الخميس , أبريل 18 2024

دار الأرقم

نقدم لكم فيما يلي قصة جديدة كتاب قصص ومواقف للكاتب أحمد السيد بعنوان دار الأرقم.

قد يهمك:

كتاب قصص ومواقف | أحمد السيد

دار الأرقم

في قبيلة غفار سمع أبو ذر عن ظهور نبي بمكة وأنه مضطهد من قومه، فقدم إلى مكة يبحث عن النبي دون أن يسأل أحداً، واستضافه بمكة الغلام علي بن أبي طالب ثلاثة أيام ثم سأله عن سبب قدومه.

لما اطمأن أبو ذر لعلي أخبره أنه يريد مقابلة النبي، ولما اطمأن علي لأبي ذر أخبره أنه سيصحبه إليه في الصباح واشترط عليه الكتمان والسرية.

وفي الصباح أمر علي أبا ذر أن يسير خلفه على مسافة فإذا انحنى علي كأنه يصلح حذاءه فليتوقف أبو ذر، فإذا مشى فليمش، حتى إذا رآه يدخل داراً فليتبعه ويدخل هذه الديار، إنها دار الأرقم بن أبي الأرقم.

-حين أفاق أبو بكر من الإغماء التي أصابته من إيذاء قريش، ظن أن النبي أصابه مكروه فقال لأمه: ما فعل رسول الله؟

قالت: والله ما أدري.

فأمرها أن تذهب إلى امرأة تدعى أم جميل وتسألها، فجاءت أم جميل لأبي بكر وأخبرته أن رسول الله بخير وهو في دار الأرقم.

أقسم أبو بكر ألا يأكل أو يشرب حتى يرى رسول الله، فطلبت أم جميل من أبي بكر أن ينتظر حتى تهدأ الأقدام ويسكن الناس، ثم خرج أبو بكر متوكئاً على أمه وأم جميل يسيرون سراً في الخفاء إلى أن وصلوا دار الأرقم، واطمأن أبو بكر على سلامة النبي.

-وحين بدا الإسلام على عمر بن الخطاب أراد مقابلة النبي فدلوه على دار الأرقم مع تأكيد السرية والحذر، وحين بلغ عمر الدار وطرق الباب ورآه المسلمون فزعوا ظناً أن قريشاً قد كشفت سر دار الأرقم.

فما هي قصة دار الأرقم ولماذا هذه السرية المحيطة بالدار؟

بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الإسلام في سرية دون إعلان في أول ثلاث سنوات ثم حين أعلنها واجه اضطهاداً من قريش، فكان لابد من مكان يجتمع فيه المسلمين سراً وبعيداً عن بيوت النبي وأصحابه وعن الحرم.

اختار النبي دار غلام من غلمان المسلمين ولم يكن معروفاً بإسلامه إنه الأرقم بن أبي الأرقم وعمره 16 عاماً وهو من بني مخزوم التي بينها وبين بني هاشم عداوات فلا يخطر ببال أحد أن هذا هو مكان اجتماع النبي بالمسلمين.

وكان النبي قد نظم المسلمين في مجموعات صغيرة لكل منها قائد ومعلم ويجتمعون دورياً في البيوت.

وكانت دار الأرقم هي المقر الرئيسي الذي يجتمع فيه النبي بأتباعه يتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويدير شئون الدعوة فيخطط وينظم ويتابع، ويربي الرجال والقادة.

وبعد الهجرة أصبح مسجد النبي هو المقر.

فوائد وعبر:

1- دار الأرقم كانت بمثابة المقر الرئيسي للإسلام ومركز الدعوة والجامعة الإسلامية والمعهد العلمي وأكاديمية إعداد القادة.

وقد تخرج من هذه الدار قادة ربانيون أنشأوا أمة وأقاموا دولة ونظموا مجتمعاً وربوا ضمائر وأخلاقاً وعقولاً تفوقت على سائر المجتمعات.

2- منهج النبي يؤكد أهمية التربية والإعداد في حياة الشعوب والأمم، فدار الأرقم كانت المحضن التربوي الذي تلقى فيه المسلمون تعاليم الإسلام حتى أصبحوا ركائز للدعوة الإسلامية.

إن دعوة الإسلام لا تقوم بالجهود الفردية المتناثرة رغم أهميتها ولكنها تقوم بالعمل الجماعي المنظم، فلو أن الإسلام مجرد دعوة عامة وإبلاغ عام لما احتاج النبي لكل هذا الجهد وكان يكفيه التحدث عند الكعبة لكن الرسالة أكبر وأعمق من ذلك.

يقول سيد قطب: إن منهج الله لا يتحقق في دنيا الناس بمجرد تنزله من السماء أو بمجرد تبليغه للناس وإنما يتحقق عندما تحمله جماعة من البشر تؤمن به وتطبقه على نفسها ثم تدعوا الناس إليه وإلى تطبيقه والعمل به.

3- اتبع النبي صلى الله عليه وسلم أسلوباً متقدماً في الإدارة والتنظيم وأرسى قواعد العمل الجماعي وضوابط العمل المؤسسي فاتخذ مقراً ونظم الأفراد في مجموعات تشبه نظام فرق العمل teamwork المعروفة في نظم الإدارة الحديثة فالمجموعة تتعلم وتنطلق لأداء المهمة المكلفة بها.

وحدد النبي حقوق والتزامات قائد المجموعة، وأكد على أهمية السرية والكتمان فيما يتعلق بالشأن الداخلي فقال: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان والحذر”.

تعليق واحد

  1. صلى الله عليه وسلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *