الجمعة , أبريل 19 2024

سورة الانشقاق | تفسير وشرح ودروس

فيما يلي تفسير وشرح ودروس سورة الانشقاق ضمن سلسلة تدبر القرآن الكريم، التي كتبها أحمد السيد، والتي تتضمن دروساً وفوائد من الآيات مع واجبات ووصايا نهاية السورة.

قد يهمك:

تدبر جزء عمّ

سورة الانشقاق | تفسير وشرح ودروس

معاني كلمات سورة الانشقاق:

انشقتتصدعت
وأذنت لربهاأطاعت أمر ربها
مدتبسطت
يدعو ثبورايدعو بالهلاك
لن يحورلن يرجع
الشفقاحمرار الأفق عند الغروب
وسقجمع
اتسقاكتمل
طبقاً عن طبقمن طور إلى طور ومن حال إلى حال

شرح سورة الانشقاق:

الآيات 1 : 5

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)

عندما تتصدع السماء وتنشق استجابة لأمر ربها، وحق لها أن تطيع وتستجيب، وعندما تمد الأرض وتبسط فتصبح بلا جبال، وتلقي ما في جوفها وما دفن فيها عبر آلاف السنين وتتخلي عن الاحتفاظ به استجابة لأمر ربها، وحق لها أن تخضع وتطيع، عند ذلك تكون القيامة قد قامت.

الآيات 6 : 15

يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)

يا أيها الإنسان إنك في هذه الدنيا تكدح كدحاً وتتعب تعباً وتبذل جهداً في الخير والشر، وتسير سيراً في طريق يؤدي في نهايته حتماً إلى ربك فملاقيه، وستجد عنده كل عملك وتعبك مكتوب في كتاب.

فمن كان كدّه وتعبه لأجل الدنيا وما فيها من مال وجاه ليتمتع بها وأهله فسيؤتى كتابه بشماله، ومن كان كدّه وتعبه في الطاعة وتحمل تبعاتها وابتلاءاتها، فسيؤتي كتابه بيمينه.

فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً، فبفضل الحسنات محيت السيئات، وبفضل الطاعات عوفي من مناقشة الحساب، وبفضل صحبة الأخيار أتته البشريات بالوقوف تحت ظل عرش الرحمن، وجاءته نفحات الجنة حين تقترب منه وفيها أهله من الحور العين فيرجع إليهم مسروراً.

وأما من أوتي كتابه وراء ظهره مكرهاً غير راغب في أخذ هذا الكتاب، فسيندم أشد الندم، ويدعو علي نفسه بالثبور والهلاك، ويصلي سعير جهنم يقاسي حرّها، إنه كان في أهله بالدنيا مغروراً وجعل كل طموحاته منصبة على الدنيا دون الآخرة، إنه ظن أن لن يرجع إلي ربه بعد الموت، وظن أنه لا أحد يرقب أعماله ويرصدها،

بلي.. إن ربه كان بصيراً.

الآيات 16 : 25

فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)

أقسم بالشفق (احمرار الأفق عند الغروب)، وبالليل وما وسق (وما جمع وما حمل) من دواب وحشرات وهوام، وبالقمر إذا اتسق (اكتمل)، لتركبن طبقاً عن طبق، فتنتقلون من طور إلى طور ومن حال إلى حال، فمن مرحلة الجنين إلى الطفولة إلى الشباب والشيخوخة إلى الموت إلى البعث والجزاء، تماماً مثل الانتقال من الشفق إلى الليل واكتمال القمر، وهي آيات كونية تتكرر أمامكم، وهي ذات دليل ساطع على وجود الله، وحتمية اليوم الآخر.

فما لهم لا يؤمنون؟ وإذا قرئ عليهم القرآن لا يخضعون ولا يسجدون تصديقاً بالله وربوبيته، بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يكتمون في صدورهم، فبشرهم (أسلوب تهكم) بعذاب أليم،

إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون (غير منقطع وغير منقوص).

الشفق القطبي

الشفق القطبي

دروس وفوائد من سورة الانشقاق:

1-مشاهد يوم القيامة:

وصفت الآيات مشاهد مهيبة من يوم القيامة ونعيم الجنة وعذاب النار وهي:

انشقاق السماء – تمدد الأرض – حساب يسير لمن يؤتى كتابه بيمينه وله أجر غير ممنون – ندم واحتراق في السعير لمن يؤتي كتابه وراء ظهره.

وصف جهنم:

عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ : فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا.

رواه البخاري ومسلم

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُو أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ”.

رواه البخاري ومسلم

حديث النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجلٌ يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحداً أشدُّ منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً“.

متفق عليه.

الحساب اليسير:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حساباً يسيراً، فلما انصرف قلت: يا نبي الله ما الحساب اليسير؟ قال: أن ينظر الله في كتابه فيتجاوز عنه …….”.

صحيح رواه البخاري وأحمد

الدعاء:

كان النبي صلي الله عليه وسلم يدعو 7 مرات عقب صلاة الفجر والمغرب فيقول: “اللهم إني أسألك الجنة اللهم أجرني من النار”.

2-الربوبية

كررت الآيات التنبيه على معني الرب 4 مرات فقد جاء في السورة أن:

1- السماء أذنب لربها (أي خضعت).

2- الأرض أذنت لربها.

3- الإنسان كادح لربه.

4- الكافر ربه به بصير.

فهو رب السماوات والأرض والإنسان وأيضاً رب الكافر.

فما معني الرب؟

يطلق عادة علي الأب رب الأسرة فهو الذي يرعى الأسرة حتى ولو عصى أمره بعض عياله، ومهما راحوا هنا أوهناك، أو ذهبوا قريباً أو بعيداً يظل هو رب الأسرة.

ولله المثل الأعلى، فقد أوردت الآيات أن السماء والأرض خاضعة له، وأن الإنسان مهما بذل من خير أو شر فهو خاضع في النهاية لله وعائد إليه، فالله هو الذي سن سنة تتابع الأطوار كالشفق ثم الليل واكتمال القمر، وكالميلاد ثم الموت ثم البعث، وأنه سيحاسب عباده وييسر علي من أطاعه ويشدد علي من عصاه.

  • عَنْ شَدَّادِ بْنُ أَوْسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ)).

قَالَ: ((وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ)).

رواه البخاري

(أبوء أي أقر وأعترف)

3-الإيمان والعمل الصالح:

“إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)”.

أكدت الآيات على الارتباط الوثيق بين الإيمان والعمل الصالح، وأخذت على الذين كفروا أنهم لا يؤمنون ولا يسجدون، والسجود من أبرز ملامح العمل الصالح.

  • أُثر عن الحسن البصري أنه قال: ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل.

والإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والله لا يقبل العمل الصالح بدون شرط الإيمان.

  • عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “قال الله تبارك وتعالى : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه”.

رواه مسلم

والإيمان يبلى ويتجدد، يبلى مع الفتور والتقصير في جنب الله، ويتجدد بالذكر والتدبر في آيات الله ومخلوقاته والتعرف علي أسماء الله وصفاته.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جددوا إيمانكم، قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله.

رواه أحمد والحاكم والطبران

من أمثلة العمل الصالح:

تحصيل الطاعات – الكلمة الطيبة – الإنفاق – خدمة الناس – إغاظة أعداء الله.

أجر غير ممنون:

بشر الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم أجراً غير ممنون، وهي بشرى تدفع المؤمن لحب لقاء الله للفوز بهذا الأجر.

  • عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.

فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت.

فقال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه.

رواه مسلم

واجبات من سورة الانشقاق:

1- استشعار معية الله البصير العالم بما في أنفسنا ونوايانا.

2- تدبر في تعاقب الأطوار (الشفق والليل والقمر) و(مراحل تطوير الإنسان ومصيره).

3- الإيمان والعمل بالقرآن والسجود بين يدي الرحمن، هي أبرز مظاهر الخضوع والاستجابة لله والتطلع للفوز بالأجر غير الممنون.

4- الحرص على السير في الجنازات وزيارة القبور فهي سنة تذكر بالآخرة.

5- الدعاء عقب الفجر والمغرب 7 مرات اللهم إني أسألك الجنة الله أجرني من النار.

6- الحرص علي سيد الاستغفار كل صباح ومساء.

توصيات من سورة الانشقاق:

1- حدد لنفسك مبلغاً مالياً شهرياً تنفقه في أوجه الخير (ولو كان قليلاً).

2- “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه” اكتبها بخط عربي جميل في لوحة فنية وقم بتعليقها في مكان بارز أمامك وأمام الآخرين، وانشرها عبر مواقع الانترنت.

3- “فلا أقسم بالشفق” قم بتصوير الشفق ودخول الليل بالفيديو تصويراً بالعرض السريع جداً لملاحظة عظيم صنع الله في التحول من طور إلى طور، ثم اكتب الآية تعليقاً على الفيديو.

تعليق واحد

  1. بارك الله فيكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *