هذه المادة المختصرة من كتاب فقه الصيام للدكتور يوسف القرضاوي تتناول صيام التطوع والتي تشمل صيام ستة من شوال، وصيام تسع ذي الحجة ويوم عرفة، وصيام عاشوراء وتاسوعاء،
والإكثار من الصوم في شعبان، والصيام في الأشهر الحرم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام الاثنين والخميس، وصيام يوم وإفطار يوم، مع التعرض لأشكال الصيام المكروه .
صيام التطوع
التطوع المستحب – وإن لم يكن حتمًا ولا فرضًا على المسلم – له ثماره الطيبة التي يجمل به أن يحرص على اقتطافها.
فمن ثماره: أن يجبر ما عسى أن يكون في أداء الفرض من خلل وتقصير
ومن ثماره: أنه (رصيد احتياطي) يواجه به المكلف (الخسائر) الناجمة من ارتكاب السيئات، والتي تكثر وتتفاقم أحيانًا حتى تكاد تأكل رأس المال.
ومن ثماره كذلك: أنه يهيئ المسلم للترقي في درجات (القرب) من الله تعالى، حتى يصل إلى درجة الحب من الله عز وجل، فأداء الفرائض يوصل إلى (القرب)، وأداء النوافل يوصل إلى (الحب).
صيام ستة من شوال
حث النبي صلى الله عليه وسلم على إتباع صيام رمضان، بست من شوال، فقد روى عنه أبو أيوب الأنصاري: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر كله” (رواه مسلم).
والمراد بالدهر هنا: السَّنَة، أي كأنما صام السنة كلها، فإذا حافظ على صيام ذلك طوال السنين، فكأنما صام الدهر.
وهل المطلوب في هذه الأيام إلحاقها برمضان مباشرة، بحيث يبدأ صومها من اليوم التالي للعيد، كما يدل عليه لفظ (أتبعه)، أم يكفي أن تكون في شوال، وشوال كله تابع لرمضان؟.
هذا ما اختلف فيه الفقهاء، ولكني أميل إلى الرأي الثاني.
صيام تسع ذي الحجة ويوم عرفة
شهر ذي الحجة من الأشهر الحُرم الأربعة، ومن أشهر الحج المعلومات، وأيامه العشرة الأولى، هي أفضل أيام العام، كما صحت بذلك الأحاديث.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام” يعني أيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا أن يخرج الرجل بنفسه، وماله، فلا يرجع بشيء من ذلك” (رواه البخاري).
وأوكدها وأفضلها هو اليوم التاسع، يوم عرفة، اليوم الذي يقف فيه الحجيج شُعثًا غُبرًا، بملابس الإحرام التي تشبه أكفان الموتى، متجردين لله مُلَبِّين له، ضارعين إليه.
جمهور العلماء على أن استحباب الصيام إنما هو لغير الحجاج، وكراهية صومه للواقفين بهذا الموقف العظيم.
صيام يوم عرفة
يوم عرفة أفضل أيام العام، وهو من الأيام العشرة من ذي الحجة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” صيام يوم عرفة، أحتسب على الله تعالى أن يكفر ذنوب سنتين “.
صيام عاشوراء وتاسوعاء
عاشوراء: هو اليوم العاشر من المحرم، وتاسوعاء: هو اليوم التاسع منه، ويبدو من مجموع الأخبار أن صيام يوم عاشوراء كان معروفًا عند قريش في الجاهلية، ومعروفًا عند اليهود كذلك.
وقد فرض النبي صلى الله عليه وسلم صيامه في أول الأمر وألزم به، حتى بعث مناديه ينادي في الناس أن يلتزموا صومه من النهار، وإن كانوا قد أكلوا.
فلما فُرض رمضان نُسخت فرضيته، وبقي مُستحب الصيام فقط.
فعن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صوم يوم عرفة يُكفِّر سنتين: ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية” (رواه الجماعة إلا البخاري).
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على صيام اليوم التاسع، أي مع العاشر، ليتميز صيامهم عن صيام أهل الكتاب.
فعن ابن عباس قال: لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم عاشوراء، وأمر بصيامه،
قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى!
فقال: “فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع” قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم وأبو داود).
ولم يرد في شأن عاشوراء شيء غير الصيام، فما أحدثه بعض الناس من التزين والاغتسال، والاكتحال والتوسعة واتخاذه موسمًا أو عيدًا تذبح فيه الذبائح ويتوسع فيه الناس – كل هذا مما لا أصل له في دين الله، ولا يدل عليه دليل صحيح.
الإكثار من الصوم في شعبان
شهر شعبان من الشهور التي يحرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على أن يصوم فيها أكثر من غيره من الشهور، ويستحب الصيام فيه، استعدادًا لرمضان.
في حديث رواه النسائي عن أسامة بن زيد: قال: قلت:
يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان،
قال: “ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي، وأنا صائم” (رواه النسائي).
الصيام في الأشهر الحرم
الأشهر الحرم: هي الأربعة التي عظمها الله في القرآن وهي:
ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب (ثلاثة سرد وواحد فرد)،
وقد ورد استحباب الصيام فيها، وبخاصة المُحرَّم.
صيام رجب:
الصيام في الأشهر الحرم مقبول ومستحب، على كل حال، ولكن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام شهرًا كله، سوى رمضان،
وكان أكثر ما يصوم في شهر شعبان، ولكن لم يكن يصومه كله، فإنه كان يصوم ويفطر في سائر الشهور،
وما يفعله بعض الناس من صيام رجب كله، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن السلف الصالح.
صيام ثلاثة أيام من كل شهر
ومن الصيام المستحب: صيام ثلاثة أيام من كل شهر،
ففي الصحيحين: عن أبي هريرة:
أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث، لا أدعهن حتى أموت:
صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر (متفق عليه).
واختلاف الأحاديث في تحديد هذه الأيام يدل على أن في الأمر سعة، فلكل مسلم أن يصوم من أول الشهر أو وسطه أو آخره ما هو أيسر عليه، وأليق بظروفه.
صيام الاثنين والخميس
ومن الأيام التي يستحب صيامها من كل أسبوع:
صيام الاثنين والخميس،
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيامهما.
روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا:
“تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا”.
صيام يوم وإفطار يوم
على أن أفضل الصيام، وأحبه إلى الله تعالى، لمن يطيق ولا يشق عليه، وهو صيام يوم، وفطر يوم، وهو صيام نبي الله داود عليه السلام،
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو أنه قال:
أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل، ما عشت!
فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي (في الكلام ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم سأله، فأجابه بذلك)،
قال :”فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر”،
قلت: إني أطيق أفضل من ذلك،
قال: “فصم يومًا، وأفطر يومين”،
قلت: إني أطيق أفضل من ذلك،
قال: “فصم يومًا، وأفطر يومًا، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام”،
فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا أفضل من ذلك”،
وفي رواية: “لا صوم فوق صوم داود عليه السلام، شطر الدهر”
(رواه البخاري ومسلم وغيره).
إتمام التطوع مستحب
ويستحب ممن شرع في صيام التطوع، ألا يخرج منه بلا عذر، وأن يكمله، ولا يبطله،
فإن خرج منه بلا عذر، فقد كرهه جماعة من العلماء، فأما إن خرج منه بعذر فليس فيه أدنى كراهة.
والعذر مثل أن يكون ضيفًا، أو مُضيفًا، ويشق على مضيفه أو ضيفه ألا يأكل معه، فيستحب أن يفطر لإكرامه،
بخلاف ما إذا كان المُضيف أو الضيف لا يشق عليه أن يصوم فالأولى أن يستمر على صومه.
ومهما يكن من العذر أو عدمه، فإن المتطوع أمير نفسه، فليس عليه حرج إن هو خرج مما نواه من نفل، لم يلزمه به، ولا ألزم به هو نفسه بالنذر.
ولكن يستحب قضاء التطوع الذي لم يتمه، أخذًا بعموم قوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم)،
وعملاً ببعض الأحاديث الواردة الآمرة بالقضاء، وإن لم تبلغ درجة الصحة، فتحمل على الندب، وخروجًا من خلاف العلماء.
الصيام المكروه
- صوم الدهر: أي سرد الصوم متتابعًا في جميع الأيام، إلا الأيام التي لا يصح صومها، وهي العيدان وأيام التشريق.
- إفراد شهر رجب بالصوم: رأي الإمام أحمد كراهية إفراد رجب بالصيام، ما لم يفطر فيه بعض الأيام.
- إفراد يوم الجمعة: يكره إفراد يوم الجمعة بالصيام، إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه مثل من يصوم يومًا، ويفطر يومًا، فيوافق صومه يوم الجمعة، ومن عادته صوم أول يوم من الشهر، أو آخره، أو يوم نصفه، ونحو ذلك، فيوافق الجمعة.
- إفراد يوم السبت: وكُرِهَ كذلك إفراد يوم السبت بالصوم، كما روى عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افْتُرِضَ عليكم” (رواه مسلم).
- الصوم بغير صلاة
تابع أيضاً:
مختصر كتاب فقه الصيام للدكتور يوسف القرضاوي
وجوب صيام رمضان وثبوت الهلال فلكياً
أصحاب الأعذار من الصيام| المسافر والمريض والشيخ الكبير
مقومات الصيام وما يفطر وما لا يفطر
كيفية اغتنام رمضان وما يستحب من أعمال