الجمعة , أبريل 26 2024

قصة إبراهيم عليه السلام (ج1) | مختصر ابن كثير

نبي الله إبراهيم عليه السلام، هو خليل الله، من نسل نوح عليه السلام، أرسله الله لقومه الذين كفروا بالله وعبدوا الأصنام، وهاجر من أرض لأرض لتبيلغ دعوة الله، وكلفه الله ببناء بيت الله الحرام، الكعبة المشرفة، ونتناول قصص الخليل عليه السلام باختصار وبتصرف من كتاب قصص الأنبياء للحافظ ابن كثير.

الفتى إبراهيم يدعو أبيه

اتصف إبراهيم عليه السلام بالرشد ورجاحة العقل في صغره، وابتعثه الله رسولاً، واتخذه خليلاً في كبره، وكان أبوه آزر كافراً يعبد الأصنام مع قومه، فكانت أول دعوة إبراهيم لأبيه.

سأل إبراهيم أبيه: يا أبت ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ فقال: هذه آلهة نعبدها ونقدم لها القرابين. فقال إبراهيم: وكيف تكون آلهة وقد صنعتموها بأيديكم، وهي حجارة لا تسمع ولا ترى ولا تنفع ولا تضر؟ قال: يا بني إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون.

قال إبراهيم عليه السلام: يا أبت، إن الله قد آتاني علماً، وبعثني رسولاً لهداية الناس بعد أن أضلهم الشيطان بعبادة هذه الأصنام، وإني أدعوك يا أبي أن تعبد الله، ولا تطع الشيطان فهو للرحمن عصياً.

قال آزر: أتمزح يا إبراهيم أم أنت من اللاعبين؟ لا تتحدث بهذا، وتوقف عن إساءتك للآلهة، لا يغرنك عقلك بالخروج عن طريق آباءنا وأجدادنا.

قال إبراهيم: يا أبتي إني جاد فيما أقول، هذا طريق الشيطان، وهل تتبع طريق الآباء وهم في ضلال مبين؟ إن ما تعبدون وآباءكم الأقدمون عدو لي، فلا إله إلا رب العالمين، الذي خلقني وهداني، وأطعمني وأسقاني، وإذا مرضت يشفني، وهو الذي يميتني ثم يحييني، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك، وإن اتبعتني أهدك الطريق السوي والصراط المستقيم، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن.

قال آزر غاضباً: أترغب عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته عن ذلك لأرجمنك واهجرني ملياً.

وقاطع آزر ابنه إبراهيم بسبب دعوته ورسالة ربه، فخرج إبراهيم قائلاً: سلام عليك، وأعدك أني سأستغفر لك ربي، لكني سأعتزلكم وما تدعون من دون الله، وأدعو ربي عسى ألا أكون من الأشقياء.

وراح إبراهيم يستغفر لأبيه في دعاءه كما وعده، ويكثر في ذلك رجاء أن يمن الله عليه بالهداية، وليوفي بوعده الذي قطعه على نفسه براً بوالده، لكن الله أوحى إليه أن “آزر” هذا عدو لله وهو من الأشقياء، فلما تبين ذلك لإبراهيم تبرأ منه، فكان إبراهيم عليه السلام مثالاً للعبد الخاضع لله، الذي قدم حب الله وطاعته على حبه لأبيه.

إبراهيم عليه السلام يحطم الأصنام، والقوم يعاقبوه بالنار

راح إبراهيم يدعو قومه ويطالبهم أن يعبدوا الله ويتقوه، ويحببهم لذلك وأن هذا هو الخير لهم، وتحدث مع القوم بجرأة عن الأصنام وأنها ليست آلهة ولكنها إفك مبين للتضليل عن سبيل الله.

وخاطب إبراهيم القوم بالعقل والإقناع، فقال لهم بأي منطق تطلبون من الأصنام أن ترزقكم، هل هي من تنزل الأمطار وتخرج الثمار؟ أنسيتم أن الله هو الخالق والرازق، إن ابتغاء الرزق يكون من الله وليس من حجارة صنعتموها بأيديكم، فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له.

لكن القوم كذبوا إبراهيم، فذكرهم بعاقبة الأمم من قبلهم فقال: إن أنتم كذبتموني، فقد كذبت أمم من قبلكم، وعلمتم ما نزل بهم من عذاب الله، أتذكرون كيف هلك قوم نوح وعاد وثمود؟ ألم تروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده بكل يسر، ثم ينشئ النشأة الآخرة ويحاسب الناس على أعمالهم، فيعذب من عصوه ويرحم من أطاعوه؟ إننا راجعون إلى الله وليس لأحد من دون الله ولي ولا نصير، إنني أخاف عليكم، وقد جئتكم ناصحاً لكم، وليس لي غاية غير ذلك، فما على الرسول إلا البلاغ المبين.

لكن القوم لم يستجيبوا لإبراهيم، واستمروا في كفرهم وعبادتهم للأصنام، وكان للقوم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد، وكان من عادة القوم أن يخرجوا جميعاً للاحتفال، فأعد إبراهيم مكيدة لفضح فساد عبادة هذه الأصنام.

لما هم القوم بالخروج سألوا إبراهيم ألن تخرج معنا؟ فنظر إبراهيم في النجوم وبها نجم طالع ثم قال: إني سقيم، فأوهم القوم أنه مريض حتى لا يذهب معهم، فانصرفوا عنه مدبرين إلى احتفالهم، فقال: والله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين.

فلما خرجوا إلى عيدهم، أسرع إبراهيم مستخفياً وحمل قدوماً وانطلق إلى معبد الأصنام وهو بهو عظيم وبه صنم كبير وبجواره العديد من الأصنام وقد وضعوا أمامها أنواعاً من الأطعمة قرباناً إليها، ونظر إبراهيم للأصنام والأطعمة فقال متهكماً: ألا تأكلون؟ ما لكم لا تنطقون؟ ثم بدأ يكسر الأصنام الصغيرة ويحطمها واحداً تلو الآخر، ثم ترك الصنم الكبير ووضع في يده القدوم ثم انصرف.

ولما عاد القوم ورأوا ما حل بالأصنام صرخوا مستنكرين: من الذي فعل هذا بآلهتنا؟ إنه من الظالمين، يا وليه مما فعل، وتساءلوا: من هذا الذي يمكنه أن يتجرأ ويرتكب هذا الفعل؟ قال بعضهم: سمعنا فتى يسمى إبراهيم يتوعد هذه الآلهة بالسوء، وقال آخرون: إنه لم يخرج معنا، ونظن أنه فعل هذا لارتكاب هذا السوء، فهو الوحيد الذي يعلن رفضه للأصنام ويذكرها دائماً بالعيب والتنقص والازدراء، وقرر القوم محاسبة إبراهيم أمام حشود الناس وعقوبته عقاباً شديداً ليكون عبرة لكل من يتطاول على الأصنام، فأسرع القوم إلى إبراهيم يجرون ويستعجلون للإمساك به وهو غاضبون ليأخذونه إلى المحاكمة والعقاب.

واجتمعت حشود القوم، وجاءوا بإبراهيم، وعقدوا محاكمته أمام أعين الناس ليشهدوا على جريمته وعقابه، قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فرد إبراهيم بدهاء: بل فعله هذا الصنم الكبير، ألا ترون القدوم بيديه؟ واسألوا الأصنام إن كانوا ينطقون. نظر بعضهم إلى بعض في حيرة وقالوا: أنت تعلم أن هذه الأصنام لا تنطق. فقال إبراهيم: وهل يعقل أن تعبدوا ما لا يستطيع النطق أو الدفاع عن نفسه، هل هذه آلهة؟ أليس من الظلم أن تعبدوا تلك التي تنحتونها بأيديكم والله خلقكم وما تعملون؟ أي عاقل هذا الذي يعبد من دون الله ما لا ينفع أو يضر بأي شيء؟

عجز القوم عن جدال إبراهيم، فقد غُلبوا وأصبحوا صاغرين نتيجة قوة حجة إبراهيم وسلامة منطقه، لكنهم عادوا للفتنة مرة أخرى، وقالوا: نحن أخطأنا لأننا لم نترك حارساً مع الأصنام، أما إبراهيم فاحرقوه في النار وانصروا آلهتكم.

وخرج الناس يجمعون الحطب من كل مكان، وبنوا له بنياناً كبيراً، ووضعوا فيه الحطب وأطلقوا فيه النار فاضطربت وتأججت، والتهبت وعلا لها شررٌ لم ير مثله قط، وأرادوا بإبراهيم كيداً عظيماً لكن الله من فوقهم يحفظه.

قيدوا إبراهيم ووضعوه في كفة منجنيق، وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الملك، لا شريك لك.

قذفوا إبراهيم بالمنجنيق وألقوه منها تجاه النار، فجاءه جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، وردد قائلاً: حسبنا الله ونعم الوكيل.

أمر الله النار أن كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، فإذا بالنار لم تحرق إلا القيود التي وثقت به، وكانت معجزة أزهلت القوم، وجعلهم الله خاسرين وأسفلين، وخرج إبراهيم منتصراً، وقال لقد اجتمعتم وتحاببكم على هذه الأصنام، لكنكم يوم القيامة ستكفرون ببعضكم ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين، وآمن له ابن أخيه لوطاً والذي أصبح رسولاً مع إبراهيم عليه السلام.

مناظرة إبراهيم عليه السلام مع الملك النمرود

الملك النمرود، هو ملك بابل، وكان أحد ملوك الدنيا، لكنه كان كافراً بالله، وادعى لنفسه الربوبية، وطغى وتجبر في الأرض، وسمع بمعجزة إبراهيم وخروجه من النار سالماً، وذهب إبراهيم عليه السلام يدعوه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فأنكر النمرود دعوة إبراهيم، وقال: إنما أنا الرب العظيم، مالك هذه الدنيا.

قال إبراهيم: أيها الملك، إن ربي هو خالق هذا الكون، وهو الذي يحيي ويميت.

قال النمرود: أنا أحيي وأميت. وأمر النمرود باستدعاء سجينين محكوم عليهما بالقتل، وقتل أحدهما وعفى عن الآخر، وقال: أنا أمت هذا وأحييت هذا.

قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فإن كنت أنت الرب فأت بها من المغرب.

فبهت النمرود وعجز عن الرد، لكنه لم يستجب لدعوة إبراهيم، فعاقبه الله بذبابة دخلت من أنف النمرود، ومكثت الذبابة في منخر النمرود مئات السنين تعذبه، فكان يُضرَبُ رأسُه بالمرِازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها. ‏

ناجى إبراهيم ربه وقال: رب أرني كيف تحي الموتى؟

قال الله: أولم تؤمن؟

قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي

قال: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً، واعلم أن الله عزيز حكيم.

فأحضر إبراهيم أربعة طيور وذبحهن وقطعهن وفرقهن أجزاءاً في الجبال، ثم دعاهن فأعادهم الله لهيئتهم الأولى.

 

قصص الأنبياء

تابع أيضاً:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *