الجمعة , أبريل 26 2024

الأنصار يعاتبون النبي

نقدم لكم فيما يلي قصة جديدة كتاب قصص ومواقف للكاتب أحمد السيد بعنوان الأنصار يعاتبون النبي.

قد يهمك:

كتاب قصص ومواقف | أحمد السيد

الأنصار يعاتبون النبي

لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أكرم أهلها أيما إكرام وأجزل في العطايا ليتألف الطلقاء (الذين عفا عنهم) إلى الإسلام ويرغبون فيه ولينهي الصراعات والعداوات التي كانت قبل الفتح.

وقد أعطى النبي لزعماء قريش وغطفان وتميم عطايا عظيمة، فقد كانت الأعطية الواحدة للرجل منهم تقدر بمائة من الإبل.

تأثر بعض الأنصار واعترضوا على تمييز النبي لقومه دون الأنصار واشتكوا لسيد الخزرج سعد بن عبادة.

دخل سعد على رسول الله فقال: يا رسول إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا (حزنوا) عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيئ الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظيمة في قبائل العرب ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء.

قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟

قال: يا رسول الله ما أنا إلا رجل من قومي.

قال: فأجمع لي قومك في هذه الحظيرة.

فجمعهم سعد وسمح بدخول بعض المهاجرين ورد آخرين، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف بين قلوبكم؟

قالوا: الله ورسوله أمن وأفضل.

قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟

قالوا: بما نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المن والفضل.

قال: أما والله لو شئتم لقلتم – فلصدَقتم ولصُدِّقتم – أتيتنا مكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك، أوجدتم عليّ يا معشر الأنصار في أنفسكم لعاعة (شيئاً حقيراً) من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟!

ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء (الشياة) والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لم تنقلبون به (أي النبي) خير مما ينقلبون به، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وواديا وسلكت الأنصار شعباً ووادياً لسلكت شعب الأنصار وواديها، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.

فبكى القوم حتى أخضلوا لحالهم يقولون: رضينا برسول الله قسماً ونصيباً.

وفي رواية: إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض.

فوائد وعبر:

1- كان اللقاء أخوياً خالصاً بلغ ذروة العاطفة الوجدانية التي تفيض حباً وتقديراً وتذكيراً بما عاهدوا الله عليه، وتصويباً للبوصلة والموازين، وتحذيراً من آفة الأثرة وحب الدنيا.

كان الحديث تذكيراً بفضل النبي وبفضل الأنصار، وبمدى حب النبي لهم وثقته في إسلامهم وقوة إيمانهم وبحقارة الدنيا ومطامعها، فاستيقظ القوم على وقع صورة بليغة مؤثرة ومبكية وصادمة حين قارن النبي بين قوم يصحبون الشياه وقوم يصحبون رسول الله، فشتان شتان، وأدرك القوم الخلل وطابت نفوسهم واطمأنوا إلى سياسة النبي الحكيمة.

2- المسلم يجاهد ويعمل الصالحات ولا ينتظر أجراً إلا من الله، وهذا ما بايع عليه الأنصار، يجاهدون بأموالهم وأنفسهم مقابل الجنة ولا شيء غير الجنة، وقد صدقوا.

3- الأنصار –مع المهاجرين– هم أفضل جيل أنجبته البشرية، وقد يصيبهم ما يصيب الناس من آفات، لكنهم إذا أخطئوا صححوا، وإذا أذنبوا استغفروا، وإذا ذكروا انتبهوا، وكانوا أرق الناس قلوباً وأدمعهم عيوناً.

4- تميز سعد وقومه بالصراحة مع أدبهم مع القائد دون تصنع زائف أو كتم داخل النفوس أو تناجي بعيداً عن القيادة، إن المكاشفة المهذبة تعلق أبواب الشياطين وتعمق أواصر الرابطة والمودة.

5- النبي محمد صلى الله عليه وسلم أعظم مربي على وجه البسيطة، لم يكتف بمجرد بيان حكم الإسلام في المؤلفة قلوبهم، ولكنه نظر إلى ما وراء الاعتراض واهتم بالدوافع وما بداخل القلب وهو ما يعرف في الاصطلاح المعاصر بالذكاء الوجداني ويقصد به حسن إدارة مشاعر الذات وتفهم مشاعر الآخرين.

ذات صلة:

إيثار الأنصار.

تعليق واحد

  1. يا ليت النبي صلى الله عليه وسلم معانا وفوزنا بصحبته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *