هذه المادة المختصرة من كتاب فقه الصيام للدكتور يوسف القرضاوي تتناول الأعمال التي ينبغي للمسلم أن يقوم بها في شهر رمضان، وكيفية اغتنام أوقات هذا الشهر الفضيل، في الذكر والطاعة والجود والدعاء، وفي إحياء ليالي رمضان بالقيام والتراويح والتهجد، مع التنزه عن اللغو والرفث والجهل والسبِّ.
كيفية اغتنام رمضان وما يستحب من أعمال
قيام ليالي رمضان وصلاة التراويح
فرض الله تعالى صيام أيام رمضان، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام لياليه.
والتراويح هي تلك الصلاة المأثورة التي يؤديها المسلمون جماعة في المسجد، بعد صلاة العشاء.
ومن قال من العلماء قديمًا بأن الصلاة في البيوت أفضل، فهذا فيمن كان يصلي لنفسه ويطيل كثيرًا، ولا يجد صلاة جماعة تشبع نهمه.
أما إذا وجد هذه الجماعة، فالأولى أن يصلي مع المسلمين، ليكثر جماعتهم وليقوى بهم، ويقووا به.
ومثل ذلك ما يقال في شأن صلاة التراويح للنساء، وأن صلاتهن في بيوتهن أفضل، فهذا لو كن يحفظن القرآن، ولا يكسلن عن الصلاة إذا جلسن في البيت.
ومن صلى بإحدى عشرة، فقد اهتدى بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قالت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره، على إحدى عشرة ركعة (رواه البخاري وغيره).
ومن صلى بثلاث وعشرين، فله أسوة بما كان في عهد عمر، كما رواه غير واحد، وقد أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين.
ومن صلى بتسع وثلاثين أو إحدى وأربعين، فله أسوة بما كان عليه العمل في المدينة في خير قرون الأمة، وقد شاهده إمام دار الهجرة، وقال: وعلى هذا العمل من بضع ومائة سنة.
ولم يرد تحديد العدد في رمضان ولا في غيره بمقدار معين.
وإن كان الأحب إليَّ هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله لا يرضى له إلا الأفضل، وذلك (إحدى عشرة ركعة) بالوتر مع تطويل القراءة والصلاة.
التليفزيون والصيام
التليفزيون وسيلة من الوسائل، فيه خير وفيه شر، والوسائل لها حكم المقاصد دائمًا، فالتليفزيون كالإذاعة … وكالصحافة .. فيها ما هو طيب وما هو خبيث .
وعلى المسلم أن ينتفع بالطيب، وأن يتجنب الخبيث، سواء كان صائمًا أم غير صائم … ولكن في الصيام، على المسلم أن يحتاط أكثر، حتى لا يفسد صومه، وحتى لا يذهب أجره ويحرم من مثوبة الله عز وجل.
وبعض المشاهدة تكره رؤيتها وإن لم تصل إلى درجة الحرمة. وكل وسيلة من الوسائل تصد عن ذكر الله فهي حرام.
خروج المرأة لصلاة التراويح
صلاة التراويح ليست واجبة على النساء ولا على الرجال، وإنما هي سنة لها منزلتها وثوابها العظيم عند الله.
وصلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها بالمسجد، ما لم يكن وراء ذهابها إلى المسجد فائدة أخرى غير مجرد الصلاة، مثل سماع موعظة دينية، أو درس من دروس العلم، أو سماع القرآن من قارئ خاشع مجيد. فيكون الذهاب إلى المسجد لهذه الغاية أفضل وأولى.
على أن خروج المرأة من بيتها – ولو إلى المسجد – يجب أن يكون بإذن الزوج، فهو راعي البيت، والمسئول عن الأسرة، وطاعته واجبة ما لم يأمر بترك فريضة، أو اقتراف معصية فلا سمع له إذن ولا طاعة.
وليس من حق الرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى المسجد إذا رغبت في ذلك إلا لمانع معتبر.
اغتنام أيام رمضان في الذكر والطاعة والجود
رمضان موسم من مواسم الخير، تضاعف فيه الحسنات، وترجى فيه المغفرة، وتزداد فيه الرغبة في الخير، والمحروم حقًا من حرم في هذا الشهر رحمة الله عز وجل.
ومن ألوان الطاعة في هذا الشهر:
الإكثار من ذكر الله تعالى، والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن الكريم، والحرص على الصلاة في الجماعة.
ومن أهم ما ينبغي للصائم الحرص عليه في رمضان: الجود وفعل الخير، وبذل المعروف للناس، وإطعام الطعام.
فهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة.
(رواه البخاري في الصوم وفي بدء الوحي).
الدعاء طوال النهار وخصوصًا عند الإفطار
والذكر والدعاء مطلوب من الصائم طوال نهاره، ولكنه مطلوب بصورة خاصة عند الإفطار.
وأولى ما يقوله الصائم عند فطره ما رواه ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أفطر:
“ذهب الظمأ وابتلّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى”.
ويدعو عند الإفطار بما أحب لدينه ودنياه وآخرته، لنفسه ولذويه وللمسلمين فهو وقت تُرجى فيه الإجابة. فقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو: “أن للصائم عند فطره دعوة ما ترد”.
ما يستحب للصائم
تعجيل الإفطار والبدء برطبات:
يستحب للصائم تعجيل الإفطار، فقد رغب في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله وفعله.
ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر” (متفق عليه).
ومعنى التعجيل: أنه بمجرد غياب قرص الشمس من الأفق يفطر.
وكان من سنته العملية عليه الصلاة والسلام: ما رواه أنس خادمه: أنه كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات، فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من.
السحور وتأخيره
ومما سنَّه النبي صلى الله عليه وسلم للصائم أن يتسحر، وأن يؤخر السحور، والسحور هو ما يؤكل في السحر، أي بعد منتصف الليل إلى الفجر، والأصل في السحور أن يكون طعامًا يؤكل، ولو شيئًا من التمر، وإلا فأدنى ما يكفي شربة من ماء.
ومن السنة تأخير السحور، تقليلاً لمدة الجوع والحرمان، ومن شك هل طلع الفجر أم لا، جاز له أن يأكل ويشرب حتى يستيقن.
والأمر في وقت الفجر، ليس بالدقيقة والثانية، كما عليه الناس اليوم، ففي الأمر سعة ومرونة وسماحة، كما كان عليه الكثير من السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
والسحور ليس شرطًا في الصيام، وإنما هو سنة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فعلها وأمر بها.
وإذا تأكد أن أذان الفجر حسب التقويم المحلي، وجب عليه أن يترك الأكل والشرب فور سماعه الأذان، بل لو كان في فمه طعام وجب عليه أن يلفظه حتى يصح صومه.
التنزه عن اللغو والرفث والجهل والسبِّ
وينبغي للصائم أن يزداد حرصًا على التنزه عن اللغو والرفث والصخب والجهل، والسب والشتم.
قال عليه الصلاة والسلام: “الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب (وفي رواية: ولا يجهل) فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم” (متفق عليه).
والرفث: الكلام المتعلق بالنساء وأمور الجنس، وقيل: الفحش في الكلام عامة. والصخب: الصياح ورفع الأصوات، شأن الجهال، وهذا معنى (ولا يجهل).
وأولى بالتَّنزُّه من اللغو والرفث والصخب، الكذب والزور، والغيبة والنميمة ونحوها من آفات اللسان، التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.