزَالُ الإِسْلاَمُ عَزِيزاً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً”. ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَالَ؟ فَقَالَ : “كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ”.
رواه البخاري ومسلم
عن عبد الله بن الزبير بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم قال:
«بينما أنا وعمر بن الخطاب وهو يَعُسّ (العُس: تقصّي الليل عن أهل الريبة) بالمدينة إذ أعيا، فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: «يا بنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء».
فقالت لها: «يا أمتاه، أوما علمت ما كان من أمير المؤمنين اليوم؟».
قالت: «وما كان من عزمته يا بنية؟».
قالت: «إنه أمر منادياً فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء».
فقالت لها: «يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر».
فقالت الصبية لأمها: «يا أمتاه، والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء»، وعمر يسمع كل ذلك.
فقال: «يا أسلم، عَلِّم الباب واعرف الموضع»، ثم مضى في عسه.
فلما أصبحا قال: «يا أسلم، امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها، وهل لهم من بعل؟».
فأتيت الموضع فنظرت، فإذا الجارية أيِّم لا بعل لها، وإذا تيك أمها وإذا ليس بها رجل، فأتيت عمر فأخبرته.
فدعا عمر ولده فجمعهم فقال: «هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟»، فقال عاصم: «يا أبتاه، لا زوجة لي فزوجني».
فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتاً، وولدت البنت من جدد الله به الإسلام والعهد العمري إنه… عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين.
قد يهمك:
قصة الخليفة عمر بن عبد العزيز (1)
نسبه ومولده:
هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الأموي القرشي.
ولد عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة سنة 61هـ، وتوفي وعمره 40 سنة، عام 101هـ.
أسرته ونشأته:
أبوه: عبد العزيز بن مروان بن الحكم، من أخيار أمراء بني أمية، كان أميراً على مصر أكثر من 20 سنة.
أمه: أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
أشقاؤه: أبو بكر ومحمد وعاصم، وأخوته لأبيه: الأصبغ وسهل وسهيل وأم الحكم وزيّان وأم البنين.
زوجاته وأولاده:
* فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان، وجدها الخليفة مروان بن الحكم، وأخت الخلفاء: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك.
وقد ولدت له إسحاق ويعقوب وموسى.
* لميس بنت علي بن الحارث، وقد ولدت له عبد الله وبكر وأم عمار.
* أم عثمان بنت شعيب بن زيان، وقد ولدت له إبراهيم.
* أو ولد وقد أنجبت له أولاده عبد الملك والوليد وعاصم ويزيد وعبد الله وعبد العزيز وزيان وأمينة وأم عبد الله.
وذكر ابن الجوزي أن لعمر بن عبد العزيز 12 ذكراً، و 6 بنات.
نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة، وكان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه منه، فيرجع لأمه فيقول:
“يا أمه، أنا أحب أن أكون مثل خالي”، أي عبد الله بن عمر.
فتؤفف به ثم تقول له: “اغرب، أنت تكون مثل خالك”، وتكرر عليه ذلك غير مرة.
سار أبوه عبد العزيز بن مروان إلى مصر أميراً عليها، فكتب لزوجته أم عاصم أن تقدم عليه بولدها، فلما أرادت الخروج قال لها عبد الله بن عمر:
“خلفي هذا الغلام عندنا (يريد عمر) فإنه أشبهكم بنا أهل البيت”، فخلفته عنده.
فتربى عمر بين أخواله آل بيت عمر بن الخطاب بالمدينة المنورة، وتأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة.
فقد عاصر عمر بن عبد العزيز عدد من الصحابة منهم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، أنس بن مالك.
شيوخه طلبه للعلم:
وكان عمر بن عبد العزيز منذ صغره يملك صفاء نفس وقدرة كبيرة على الحفظ، وقد تفرغ لطلب العلم، والمطالعة والمذاكرة، وملازمة مجالس العلم في المدينة.
وجمع عمر بن عبد العزيز القرآن في سن صغيرة، وقد تأثر كثيراً بالقرآن الكريم.
كان عمر رقيق القلب يبكي لذكر الموت مع حداثة سنه، فبلغ ذلك أمه فأرسلت إليه وقالت: “ما يبكيك؟”.
قال: “ذكرت الموت”، فبكت أمه حين بلغها ذلك.
وتربى عمر وتعلم على أيدي كثير من العلماء والفقهاء، وقد بلغ عدد شيوخه 33، 8 منهم من الصحابة و25 من التابعين.
ومن شيوخه:
شيخه صالح بن كيسان:
تربى عمر بن عبد العزيز على أيدي كبار فقهاء المدينة وعلمائها، منهم صالح بن كيسان وقد اختاره له والده ليكون مربياً له فتولى صالح تأديبه.
قال عنه شيخه صالح بن كيسان: “ما خبرت أحداً الله أعظم في صدره من هذا الغلام”.
عمر بن عبد العزيز والصلاة:
كان شيخه صالح يُلزمه بالصلوات المفروضة في المسجد، فحدث يوماً أن تأخر عمر عن الصلاة مع الجماعة، فقال له صالح بن كيسان: «ما يشغلك؟».
قال: «كانت مرجّلتي (مسرحة شعري) تسكن شعري».
فقال: «بلغ منك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة؟».
فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك، فبعث أبوه رسولاً فلم يكلمه حتى حلق رأسه.
وكان يحرص على التشبه بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم أشد الحرص، فكان يُتمُّ الركوع والسجود ويخفِّف القيام والقعود، وفي رواية صحيحة: أنّه كان يسبِّح في الركوع والسجود عشراً عشراً.
كما أمّ بأنس بن مالك فقال: “ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى”.
شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
قال عمر: “لَمجلسٌ من الأعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحب إليّ من ألف دينار”.
وكان يقول في أيام خلافته: “لو كان عبيد الله حياً ما صدرت إلا عن رأيه، ولوددت أن لي بيوم واحد من عبيد الله كذا وكذا”.
عمر في عهد الوليد بن عبد الملك:
احتل عمر بن عبد العزيز مكانة مميزة في البيت الأموي وتأثير كبير على الخلفاء فكان عمه الخليفة عبد الملك يعجب بنباهته وقدمه على أولاده وزوجه ابنته.
على الرغم من صغر سنه في عهد عبد الملك فقد أورد ابن الجوزي أنه كتب إلى عبد الملك كتاباً يذكّره فيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وقد جاء فيها:
“أما بعد، فإنك راعٍ، وكلٌّ مسؤولٌ عن رعيته، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: كل راعٍ مسؤول عن رعيته، ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ٨٧”.
إمارته على المدينة المنورة:
في ربيع الأول من عام 87هـ، ولى الخليفة الوليد بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91هـ، وبذلك صار والياً على الحجاز كلها، وفرح الناس به فرحاً شديداً.
واشترط عمر لتوليه الإمارة ثلاثة شروط ووافق عليها الوليد:
1- أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً، ولا يجور على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقل ما يرفع للخليفة من الأموال من المدينة.
2- أن يسمح له بالحج في أول سنة، لأنه لم يحج بعد.
3- أن يسمح له بالعطاء أن يُخرجه للناس في المدينة.
قام عمر بتكوين مجلس للشورى بالمدينة سمي بـ” مجلس فقهاء المدينة العشرة”، وهم:
عروة بن الزبير
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
أبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة
سليمان بن يسار
القاسم بن محمد
سالم بن عبد الله بن عمر
عبد الله بن عبد الله بن عمر
عبد الله بن عامر بن ربيعة
خارجة بن زيد بن ثابت
وجمعهم فقال لهم:
“إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرّج الله على من بلغه ذلك إلا أبلغني”.
ووسع المسجد النبوي بأمر من الوليد بن عبد الملك، حتى جعله 200 ذراع في 200 ذراع، وزخرفه بأمر الوليد أيضاً، مع أنه كان يكره زخرفة المساجد.
عزله عن إمارة المدينة:
عزل عمر بن عبد العزيز من إمارة المدينة المنورة بوشاية من الحجاج بن يوسف الثقفي للخليفة.
في سنة 92هـ عقد الخليفة الوليد لواء الحج للحجاج بن يوسف الثقفي ليكون أميراً على الحج، ولما علم عمر بن عبد العزيز بذلك، كتب إلى الخليفة يستعفيه أن يمرَّ عليه الحجاج بالمدينة المنورة، لأن عمر بن عبد العزيز كان يكره الحجّاج لما هو عليه من الظلم، فامتثل الوليد لرغبة عمر، وكتب إلى الحجّاج: «إن عمر بن عبد العزيز كتب إليَّ يستعفيني من ممرك عليه، فلا عليك أن لا تمر بمن كرهك، فتنحّ عن المدينة”.
وقد كتب عمر بن عبد العزيز وهو والٍ على المدينة إلى الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجّاج، مما جعل الحجّاج يحاول الانتقام من عمر.
وقد أصبح الحجاز ملاذاً للفارين من ظلم الحجاج.
كتب الحجاج إلى الوليد:
“إن من قبلي من مُرّاق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن”، فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان، وخالد بن عبد الله القسري، وعزل عمر عبد العزيز.
وقد كان ميول الوليد لسياسة الحجاج، فكان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه.
خروجة من المدينة المنورة:
خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة المنورة وهو يبكي، ومعه خادمه مزاحم، فالتفت إلى مزاحم وقال:
“يا مزاحم، نخشى أن نكون من نفت المدينة»، يشير بذلك إلى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد”.
إقامته في دمشق:
رأى عمر بن عبد العزيز أن مصلحة المسلمين تقتضي أن تكون إقامته في دمشق بجوار الخليفة، لعله بذلك يستطيع أن يمنع ظلماً أو يشارك في إحقاق حق، فانتقل إلى دمشق فأقام بها.
ولم يكن عمر بن عبد العزيز على وفاق تام مع الخليفة الوليد بن عبد الملك، فلم تخلو إقامته في دمشق من المشاكل لاعتماد الوليد على ولاة أقوياء قساة، يهمهم إخضاع الناس بالقوة وإن رافق ذلك كثير من الظلم، فكان يقول:
“الوليد بالشام، والحَجّاج بالعراق، ومحمد بن يوسف (أخو الحجّاج) في اليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك في مصر، امتلأت والله الأرض جوراً”.
مواقفه مع الخليفة سليمان بن عبد الملك:
عندما مات عمه خاطب عمر ابن عمه مسلمة بن عبد الملك فقال له: «يا مسلمة، إني حضرت أباك لما دفن، فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من أمر الله راعني وهالني، فعاهدت الله ألا أعمل بمثل عمله إن وليت، وقد اجتهدت في ذلك».
تولي سليمان الخلافة فقرب عمر منه وجعله وزيراً ومستشاراً ملازماً له في إقامته وسفره، وظل عمر بن عبد العزيز قريباً من سليمان طيلة مدة خلافته، يحوطه بنصحه ويشاركه مسؤولياته.
- وقد كان لعمر بن عبد العزيز أثر كبير على سليمان في إصدار عدد من القرارات النافعة، ومن أهمها:
1- عزل ولاة الحَجّاج وبعض الولاة الآخرين، كوالي مكة خالد القسري البجلي، ووالي المدينة عثمان بن حيان.
2- والأمر بإقامة الصلاة في وقتها، فقد كان الوليد بن عبد الملك يؤخر الظهر والعصر، فلما ولي سليمان كتب إلى الناس عن رأي عمر: إن الصلاة كانت قد أميتت فأحيوها.
- قال سليمان: “يا أبا حفص، إنا ولينا ما قد ترى (ولم يكن بتدبيره علم) فما رأيتَ من مصلحة العامة فمر به”.
- وكان يقول أيضاً: “ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل فما أجد أحداً يفقه عني”.
- وقال: “يا أبا حفص، ما اغتممت بأمر ولا أكربني أمر إلا خطرت فيه على بالي”.
- وقدِم سليمان بن عبد الملك المدينة فأعطى بها مالاً عظيماً، فقال لعمر بن عبد العزيز: “كيف رأيت ما فعلنا يا أبا حفص؟”.
قال: “رأيتك زدت أهل الغنى غنى وتركت أهل الفقر بفقرهم”.
- وخرج سليمان ومعه عمر إلى البوادي، فأصابه سحاب فيه برق وصواعق، ففزع منه سليمان ومن معه، فقال عمر: “إنما هذا صوت نعمة، فكيف لو سمعت صوت عذاب؟”.
فقال سليمان: “خذ هذه المائة ألف درهم وتصدق بها”.
فقال عمر: “أو خير من ذلك يا أمير المؤمنين؟”.
قال: “وما هو؟”.
قال: “قوم صحبوك في مظالم لم يصلوا إليك”، فجلس سليمان فرد المظالم.
- وأقبل سليمان بن عبد الملك ومعه عمر على معسكره، وفيه الخيول والجمال والبغال والأثقال والرجال، فقال سليمان: «ما تقول يا عمر في هذا؟».
قال: «أرى دنيا يأكل بعضها بعضاً، وأنت المسؤول عن ذلك كله».
فلما اقتربوا من المعسكر إذا غرابٌ قد أخذ لقمة في فيه من فسطاط سليمان وهو طائر بها ونعب نعبة، فقال له سليمان: «ما تقول في هذا يا عمر؟”.
فقال: «لا أدري”.
فقال: «ما ظنك أنه يقول؟”.
قال: كأنه يقول: «من أين جاءت؟ وأين يذهب بها؟».
فقال له سليمان: «ما أعجبك!».
فقال عمر: «أعجب مني من عرف الله فعصاه، ومن عرف الشيطان فأطاعه».
- ولما وقف سليمان وعمر بعرفة، جعل سليمان يعجب من كثرة الناس، فقال له عمر: «هؤلاء رعيّتُك اليوم، وأنت مسؤول عنهم غداً»، وفي رواية: «وهم خصماؤك يوم القيامة»، فبكى سليمان وقال: «بالله أستعين».
رضي الله عنه وأرضاه
اللهم ارزقنا بحاكم كعمر يارب