نقدم لكم فيما يلي قصة مختصرة عن حياة الداعية والمناظر الإسلامي أحمد ديدات فارس المناظرين في القرن العشرين.
قد يهمك:
من هو أحمد ديدات:
هو أحمد حسين كاظم ديدات، داعية ومناظر إسلامي مشهور في مقارنة الأديان وخاصة بين الإسلام والمسيحية.
ولد يوليو/تموز عام 1918م / 1336هـ في إقليم سراط بالهند في مدينة تادكهار فار، ثم انتقل والده إلى جنوب أفريقيا في ديربان للبحث عن الرزق، وإلتحق ديدات به بعد وفاة والدته وعمره 9 سنوات.
تميز بذاكرة متميزة وأسلوب شيق، مما أكسبه شهرة واسعة بين الجالية المسلمة في جنوب أفريقيا.
كانت الديانة السائدة في جنوب أفريقيا المسيحية ولغتها الإنجليزية وسياستها التفرقة العنصرية، لكن ديدات كسر هذه القاعدة وأنشأ أول مدرسة ومركز إسلامي ومسجد متكامل المرافق في جنوب أفريقيا باسم السلام.
كان ديدات مؤسس ورئيس المركز الدولي للدعوة الإسلامية ومعهد السلام لتخريج الدعاة IPCI بمدينة ديربان بجنوب أفريقيا ولا يزال المركز نشطاً حتى بعد وفاته.
دراسته:
بدأ دراسته في سن 10 والتحق ديدات بالمركز الإسلامي في ديربان لتعلم القرآن وعلومه وأحكام الشريعة الإسلامية.
تفوق على زملائه في تعلم اللغة الالنجليزية في مدة قصيرة وفي أثناء ذلك التحق ديدات بالكلية الفنية السلطانية فدرس الرياضيات وإدارة الأعمال.
لكن أزمة الفقر ما زالت تلاحقه فخرج من المدرسة في بداية المرحلة المتوسطة تقريباً، وحاول أبوه التوسط له ليكمل تعليمه لكنه لم يستطع، فلم يكن ديدات يتمتع بما تمتع بهم أولاد الثرياء من مميزات تعليمية.
كان طالبًا متفوقًا بين أقرانه، وذكيًا، ولامعًا على الرغم من المشاكل المادية، وفي السادسة عشرة من عمره سعى ديدات للعمل للخروج من دائرة الفقر المحيطة به.
وكان أكثر من رافقوه في حياته غلام حسن وصالح محمد وكان الرجلان بمثابة جناحي الطائر يرافقاه في كل مكان، وقد توفيا قبله.
عمله:
عمل ديدات في عدة مهن بحثاً عن الرزق فعمل:
– بائعاً في دكان لبيع الملح.
– بائعاً في دكان لبيع المواد الغذائية.
– سائقاً في مصنع أثاث ثم كاتباً حتى أصبح مديراً للمصنع ومكث فيه 12 سنة.
– بائعاً في دكان رجل مسلم خارج مدينته.
– وفي أواخر الأربعينات التحق بدورات تدريبية للمبتدئين في صيانة الراديو وأُسس الهندسة الكهربائية.
– سافر إلى باكستان في عام 1949 من أجل الحصول على مال يكفيه ويدخر جزءً منه لانفاقه على دعوته، فمكث فيها 3 سنوات، وتزوج ديدات عام 1937 في باكستان من السيدة حواء غنغت وأنجبت له ولدين وبنتاً.
عاد ديدات عام 1952 إلى جنوب أفريقيا حتى لا يفقد جنسيتها، ومكث ديدات يعد نفسه للدعوة إلى الإسلام حتى عام 1956.
وفي عام 1959 توقف أحمد ديدات عن مواصلة أعماله وتفرغ للدعوة الإسلامية من خلال إقامة المناظرات والندوات والمحاضرات في العديد من دول العالم.
بداية رحلته في المناظرة:
في إحدى الروايات:
بدأت رحلته في الدعوة أثناء عمله في محل بإحدى المناطق الريفية، فكان يرد على المحل من يبشرون بالمسحية، فسخر بعض زملائه ممن تأثر بهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ديدات في ذلك الوقت لا يعرف عن الإسلام سوى الشهادة، فحزن لعدم قدرته على الدفاع عن دينه، في ذلك الوقت قرر ديدات أن يغير مسار حياته واقتنى نسخة من القرآن الكريم المترجم للإنجليزية ونسخة من الإنجيل.
وفي رواية أخرى:
في مطلع شبابه كان يعمل في دار نشر للكتب المسيحية، وكانت هذه الدار تابعة لمؤسسة تبشير، وكان بها معهد وليامز لتخريج المبشرين، فكان الدارسون من المبشرين يأتون إلى ديدات لكي يطبقوا عليه عملياً ما تعلموه، فلا يستطيع الرد عليهم.
كان أول كتاب قرأه عن مناظرة بين الدين الإسلامي والدين المسيحي كتاب “إظهار الحق” لأحد المؤلفين الهنود الذين عاشوا في المدينة المنورة، وكان يحتوي على حوار بين إمام مسلم وقس، وكانت هذه هي الانطلاقة الحقيقية لديدات.
أخذ ديدات يمارس ما تعلمه من هذا الكتاب في التصدي للمبشرين واتفق على زيارتهم في بيوتهم، ثم واجه العديد من المبشرين كأكبر مناظر لهم.
كان له دورًا كبيرًا في إشهار عدد كبير من المسيحيين إسلامهم، بل زاد عليه أن توجه بعضهم إلى العمل الدعوي الإسلامي.
عمل في تلك الأثناء على دراسة الدين الإسلامي وحفظ القرآن، واهتم بدراسة سيرة النبي للرد على شبهات المستشرقين حول النبي صلى الله عليه وسلم.
انطلق ديدات يناظر ويحاجج ويناقش، في بلاد كثيرة، وكرس 6 عقود من حياته من أجل الدفاع عن الإسلام .
وكان يلتقي بطلاب الإرسالية ويناقشهم، فلم يصمدوا أمامه فقام بدعوة أساتذتهم من الرهبان في المناطق المختلفة لمناظرتهم وتفوق عليهم.
حاز على جائزة الملك فيصل عام 1986م تكريماً له على جهده المبذول في خدمة الإسلام.
مؤلفات ومناظرات أحمد ديدات:
ألف ما يقرب من 25 كتاب طبع منها ملايين النسخ، ووزعت في أغلب الأوقات بالمجان.
طبع بعض مناظراته، وألقى مئات المحاضرات في جميع أنحاء العالم، فبلغ عدد محاضراته ومناظراته المسجلة 125، وكانت تطبع وتوزع على شكل كتيبات، كان يطبع مائة الف نسخة في المرة الواحدة.
كانت أول محاضرة له بعنوان محمد صلى الله عليه وسلم رسول السلام في عام 1940 ألقاها أمام 14 شخص فقط بإحدى دور السينما في مدينته.
وبعدها مناظرة هل صُلب المسيح؟ ناظر فيها الأسقف جوسيه ماكدويل في ديربان.
وقد ناظر كبار رجال الدين النصراني في قاعة ألبرت هول في بريطانيا أمثال كلارك وجيمي سواجارت وأنيس شروش.
ومن أول مناظراته أيضاً كانت مع السفير الإسرائيلي في جنوب أفريقيا في الستينيات، الذي استطاع أن يهزمه أمام حشود من الحاضرين.
كتبه:
- ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم
- هل الكتاب المقدس كلام الله ؟
- مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء
- المسيح في الإسلام
- الحل الإسلامي للمشكلة العنصرية
- المسلم يؤدي الصلاة
- من دحرج الحجر ؟
- مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء
- المسيح في الإسلام
- محمد: الخليفة الطبيعي للمسيح
- ماهو اسمه ؟ (الله في اليهودية والمسيحية والإسلام)
- الإختيار
- شيطانية الآيات الشيطانية وكيف خدع سلمان رشدي الغرب
- عتـاد الجـهـاد
- الخمر بين المسيحية والإسلام
- من المعمدانية إلى الإسلام
- العرب وإسرائيل.. صراع أم وفاق؟
مواقف وأحداث:
ذات مرة كان ديدات يبحث عن النسخة الإندونيسية من الإنجيل في دار الكتاب المقدس في مدينة جوهانسبيرجز، فإستغراب مديرها من هيئته الإسلامية ويبحث عن إنجيل، فأثار إهتمامه ودعاه لتناول الشاي وتناقشا في أمر ولادة السيد المسيح عيسى ابن مريم.
فقام الشيخ أحمد ديدات بتوضيح الفرق بين ما يذكره الإنجيل وما يذكره القرآن، فانحنى له مدير الدار إعترافاً وإجلالاً بأن القرآن حق.
من أقواله:
- أفضل أداة لكي تتعلم هي أن تُعَلِّم الآخرين، إن سراً عظيماً يكمن وراء ذلك .. فإنك إذا بلَّغت وناقشت وتكلمت، فإن الله يفتح أمامك آفاقاً جديدة، ولم أدرك قيمة هذه التجربة إلا فيما بعد.
- أشرس أعداء الإسلام هو مسلم جاهل يتعصب لجهله ويشوه بأفعاله صورة الإسلام الحقيقي ويجعل العالم يظن أن هذا هو الإسلام.
- السلاح ليس الحل لأن من عاش بالسيف مات بالسيف, ولكن يجب علينا تسليح أنفسنا أولاً بالعلم والحكمة والموعظة.
- لا تكن هشاً، أي ضربة تسقطك، وأي صدمة تضعفك، وأي فشل يعقدك، وأي خطأ يقتلك، كن قوياً، فلا مكان للضعفاء في هذا الوقت.
- ماذا عساها أن تكون القراءة إن لم تكن لغسل المخ. نحن لسنا شيئاً آخر سوى ما نأكل وما نقرأ.
- نحنُ لسنا متخلفون عن الغرب ولكن متخلفون عن الإسلام، وما تخلفنا عن العالم إلا بعد تفريطنا في ديننا.
- أنا مسلم والإسلام دين كامل لكنني لست إنساناً كاملاً، إن أرتكبت خطأ فلا تلوموا الإسلام لكن لوموني أنا.
- لم يولد الإنسان وهو مخير بين لونه ونسبه وغناه وفقره ، فإن لم تحترم الخلق ، فاحترم الخالق.
قالو عنه:
- قال الشيخ إبن باز: أنه قد أفنى عمره وهو يدافع عن الإسلام والمسلمين ، وكم دخل في الإسلام من مشركين وكفار ونصارى بسببه وعلى يديه .
- كتبت داليا يوسف عن ديدات: “رجل قوي البنية واضح الصوت ذي لحية بيضاء يقرأ الآيات التي يستشهد بها من القرآن بلسان أعجمي، وينطلق بالإنجليزية، يفند بحزم مزاعم قس مسيحي يدعى سواجارت ويقرأ عليه أجزاء كاملة من الإنجيل ويقارن بين نسخه المختلفة في براعة وشدة، لم يكن ذلك الشيخ سوى أحمد ديدات. قيل إنه من جنوب أفريقيا وهو يناظر القساوسة المسيحيين، ويستطيع أن يجادلهم من عين مصادرهم.”
- كتب ربيع سكر: “أشتهر ديدات بمناظراته وكتاباته في المقارنة بين الدين الإسلامي والدين المسيحي، هو ليس فقط واحدًا من فرسان الدعوة الإسلامية بل أخطر المدافعين عن الإسلام في الغرب لسانًا وقلمًا وأسد المنابر إذا أطلق زمجرة دبت في أحشاء الباباوات على مستوى العالم قشعريرة مقلقة”.
وقال أيضاً:
“ديدات انتهج منحى جديدًا للدعوة حيث أوقف حياته على الإسلام والقرآن ونشر الدعوة بين الناس من غير المسلمين الذين لم تصل إليهم الدعوة الصحيح، و أُطلِقت عليه العديد من الألقاب منها «قاهر المنصِّرين» و«فارس الدعوة».
- قال فراج إسماعيل:
“رحل أحمد ديدات الذي لم يفقد براعة محاورة الآخرين رغم فقده النطق الداعية الفقير الذي هزم كبار المنصرين فاحترموه”.
- قال صالح الوهيبي الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي:
“الشيخ ديدات يمثل مرحلة في الحوار الاسلامي المسيحي وهي مرحلة تتميز بالشدة مع المقابل، والهجوم عليه، وسبب ذلك انه نشأ في بيئة كانت الاقلية المسلمة في جنوب افريقيا تتعرض لضغوط عنصرية، وضغوط كبيرة من المنصرين”.
- قال شعبان عبد الرحمن:
“ربما لا نعرف كثيرا من البلدان إلا بأشهر شخصياتها، ولا شك أننا حين نذكر كلمة “جنوب أفريقيا” فإن اسم “نيلسون مانديلا” سرعان ما يندفع إلى أذهاننا، ليس وحده، ولكن بالطبع سيكون معه اسم “أحمد ديدات” ففي الحين الذي كان يخوض فيه الأول نضالاً سياسيا لتحرير البلاد من داخل زنزانته، كان الثاني يقود نضالا عقديا لتحرير العقول من الخلط والغلط وأجدني – إن أحمد ديدات قد أحدث دويا في الغرب بمناظراته الشهيرة التي ذاعت منذ منتصف السبعينيات وما زال صداها يتردد حتى اليوم”..
وصيته:
أوصى أعضاء مجلس أمناء المركز في زيارتهم الأخيرة له فقال: “ابذلوا قصارى جهودكم في نشر كلمة الله إلى البشرية.. إنها المهمة التي لازمتها في حياتي”.
ولام ديدات العرب بشأن تقصيرهم، وقد ملكوا البترول والدولار مقابل الأموال التي تُضخ في حملات التنصير لدعم المبشرين في أنحاء العالم.
وفاته:
وفي عام 1996 أصيب ديات بجلطة في الشريان القاعدي ألزمته الفراش مدة 9 سنوات وأصيب بجلطة بالدماغ فكان يتواصل مع من حوله بحركات العين بتخطيط معين وتشكل الجمل والكلمات من هذا المخطط في إبداع منه للغة تخاطب جديدة.
كتبت داليا يوسف مراسلة إسلام أون لاين في زيارة لها أثناء مرضه تصف اللغة التي كان يتحدث بها أثناء مرضه فقالت:
“أصبحنا في غرفة الشيخ وأمام سريره، جسد يرقد في هدوء بلا حراك، ورأس يستند على وسادة رُفعت ليستقبل زائريه.. وعينان لا تتوقفان عن الحركة والإشارة والتعبير، وعبرهما يتحاور الشيخ ويتواصل وهو الذي برع دائمًا في فنون الاتصال. “هل هي معجزة؟! لا، ولكنها إرادة الله سبحانه وتعالى التي مكنتنا أن نتحاور مع الشيخ ديدات عبر عينيه.
هذه هي الكلمات التي حملها الملصق المعلق فوق سرير الشيخ وفوقه الرسم الذي حمل الجدول التالي:
1- A B C D E F
2- G H I J K L
3- M N O P Q R
4- S T U V W Y
5- X Z
يستطيع الشيخ ديدات أن يتواصل عبر لغة خاصة، وصفها الأطباء بأنها تشبه لغة النظام الحاسوبي، فهو يحرك جفونه سريعًا وفقًا لجدول أبجدي يختار منه الحروف، ويكون بها الكلمات، ومن ثَم يكون الجمل.
وحينما هممت بالانصراف، آثرت زوجته أن أعود لغرفته لأحييه فوجدته يتابع شريط فيديو وصله من الولايات المتحدة عن القضية الفلسطينية وما وصلت إليه، ابتسمت سرًّا وخرجت أردد: اللهم ارزقنا – مثل من ضرب مثلا عبر حياته لقدرة البسطاء على العمل لما يعتنقون ويؤمنون به – قلبًا شاكرًا وعقلاً واعيًا ولسانًا ذاكرًا وجسدًا على البلاء صابرًا آمين”.
وتوفاه الله بعض تلك المعاناة صباح يوم الاثنين 8 أغسطس 2005م الموافق 3 رجب 1426 هـ.
وتوفيت زوجته حواء ديدات بعده بعام في يوم الإثنين 28 أغسطس عام 2006م، بعدما أكملت رعايته في مرضه على أكمل وجه.
ما شاء الله
ربنا يرحمه