نقدم لكم فيما يلي قصة جديدة كتاب قصص ومواقف للكاتب أحمد السيد بعنوان أغنى رجل في التاريخ.
قد يهمك:
أغنى رجل في التاريخ
قارون هو ابن عم موسى عليه السلام وينتمي إلى بني إسرائيل تلك الطائفة المستضعفة في عهد فرعون.
نجح قارون أن يدير أعمالاً نقلته إلى طائفة الأثرياء فبنى قصراً وأصبح له خدماً وحشماً وعبداً.
كثرت أرباحه وتدفقت علية الأموال فصنع خزائن ضخمة للغاية ليضع فيها كنوزه، وقد كانت مفاتيح الخزائن كبيرة ويتطلب حملها رجالاً أشداء.
ساءت أخلاق قارون وتمالكه الغرور واعتبر أن ثروته جاءت نتيجة ذكاءه وخبرته، ورأى في نفسه أنه أقوى الناس بفعل قوة المال فبه يشتري ما لذ وطاب ويشتري الرجال والنساء ويستطيع إخضاع الناس لرغباته وتلبية أوامره.
كان موسى والمؤمنون يأمرون قارون بالصدقة وألا ينسى آخرته، فاستخف قارون بموسى ومواعظه ورفض الانفاق.
فسدت أخلاق قارون وراح ينفق ببذخ على الترف والمفاسد والمنكرات، فقال له المؤمنون: أحسن كما أحسن الله إليك ولا تبتغ الفساد في الأرض. فغضب قارون وتكبر وعاند وعزم على الإمعان في فساده ليغيظ القوم.
صنع قارون موكباً عظيماً وخرج في أفخر زينة من الملابس والحلي الثمينة وحوله الخدم والعبيد في مشهد استعراضي يستفز الفقراء.
كان الناس مشدوهين للموكب وقال ضعاف الإيمان: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم.
فقال أهل العلم: ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون.
ضاق قارون من مواعظ موسى، وغاظه التفات الناس حوله فدبر مكيدة لتشويه سمعته.
أمر قارون امرأة بغيا أن تخرج على الناس وتزعم أن موسى وقع بها وفعل كذا وكذا.
شاعت مقالة الإفك في موسى، واشتد به الأذى من خوض الناس في عرضه، فصلى ودعا الله أن يبرئه، ثم أقبل على المرأة أمام الناس وسألها من حرضك؟ فخافت المرأة أن يصيبها ضرر من موسى فلم تصمد واعترفت فخر موسى ساجداً وشاكراً لله.
دعا موسى الله أن يهلك قارون، فتزلزلت الأرض من تحت قصره فانهار وابتلعته الأرض واختفى من الوجود فلم ينفعه ماله وخدمه وعبيده.
رأى الناس خسف الأرض بقارون فقال الذين تمنوا مكانه فيما مضى: ويكأن الله هو الذي يعطى ويمنح، الحمد لله أنه لم يعطنا مثل قارون وإلا خسف بنا، حقاً إنه لا يفلح الكافرون.
فوائد وعبر:
1- القصة وردت في سورة القصص 76-83
2- مهما بلغ مستوى الثراء والغنى في الدنيا فهو لا يقارن بما في الآخرة.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فَيُصْبَغُ في النار صَبْغَةً، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرًا قطُّ؟ هل مَرَّ بك نَعِيمٌ قطُّ؟ فيقول: لا والله يا رب، وَيُؤْتَى بأشدِّ الناس بُؤسًا في الدنيا من أهل الجَنَّة، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجنَّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بُؤسًا قط؟ هل مَرَّ بك شِدَّةٌ قط؟ فيقول: لا والله، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قطٌّ، ولا رأيت شِدةً قَطُّ” رواه مسلم
3- ينخدع ضعاف الإيمان عادة بحياة الأثرياء وترفهم ورفاهيتهم حتى ولو فسدت أخلاقهم وأضاعوا دينهم.
يقول الحسن البصري: يا ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما معاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما معاً، يا ابن آدم إذا رأيت الناس في الخير فنافسهم فيه وإذا رأيتهم في الشر فلا تغبطهم عليه، الثواء ها هنا قليل والبقاء هناك طويل.
4- الإسلام لا يرفض الثراء والغنى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم المال الصالح للعبد الصالح”، وقد كان من بين الصحابة من كانوا أثرياء لكنهم لم يجمعوا المال الحرام أو ينفقوه في الحرام أو الترف الزائد، ولم يغفلوا حق الله في هذا المال.
5- شروط الغني الصالح:
- لا تفرح، فما آتاك لم يكن ليخطئك.
- ابتغ بمالك الدار الآخرة (أنفق).
- أحسن إلى الناس كما أحسن الله إليك (أعمال الخير).
- خذ نصيبك من الدنيا لكن دون إسراف أو تبذير أو إنفاق في الحرام.
- لا تضع مالك في فساد (كالرشوة وشراء الذمم)
6-كان أحدهم نشيطاً في العلم والدعوة ثم وسع الله له في رزقه فانقطع عنهما، فجاءه أحد رفقاءه ودخل إليه متجره وسأله عن سبب انقطاعه، فأجاب: ليس لدي أي وقت فأنا مشغول على مدار اليوم وأنت ترى بنفسك زحمة الزبائن ولا أستطيع ترك المتجر ثانية واحدة.
فسأله ماذا ستفعل إذا أصبت بإسهال معوي؟
قال: سأذهب مسرعاً إلى دورة المياه.
قال: أتترك المتجر لأجل دورة المياه ولا تتركه لأجل الله؟!
فاستحيا وأدرك الخلل.
يقول أبو الدرداء: ألا تسمعون من ناصح لكم؟ إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيراً ويبنون كثيراً ويأملون بعيداً فأصبح جمعهم دوراً وبنيانهم قبوراً وأملهم مغروراً.