الأربعاء , أبريل 24 2024

غزوة الأحزاب | الرحيق المختوم

تتناول هذه المقالة مختصر غزوة الأحزاب من بداية تحريض اليهود على جمع الأحزاب وحفز المسلمين الخندق وخيانة بني قريظة ثم إرسال الله للريح والملائكة لهزيمة المشركين.

رغم أن الجزيرة العربية هدأت بعد الحروب والبعوث التي استغرقت أكثر من سنة كاملة، إلا أن اليهود لم يستكينوا، ولم يتعظوا بما أصابهم نتيجة غدرهم وتآمرهم‏.‏

فبعد نفيهم إلى خيبر كانوا يترقبون هزيمة المسلمين على يد قريش، لكنهم وجدوا الأيام تسير لصالح المسلمين، وبسط نفوذهم، وتوطد سلطانهم.‏

لم يجرؤ اليهود على قتال المسلمين مباشرة، فشرعوا في التآمر لتصويب ضربة قاتلة إلى المسلمين.

الرحيق المختوم

غزوة الأحزاب

تحريض اليهود لجمع الأحزاب:

خرج 20 رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة، يحرضونهم على غزو الرسول صلى الله عليه وسلم، فأجابتهم قريش إنقاذا لسمعتها والبر بكلمتها التي وعدت فيها –عقب أحد- معاودة لقاء المسلمين‏.‏

ثم توجه هذا الوفد إلى غَطَفَان وطافوا قبائل العرب لتحريضهم فاستجابوا، وهكذا نجح ساسة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب الكفر على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين‏.‏

وخرجت قريش وكنانة وحلفاؤهم من أهل تهامة وقبائل غطفان، واتجهت هذه الأحزاب وتحركت نحو المدينة في جيش عَرَمْرَم يبلغ 10 آلاف مقاتل.

جيش ربما يزيد عدده على جميع من في المدينة من النساء والصبيان والشباب والشيوخ‏.‏

ولو وصلت هذه الأحزاب إلى المدينة بغتة لكانت أعظم خطر يهدد كيان المسلمين، لكن قيادة المدينة كانت متيقظة، حيث علمت استخبارات المدينة بخبر هذا الزحف الخطير‏.‏

غزوة الأحزاب | اسكتشات

حفر الخندق:

وسارع رسول الله إلى عقد مجلس استشاري أعلي، وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشوري اتفقوا على قرار قدمه الصحابي النبيل سلمان الفارسي رضي الله عنه‏.‏

قال سلمان‏:‏ يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خَنْدَقْنَا علينا‏ (أي حفرنا خندقاً حولنا).‏ وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك‏.‏

وأسرع رسول الله إلى تنفيذ هذه الحظة، فوكل إلى كل عشرة رجال أن يحفروا من الخندق أربعين ذراعاً، وقام المسلمون بجد ونشاط يحفرون الخندق‏.‏

وخرج رسول الله إلى الخندق فإذا المهاجرين والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلما رأي ما بهم من النصب والجوع قال‏:‏

اللهم إن العيش عيش الآخرة ** فاغفـر للأنصـار والمهـاجرة

فقالوا مجيبين له‏:‏

نحـن الذيـن بايعـوا محمـداً ** على الجهـاد ما بقيـنا أبداً

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل من تراب الخندق، ويرتجز بكلمات ابن رواحة، ويقول‏:‏

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصـدقنـا ولا صلينــا

فأنزلن سكينـة علينـا ** وثبت الأقـدام إن لاقينــا

إن الألى قـد بغـوا علينـا ** وإن أرادوا فـتنـة أبينـا

كان المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوع ما يفتت الأكباد، وكانوا يضعون على بطونهم حجراً.

ولما شكى بعضهم إلى رسول الله الجوع، وكشفوا عن بطونهم ليرى النبي الحجر، فإذا بالنبي يكشف بطنه ليجدوه قد وضع حجرين.

كانت المدينة محاطة بالحرات والجبال والبساتين من كل جانب عدا الشمال، فكان حفر الخندق في هذا الاتجاه.

وكان المسلمون يحفرون طول النهار، ويرجعون إلى أهليهم في المساء، حتى تكامل الخندق حسب الخطة المنشودة، قبل أن يصل الجيش الوثني العرمرم إلى المدينة‏.‏

 

معجزات أثناء حفر الخندق:

رأي جابر بن عبد الله في النبي خمصاً شديدًا فذبح بهيمة، وطحنت امرأته صاعاً من شعير، ثم التمس من رسول الله سراً أن يأتي في نفر من أصحابه.

فقام النبي صلى الله عليه وسلم بجميع أهل الخندق، وهم ألف، فأكلوا من ذلك الطعام وشبعوا، وبقيت بُرْمَة اللحم تغط به كما هي، وبقي العجين يخبز كما هو‏.‏

وجاءت أخت النعمان بن بشير بحَفْنَة من تمر إلى الخندق ليتغدي به أبوه وخاله، فمرت برسول الله، فطلب منها التمر.

وبدده فوق ثوب، ثم دعا أهل الخندق، فجعلوا يأكلون منه وجعل التمر يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه يسقط من أطراف الثواب‏.‏

وقال البراء‏:‏ لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فجاءه وأخذ المعول فقال‏:‏ ‏‏(‏بسم الله‏)‏، ثم ضرب ضربة، وقال‏:‏ ‏‏(‏الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة‏)‏.

ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال‏:‏ ‏‏(‏الله أكبر، أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن‏)‏.

ثم ضرب الثالثة، فقال‏:‏ ‏‏(‏بسم الله‏)‏، فقطع بقية الحجر، فقال‏:‏ ‏‏(‏الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني‏)‏‏.‏

 

صراع حول الخندق

أقبلت قريش في 4 آلاف، وأقبلت غَطَفَان ومن تبعهم في 6 آلاف، ‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في 3 آلاف وجعلوا ظهورهم إلى جبل، والخندق بينهم وبين الكفار.

واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة‏.‏

‏{‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا َتَسْلِيمًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 22‏]‏‏.‏

وأما المنافقون وضعفاء النفوس فقد تزعزعت قلوبهم لرؤية هذا الجيش ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏‏[‏ الأحزاب‏:‏ 12‏]‏‏.‏

فوجئ المشركون بخندق عريض يحول بينهم وبين المدينة، ولم يكونوا مستعدين لذلك فالخندق لم يعهده العرب، فالتجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين.

وأخذ المشركون يدورون حول الخندق غضاباً، يتحسسون نقطة ضعيفة ؛ لينحدروا منها، وأخذ المسلمون يراقبون جولات المشركين ويرشقونهم بالنبل لمنع اقترابهم من الخندق.

 

طلب المبارزة

لم يطق فوارس من قريش الوقوف حول الخندق من غير جدوي، فخرجت منها جماعة فيها عمرو بن عبد وُدّ وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب، فتيمموا مكاناً ضيقاً من الخندق فاقتحموه.

وخرج على بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، ودعا عمرو إلى المبارزة، فانتدب له على بن أبي طالب.

وكان عمرو من شجعان المشركين وأبطالهم، فنزل عن فرسه، وعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي، فتجاولا وتصاولا حتى قتله علي رضي الله عنه، وانهزم الباقون وفروا هاربين.

 

ضياع الصلاة

وقد حاول المشركون في بعض الأيام محاولة بليغة لاقتحام الخندق، أو لبناء الطرق فيها، ولكن المسلمين كافحوا مكافحة مجيدة، ورشقوهم بالنبل، وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشركون في محاولتهم‏.‏

وقد بلغ اشتغال المسلمين والنبي بالمكافحة أن فاتتهم بعض الصلوات، فصلوا العصر بعد ما غربت الشمس، وقيل أنهم حبسوه عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعاً.

وقد استاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لفوات الصلاة ودعا على المشركين فقال: ‏‏(‏ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً، كما شغلونا عن الصلاة الوسطي حتى غابت الشمس‏)‏‏.‏

واستمرت محاولات المشركين، ومكافحة المسلمين، أياماً، لم يجر بينهما قتال مباشر، بل اقتصروا على المراماة والمناضلة‏ التي أدت لقتل 6 من المسلمين و 10 من المشركين، بينما كان قتل واحد أو اثنين منهم بالسيف‏.‏

وفي هذه المراماة أصيب سعد بن معاذ بسهم قطع منه الأكْحَل، فقال مما قال:

اللهم … فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك….  ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة‏.‏

 

خيانة يهود بني قريظة:

وبينما كان المسلمون يواجهون هذه الشدائد على جبهة المعركة، انطلق كبير مجرمي بني النضير حيي بن أخطب إلى ديار بني قريظة.

وصل حيي إلى سيد بني قريظة كعب بن أسد القرظي الذي كان قد عاقد رسول الله على أن ينصره إذا أصابته حرب، فضرب حيي باب كعب، فأغلقه كعب دونه، فما زال يكلمه حتى فتح له بابه.

فقال حيي‏:‏

إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طَامٍ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال من رُومَة، وبغطفان على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بذَنَب نَقْمَي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه‏.‏

فقال له كعب‏:‏

جئتني والله بذُلِّ الدهر وبجَهَامٍ قد هَرَاق ماؤه، فهو يرْعِد ويبْرِق، ليس فيه شيء‏.‏ ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء‏.‏

فلم يزل حيي بكعب يفْتِلُه في الذِّرْوَة والغَارِب، حتى سمح له على أن أعطاه عهداً من الله وميثاقاً‏:‏

لئن رجعت قريش وغطفان، ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك، حتى يصيبني ما أصابك.

فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان بينه وبين المسلمين، ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين‏، وفعلاً قامت يهود بني قريظة بعمليات الحرب‏.‏

 

بطولة صفية عمة النبي في حصن النساء:

بينما صفية بنت عبد المطلب في حصن النساء والصبيان، رأت يهودي يطيف بالحصن، فقالت لحسان بن ثابت:

يا حسان، إن هذا اليهودي كما تري يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا مَنْ وراءنا مِنْ يهود، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله‏.‏

قال‏:‏ والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا.

فأخذت صفية عموداً، ونزلت من الحصن، وضربت اليهودي بالعمود حتى قتلته.

كان لهذا الفعل المجيد من عمة الرسول صلى الله عليه وسلم أثر عميق في حفظ ذراري المسلمين ونسائهم.

ويبدو أن اليهود ظنوا أن هذه الآطام والحصون في منعة من الجيش الإسلامي ـ مع أنها كانت خالية عنهم تماماً ـ فلم يجترئوا مرة ثانية للقيام بمثل هذا العمل.

 

تفاقم أزمة المسلمين:

وصل خبر خيانة بني قريظة إلى رسول الله فبادر إلى تحقيقه، حتى يستجلي موقف قريظة، وبعث لتحقيق الخبر كلا من  السعدين (سعد بن معاذ وسعد بن عبادة)، وعبد الله بن رواحة وخَوَّات بن جبير.

وقال سول الله لهم‏:‏

‏‏(‏انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ‏؟‏ فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه، ولا تَفُتُّوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس‏)‏‏.‏

فلما دنوا من بني قريظة وجدوهم على أخبث ما يكون، فقد جاهروهم بالسب والعداوة، ونالوا من رسول الله، وقالوا:‏ لا عهد بيننا وبين محمد، ولا عقد‏.‏

أقبلوا رجعوا إلى رسول الله لحنوا له، وقالوا‏:‏ عَضَل وقَارَة (أي إنهم كغدر عضل وقارة)‏.‏

وعلى رغم محاولتهم إخفاء الحقيقة تفطن الناس لجلية الأمر، فتجسد أمامهم خطر رهيب‏، وكان أحرج موقف يقفه المسلمون.

فالمسلمون لا يستطيعون ترك جيش قريش العرمرم من أمامهم، وفي الوقت ذاته فإن نساء المسلمين وذراريهم على مقربة من بني قريظة ومن دون منعة تقف أمام اليهود.

لقد زلزل المسلمون زلزالا شديداً كما قال الله تعالي‏:‏ ‏{‏وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا‏}‏‏[‏ الأحزاب‏:‏10، 11‏]‏

ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال‏:‏ كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسري وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط‏.‏

وحتى قال بعض آخر في ملأ من رجال قومه‏:‏ إن بيوتنا عورة من العدو، فائذن لنا أن نخرج، فنرجع إلى دارنا فإنها خارج المدينة‏.‏

وحتى همت بنو سلمة بالفشل، وفي هؤلاء أنزل الله تعالي‏:‏

‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا‏}‏ ‏

[‏الأحزاب‏:‏ 12، 13‏]‏‏.‏

 

النبي يبحث عن مخرج للأزمة:

تقنع رسول الله بثوبه، فاضطجع ومكث طويلاً حتى اشتد على الناس البلاء، ثم نهض مبشراً يقول‏:‏

‏‏(‏الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره‏)‏، ثم أخذ يخطط لمجابهة الظرف الراهن.

بعث النبي الحرس إلى المدينة لحماية الذراري والنساء على غرة، وخطط لفكرة تفضي إلى تخاذل الأحزاب، فأراد أن يصالح رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة، حتى ينصرفا بقومهما، ويخلو بين المسلمون وقريش.

واستشار النبي السعدين في ذلك، فقالا‏:‏

يا رسول الله، إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قِرًي أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ‏؟‏ والله لا نعطيهم إلا السيف.

فَصَوَّبَ رأيهما وقال‏:‏ ‏‏(‏إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة‏)‏‏.‏

 

ذكاء وخدعة نعيم بن مسعود لتفريق الأحزاب:

هيأ الله أمراً خذل به العدو، فقد جاء إلى النبي رجل من غطفان يقال له‏:‏ نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي فقال‏:

يا رسول الله، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏إنما أنت رجل واحد، فَخذِّلْ عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة‏)‏،

فذهب من فوره إلى بني قريظة ـوكان عشيراً لهم ـ وقال لهم‏:‏ قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم.

قالوا‏:‏ صدقت‏.‏

قال‏:‏ فإن قريشاً ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم.

قالوا‏:‏ فما العمل يا نعيم ‏؟‏

قال‏:‏ لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن‏.‏

قالوا‏:‏ لقد أشرت بالرأي‏.‏

ثم مضي نعيم على وجهه إلى قريش وقال لهم‏:‏ تعلمون ودي لكم ونصحي لكم.

قالوا‏:‏ نعم.

قال‏:‏ إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم.

ثم ذهب إلى غطفان، فقال لهم مثل ذلك‏.‏

فبعثت قريش إلى يهود‏:‏ أنا لسنا بأرض مقام، وقد هلك الكُرَاع والخف ، فانهضوا بنا حتى نناجز محمداً.

فأرسل إليهم اليهود: أن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن.

فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش وغطفان‏:‏ صدقكم والله نعيم، فبعثوا إلى يهود: إنا والله لا نرسل إليكم أحداً، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمداً.

فقالت قريظة‏:‏ صدقكم والله نعيم‏.‏ فتخاذل الفريقان، ودبت الفرقة بين صفوفهم، وخارت عزائمهم‏.‏

غزوة الخندق | اسكتشات

الله يرد الكافرين:

كان المسلمون يدعون:‏ ‏‏(‏اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا‏)‏، وكان النبي يدعو‏:‏ ‏‏(‏اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم‏)‏‏.‏

وقد سمع الله دعاء رسوله والمسلمين، فبعد أن دبت الفرقة في صفوف المشركين أرسل الله عليهم جنداً من الريح فجعلت تقوض خيامهم، ولا تدع لهم قِدْرًا إلا كفأتها، ولا طُنُبًا إلا قلعته،.

وأرسل جنداً من الملائكة يزلزلونهم، ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف‏.‏

وأرسل رسول الله في تلك الليلة الباردة القارسة حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم، فوجدهم على هذه الحالة، وقد تهيأوا للرحيل.

ورد الله عدوه بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفاه الله قتالهم، فصدق وعده، وهزم الأحزاب وحده‏.‏

وكانت غزوة الخندق سنة 5 هـ، واستمر حصار المشركين نحو شهر، بدأ في شوال وانتهى في ذي القعدة.

إن معركة الأحزاب كانت معركة أعصاب، لم يجر فيها قتال مرير، إلا أنها كانت من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام، فكانت نهاية مرحلة وبجداية مرحلة جديدة.

فقد تخاذل المشركون بعدما جمعوا أقوي ما يستطيعون من الأحزاب، وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم بدء المرحلة الجديدة فقال:‏ ‏‏(‏الآن نغزوهم، ولا يغزونا، نحن نسير إليهم‏)‏‏.‏

 

تعليق واحد

  1. اللهم صلِ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم الى يوم الدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *