السبت , أبريل 20 2024

أفرغت يا أبا الوليد

نقدم لكم فيما يلي قصة جديدة كتاب قصص ومواقف للكاتب أحمد السيد بعنوان أفرغت يا أبا الوليد.

قد يهمك:

كتاب قصص ومواقف | أحمد السيد

أفرغت يا أبا الوليد

في مكة اجتمعت قريش يوماً فقالت: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه.

فقالوا ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة (أبي الوليد) فذهب عتبة إلى النبي وقال: يا محمد، أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت النبي ولم يرد.

فقال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم، فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت آلهتنا وفضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن قريش ساحراً وأن في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلي أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى.

أيُّها الرجُلُ إنْ كان إنَّما بكَ الحاجةُ جمَعْنا لكَ مِن أموالِنا حتى تكونَ أغنى قُرَيشٍ رجُلًا، وإنْ كان إنَّما بكَ الباءةُ فاختَرْ أيَّ نساءِ قُرَيشٍ، فنُزوِّجُكَ عشرًا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرغت؟

قال: نعم.

فقال رسول الله: “حم، تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ، قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ”

فصلت 1:13

فقال عتبة: حسبك! ما عندك غير هذا؟

قال: لا.

فرجع إلى قريش فقالوا: ما ورائك يا أبا الوليد؟

قال: ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به.

قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.

قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.

فوائد وعبر:

1- من كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم أنه تميز بأسلوبه الراقي في الحوار والمخاطبة.

*فن الحوار النبوي*

تميز فن الحوار النبوي بالسمات الآتية:

  • قول التي هي أحسن وتجنب السب والشتم، فرغم أن أبا الوليد أساء الأدب فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقابلها بالمثل.
  • النقاش الهادئ: فرغم أن أبا الوليد بدأ بلغة حادة غاضبة إلا أن هدوء النبي أجبره على تهدئة وتيرة الحوار، ثم رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بهدوء بلا عصبية أو تحدي شخصي أو رفع للصوت.
  • الموضوعية وعدم الشخصنة، فقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الفكرة وقائلها، فرغم أن كلام أبي الوليد كان منصباً على الإساءة لشخص النبي إلا أن رد النبي كان موضوعياً يركز على الموضوع غير منشغل بالدفاع عن شخصه أو توجيه الاتهامات لأبي الوليد.
  • التركيز نحو الهدف وتجنب الانجراف لجدال غير مفيد حول أمور فرعية، فلم يرد على سؤال أبي الوليد عن أفضلية جده.
  • الرد على أهم النقاط وتجاهل الرد على الغير مهم، فلم يكن النبي حريصاً على الرد على كل نقطة وكل تفصيله وكل شاردة، فتجاهل الإساءة وتجاهل الرد على العروض والإغراءات وسكت عن موضوع جده.
  • الإصغاء والاستماع الجيد، فلم يقاطع أبا الوليد حتى انتهى من عرض كلامه كاملاً.
  • احترام المخالف، فرغم سوء أدب أبي الوليد إلا أن النبي لم يهينه ولم يظهر له مشاعر الكراهية بل احترام شخصه وناداه بأحب الأسماء إليه كنيته (أبا الوليد).

لقد سبق النبي صلى الله عليه وسلم خبراء التنمية البشرية فيما وصلوا إليه في فن الحوار.

2- استيقن أبو الوليد من صدق القرآن ونبوة محمد لكنه لم يؤمن بسبب الكبر والظلم.

“وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *