سنتناول فيما يلي من سيرة أبو بكر الصديق (25) معركة اليرموك.
قد يهمك:
أبو بكر الصديق (25) معركة اليرموك
بعدما انهزم الروم في أجنادين وعسكر المسلمون في اليرموك، جهزت الروم جيوشها بقيادة تيدور واحتشدت بمكان يسمى الواقوصة على مقدمة من اليرموك وذلك لمواجهة المسلمين.
تنظيمات الطرفين:
عدد المسلمين 40 ألف مقاتل (قيل 45 ألفاً) بقيادة خالد بن الوليد
وعدد الروم 240 ألفاً بقيادة تيدور
قسم خالد الجيش بأسلوب جديد لم يستخدمه العرب من قبل وهو الكراديس وهي عبارة عن كتيبة من 1000 مقاتل ولها قائد أو أمير، وتتكون الفرقة من 10 : 20 كردوساً.
ويتكون الجيش من:
فرقة القلب بقيادة عبيدة ومعه عكرمة والقعقاع
وفرقة الميمنة بقيادة عمرو بن العاص ومعه شرحبيل
فرقة الميسرة بقيادة يزيد بن أبي سفيان
وفرقة المؤخرة بقيادة سعيد بن يزيد ومهمتها الظعن (الأمور الإدارية)
بالإضافة لفرقة الطليعة (المقدمة) ومهمتها المراقبة والاستطلاع
وقسم الروم جيشهم كالتالي:
المقدمة بقيادة جرجه وتضم الرماة
الجناحين بقيادة ماهان والدراقص وتضم الخيالة
الكراديس (المشاة)
المفاوضات قبل القتال:
تقدم وفد من المسلمين يضم أبا عبيدة ويزيد وغيرهم إلى أمير الروم ودعوه إلى الإسلام وتفاوضوا على الصلح فلم يتم ذلك.
وطلب ماهان مقابلة خالد فقال له: إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم الجَهْد والجوع،
فهلمُّوا إلى لأعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاماً وترجعون إلى بلادكم فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها.
فقال خالد: إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت غير أنَّا قوم نشرب الدماء، وأنه قد بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك فقال أصحاب ماهان: هذا والله ما كنا نُحدَّث به عن العرب.
بدء القتال:
أمر خالد كلاً من عكرمة والقعقاع أن يخرجا ويطلبا مبارزة الروم فخرجا يرتجزان الشعر ويبارزان وفي أثناء المبارزة، راح كل خطيب يخطب في المسلمين ويحفزهم للقتال.
قال أبو عبيدة: عباد الله، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فإن وعد الله حق، يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار…
وقال معاذ بن جبل: يا أهل القرآن ومستحفظي القرآن وأنصار الهدى وأولياء الحق،
إن رحمة الله لا تنال وجنته لا تُدخل بالأماني، ولا يؤتى المغفرة والرحمة الواسعة إلَّا الصادق المصدق…
قال عمرو بن العاص: يا أيها المسلمون، غضو الأبصار واجثوا على الركب وأشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنّة، فثبوا إليهم وثبة الأسد…
وقال أبو سفيان: يا معشر أهل الإسلام، حضر ما ترون، فهذا رسول الله والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم…
وراح يطوف على الكراديس يقول: الله الله، إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك.
وقال أبو هريرة: سارعوا إلى الحور العين وجوار ربكم في جنات النعيم.
قال رجل من نصارى العرب لخالد بن الوليد: ما أكثر الروم وأقل المسلمين!
فقال خالد: أتخوفني بالروم؟ إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر برأ من توجِّيه وأنهم أضعفوا في العدد
إسلام قائد رومي:
خرج جرجة قائد الرماة في جيش الروم واقترب من المسلمين وهو على فرسه وطلب مقابلة خالد، فأتاه خالد على فرسه واقترب منه حتى اختلفت أعناق فرسيهما.
– قال جرجه: يا خالد، أخبرني فاصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسلّه على أحد إلَّا هزمتهم؟
=قال خالد: لا
– قال جرجه: فيم سميت سيف الله.
=قال خالد: إن الله بعث فينا نبيّه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعاً، ثم إن بعضنا صدّقه وتابعه
وبعضنا كذّبه وباعده فكنت ممن كذّبه وباعده، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه،
فقال لي أنت سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين، ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك، فأنا أشدّ المسلمين على المشركين.
– فقال جرجه: إلى ما تدعون؟
=قال خالد: إلى شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل.
– قال جرجه: فمن لم يجبكم؟
=قال خالد: فالجزية ونمنعهم
– قال جرجه: فإن لم يطعها؟
=قال خالد: نؤذنه بالحرب ثم نقاتله
– قال جرجه: فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم؟
=قال خالد: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا
– قال جرجه: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذخر؟
=قال خالد: قال نعم وأفضل
– قال جرجه: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟
=قال خالد: إنا قبلنا هذا الأمر عنوة، وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات،
وحق لمن رأي ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا
ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا.
تابع:
– قال جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني؟
=قال خالد: تالله لقد صدقتك وإن الله ولىُّ ما سألت عنه.
فعندئذ قلب جرجة الترس ومال مع خالد وقال: علمني بالإسلام
فمال به خالد إلى فسطاطه وصب عليه الماء وعلمه الصلاة، كان الروم يظنون أن جرجة يقوم بحملة على خالد، فلما أدركوا انقلاب جرجة، حملت الروم على المسلمين وحميت الحرب.
أبو بكر الصديق (25) معركة اليرموك
جولات الحرب واشتدادها:
هجمت الروم هجمة شديدة على المسلمين وكان عددهم كثيراً جداً ويزيد عن عدد المسلمين أكثر من 5 أضعاف
تمكنت مسيرة الروم من ميمنة المسلمين فانكشف قبل المسلمين،
وأحدث الروم ثغرة في صفوف المسلمين واستطاعت التسلل حتى بلغت مؤخرة المسلمين.
صاح معاذ بن جبل من فرسه في المسلمين أن يشدوا ويقول: والله لا يردهم إلا صدق اللقاء والصبر على البلاء،
ثم نزل عن فرسه يقاتل راجلاً وهو يقول: من أراد أن يأخذ فرسي ويقاتل عليه فليأخذه.
كان الموقف خطيراً فقد انكشف طائفة من المسلمين حتى بلغوا المعسكر، بينما آخرون ما زالوا ثابتين يحاولون اشغال الروم عن مطاردة المسلمين.
ورأت نساء المسلمين (في مؤخرة جيش المسلمين) من انهزم من المسلمين فاسرعن يضربنهم بالخشب والحجارة فتراجعوا إلى مواقفهم.
وصاح عكرمة بن أبي جهل في الناس: من يبايع على الموت؟ فتقدم نحوه أربعمائة من المسلمين معه وقاتلوا أمام فسطاط خالد واستشهد وجرح منهم الكثير.
وثبت المسلمون سريعاً وقاتل كل قوم تحت راياتهم حتى صارت الروم تدور كأنها الرحى،
تابع:
وقد بلغت حدة القتال أن من يرى ساحة القتال يكاد لا يرى إلا مخاً ساقطاً ومعصماً نادراً وكفاً طائراً وشهيد هنا وجريح هناك.
ما إن استعاد المسلمون سيطرتهم على ميمنتهم إلا وكان الروم قد شدوا حملة شديدة على ميسرة المسلمين
فأزالوا المسلمين عن مواضعهم وانكشف قلب المسلمين من ناحية اليسار، وركب الروم اكتاف من انهزم من المسلمين حتى بلغوا معسكر المسلمين من الخلف.
استقبلت النساء هؤلاء المنهزمين من المسلمين بالحجارة وأعمدة الخيام يضربنهم بها، يقلن: أين عز الإسلام والأمهات والأزواج، فخجل من انهزم وعاد للقتال مرة أخرى.
استطاع المسلمون رد الروم لكن سرعان ما عاود الروم الهجمة مرة أخرى على ميسرة المسلمين وشدوا على عمرو بن العاص وجنده
ورغم بسالة المسلمين وثباتهم إلا أن الروم تمكنوا من اختراق صفوف المسلمين حتى بلغوا معسكرهم.
نزلت المسلمات من التل تضربن وجوه المسلمين المراجعين، وهتفت ابنة عمرو، قبَّح الله رجلاً يفر عن حليلته وقبَّح الله رجلاً يفر عن كريمته.
ارتدت للمسلمين عزائمهم وعاودوا القتال وشدوا الهجمة واستطاعوا إزاحة الروم عن المواضع التي كسبوها.
تقدم خالد بن الوليد ومعه الخيالة وهجم على ميسرة الروم حتى قتل منهم في هذه الحملة 6 آلاف.
ثم تقدم خالد ومعه 100 فارس وهجموا على تجمع كبير للروم عددهم 100 ألف،
وحمل المسلمون عليهم حملة رجل واحد فانكشف الروم وهربوا وتبعهم المسلمون.
وتمكن المسلمون من فصل فرسان الروم عن مشاتهم، ثم أمر خالد عمرو أن يفسح طريقاً للفرسان كي يهربوا ففعلوا
وتركوا مشاتهم وكانت الروم تقيد المشاة بالسلاسل حتى لا يهربوا، فأخذ المسلمون بأكتاف المشاة فإذا قتل منهم شخص سقط كل المقيدين معه.
ودخل خالد خيمة تذارق قائد الروم بعدما هرب منها واستمرت المعركة حتى الليل وأخر المسلمون صلاة المغرب والعشاء،
وواصلوا القتال حتى قتلوا تذارق وأصبح المسلمون وقد انتصروا انتصاراً تاريخياً في هذه المعركة.
إيثار الجرحى:
جاء ساقي الماء إلى أحد الجرحى في رمقه الأخير، فلما قربت إليه شربه الماء نظر إليه جريح ثاني فقال: ادفعها إليه،
فذهب الساقي للثاني فسمع ثالثاً يريد الماء فقال: ادفعها إليه، وتكرر الأمر حتى بلغ السابع فوجده قد مات
فعاد للسابق فوجده قد مات وعاد إلى الآخرين فوجدهم كلهم قد ماتوا ولم يشرب أحد منهم إيثاراً لأخيه.
عدد القتلى:
بلغ عدد شهداء المسلمين 3 آلاف
وبلغ عدد قتلى الروم 120 ألفاً منهم 80 ألفاً مقيدون بالسلاسل.
دهشة هرقل:
لما علم هرقل ملك الروم هزيمة جيشه في اليرموك، ووصلت فلول جيشه المنهزمين إلى أنطاكية قال: ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم،
أليسوا بشراً مثلكم؟ قالو: بلى. قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن.
قال: فما بالكم تنهزمون؟ فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار ويوفون بالعهد،
ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنَّا نشرب الخمر، ونزني ونركب الحرام،
وننقض العهد، ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط وننهى عما يرضى الله ونفسد في الأرض. فقال: أنت صدقتني.
وفاة الصديق:
فرح المسلمون بهذا النصر العظيم ولم يعكر صفو الفرح إلا خبر وفاة الصديق وحزنوا لذلك حزناً شديداً.
وقد وصل البريد أثناء المعركة عن خبر وفاة الصديق وقيادة عمر بن الخطاب الخلافة
وتعيين أبا عبيدة قائداً عاماً للجيش بدلاً من خالد، فكتم خالد ذلك عن المسلمين حتى تنتهي المعركة.
وتقبل خالد الأمر وقال: الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت وكان أحبَّ إلىَّ من عمر،
والحمد لله الذي ولى عمر وكان أبغض إلىَّ من أبي بكر وألزمني حبه.