الخميس , مارس 28 2024

الخروج إلى الطائف ودعوة القبائل | الرحيق المختوم ج10

في هذه المرحلة نتناول مختصر أحداث دعوة الإسلام خارج مكة من كتاب الرحيق المختوم، حيث الخروج إلى الطائف بعد أن ضاقت مكة وتراكمت الأحزان، ورجى أن تصل الدعوة لآخرين من خارج مكة.

المرحلة الثالثة: دعوة الإسلام خارج مكة

الخروج إلى الطائف

في شوال سنة عشر من النبوة خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلًا، سارها ماشيًا على قدميه جيئة وذهوبًا،

ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها‏.‏

فلما انتهي إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي،

فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم‏:‏ هو يَمْرُط ثياب الكعبة ‏[‏أي يمزقها‏]‏ إن كان الله أرسلك‏.‏

وقال الآخر‏:‏ أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك، وقال الثالث‏:‏والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى أن أكلمك‏.‏

فقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم‏:‏ ‏[‏إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني‏]‏‏.‏

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام،

لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا‏:‏ اخرج من بلادنا‏.‏

وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له سِمَاطَيْن ‏[‏أي صفين‏]‏

وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء‏.‏ وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شِجَاج في رأسه،

ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا عنه،

وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حُبْلَة من عنب فجلس تحت ظلها إلى جدار‏.‏

فلما جلس إليه واطمأن، دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبة وحزنًا مما لقى من الشدة،

وأسفًا على أنه لم يؤمن به أحد، قال‏:‏

‏(‏اللهم إليك أشكو ضَعْف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس،

يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي،

إلى من تَكِلُنى‏؟‏ إلى بعيد يتجهمني‏؟‏ أم إلى عدو ملكته أمري‏؟‏

إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي،

أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة

من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك،

لك العُتْبَى حتى ترضى،

ولا حول ولا قوة إلا بك‏)‏‏.‏

فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا يقال له‏:‏ عَدَّاس،

وقالا له‏:‏خذ قطفًا من هذا العنب، واذهب به إلى هذا الرجل‏.‏

فلما وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه قائلًا‏:‏ ‏(‏باسم الله ‏)‏ ثم أكل‏.‏

فقال عداس‏:‏ إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد،

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أي البلاد أنت‏؟‏ وما دينك‏؟‏ قال‏:‏ أنا نصراني من أهل نِينَوَى‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى‏)‏‏.‏

قال له‏:‏ وما يدريك ما يونس ابن متى‏؟‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي‏)‏،

فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها‏.‏

فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر‏:‏

أما غلامك فقد أفسده عليك‏.‏

فلما جاء عداس قالا له‏:‏ ويحك ما هذا‏؟‏

قال‏:‏ يا سيدى، ما في الأرض شيء خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبى،

قالا له‏:‏ ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه‏.‏

ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيبًا محزونًا كسير القلب،

فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة‏.‏

وقد روى البخاري تفصيل القصة ـ بسنده ـ عن عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏

هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏لقيت من قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كُلاَل، فلم يجبني إلى ما أردت،

فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب ـ وهو المسمى بقَرْنِ المنازل ـ فرفعت رأسي

فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال‏:‏ إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك،

وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم‏.‏ فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال‏:‏

يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ـ أي لفعلت، والأخشبان‏:‏ هما جبلا مكة‏:‏ أبو قُبَيْس والذي يقابله، وهو قُعَيْقِعَان ـ

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا‏)‏‏.‏

وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن قلبه لأجل هذا النصر الغيبى الذي أمده الله عليه من فوق سبع سموات،

ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادى نخلة، وأقام فيه أيامًا‏.‏

وفي وادى نخلة موضعان يصلحان للإقامة ـ السَّيْل الكبير والزَّيْمَة ـ لما بهما من الماء والخصب، ولم نقف على مصدر يعين موضع إقامته صلى الله عليه وسلم فيه‏.‏

وخلال إقامته صلى الله عليه وسلم هناك بعث الله إليه نفرًا من الجن ذكرهم الله في موضعين من القرآن‏:‏ في سورة الأحقاف‏:‏

‏{‏وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ

قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ

يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ الله ِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏29‏:‏ 31‏]‏‏.‏

وفي سورة الجن‏:‏ ‏

{‏قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا‏}‏

إلـى تمـام الآيــة الخامـسة عشـر ‏[‏ الجن‏: ‏1: 15‏]‏‏.‏

ولم يكن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بحضور ذلك النفر من الجن حين حضروا وسمعوا، وإنما علم بعد ذلك حين أطلعه الله عليه بهذه الآيات،

وأن حضورهم هذا كان لأول مرة، ويقتضى سياق الروايات أنهم وفدوا بعد ذلك مرارًا‏.‏

وكان هذا الحادث نصرًا آخر أمده الله من كنوز غيبه المكنون بجنوده التي لا يعلمها إلا هو‏‏.‏

وأمام هذه البشارات، أقشعت سحابة الكآبة والحزن واليأس، وعزم على العودة لمكة لاستئناف رسالته،

فقال له زيد بن حارثة‏:‏ كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك‏؟‏ يعنى قريشًا،

فقال‏:‏ ‏(‏يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه‏)‏‏.‏

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من مكة مكث بحِرَاء، وبعث رجلًا من خزاعة إلى الأخنس بن شَرِيق ليجيره،

فقال‏:‏ أنا حليف، والحليف لا يجير ،

فبعث إلى سهيل بن عمرو،

فقال سهيل‏:‏ إن بني عامر لا تجير على بني كعب،

فبعث إلى المطعم بن عدى، فقال المطعم‏:‏ نعم ،

ثم تسلح ودعا بنيه وقومه ، فقال‏:‏ البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدًا،

ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن ادخل،

فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهي إلى المسجد الحرام،

فقام المطعم بن عدى على راحلته فنادى‏:‏ يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم،

وانتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه، وطاف بالبيت،

وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته، ومطعم بن عدى وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته‏.‏

عرض الإسلام علي القبائل والأفراد

عاد الرسول إلى مكة في ذى القعدة سنة عشر حيث اقترب موسم الحج وتوافد الناس والقبائل إلى مكة، فانتهز رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الفرصة،

فأتاهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه كما كان من قبل إلا أنه زاد في دعوته هذه المرة أن بدأ يطلب منهم أن يؤووه وينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما بعثه الله به‏.‏

 

القبائل التي عرض عليها الإسلام

ومنذ السنة الرابعة حتى قبل الهجرة، عرض النبي نفسه على:

بنو عامر بن صَعْصَعَة، ومُحَارِب بن خَصَفَة، وفزارة، وغسان، ومرة، وحنيفة، وسليم، وعَبْس، وبنو نصر،

وبنو البَكَّاء، وكندة، وكلب، والحارث بن كعب، وعُذْرَة، والحضارمة،

فلم يستجب منهم أحد‏.‏ وكان أكثر العرض على القبائل في السنة العاشرة للبعثة.

أتى النبي إلى بني عامر بن صعصعة‏‏ فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه،

فقال بَيْحَرَة بن فِرَاس ‏[‏رجل منهم‏]‏‏:‏ والله ، لو إني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب،

ثم قال‏:‏ أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏الأمر إلى الله ، يضعه حيث يشاء‏)‏،

فقال له‏:‏ أفَتُهْدَفُ نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه‏.‏

 

المؤمنون من غير أهل مكة

وكما عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام على القبائل والوفود،

عرض على الأفراد والأشخاص، وحصل من بعضهم على ردود صالحة،

وآمن به عدة رجال بعد هذا الموسم بقليل، وهاك نبذة منهم‏:‏

1 ـ سويد بن الصامت‏:‏

كان شاعرًا لبيبًا، من سكان يثرب، يسميه قومه ‏[‏الكامل‏]‏ لجلده وشعره وشرفه ونسبه،

جاء مكة حاجًا أو معتمرًا، ودعاه النبي إلى الإسلام، فأسلم،

فلما رجع المدينة لم يلبث أن قتل في وقعة بين الأوس والخزرج قبل يوم بعاث‏.‏‏

2 ـ إياس بن معاذ‏:‏

كان غلامًا حدثا من سكان يثرب، قدم مكة في وفد من الأوس، وأسلم،

ولم يلبث إياس أن هلك، وكان يهلل ويكبر ويحمد ويسبح عند موته‏.‏

3 ـ أبو ذر الغفاري‏:‏

وكان من سكان نواحي يثرب،

ولعله لما بلغ إلى يثرب خبر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسويد بن الصامت وإياس بن معاذ، وقع في أذن أبي ذر أيضًا، وصار سببًا لإسلامه‏.‏

وأمر أبو ذر أخاه لينطلق إلى مكة ليأتيه بخبر النبي، لكن الخبر لم يشفه، فانطلق بنفسه إلى مكة ليلتقي النبي ويسمع منه فلما قابله قال: ‏اعرض عليّ الإسلام‏.‏

فعرضه النبي فأسلم أبو ذر مكانه، فقال له صلى الله عليه وسلم:‏ ‏(‏يا أبا ذر، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل‏)‏‏.‏

فقال أبو ذر‏:‏ والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم،

فذهب إلى المسجد وصاح: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ،

فقامت قريش تضرب أبا ذر حتى أدركه العباس.

4 ـ طُفَيْل بن عمرو الدَّوْسى‏:‏

كان رجلًا شريفًا، شاعرًا لبيبًا، رئيس قبيلة دوس، وكانت لقبيلته إمارة أو شبه إمارة في بعض نواحى اليمن،

قدم مكة في عام 11 من النبوة، فاستقبله أهلها وحذروه من أن يسمع للنبي،

وقال له إن محمد قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمعن منه شيئًا‏.‏

فعزم طفيل ألا يسمع منه شيئًا، وحشى أذنه كرسفا حين ذهب إلى المسجد، وكان النبي قائماً يصلى،

وشاء الله أن يصل لمسمع طفيل من كلام النبي

فقال طفيل في نفسه:  واثكل أمي، والله إني رجل لبيب شاعر؛ ما يخفي عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول‏؟‏ فإن كان حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته،

فتبع النبي حتى وصل بيته فدخل عليه وطلب منه أن يعرض عليه ما عنده فأسلم طفيل.

5 ـ ضِمَاد الأزدى‏:‏

كان من أزْدِ شَنُوءَة من اليمن، وكان يعالج بالرقى، فلما قدم مكة سمع سفهاءها يقولون‏:‏ إن محمدًا مجنون،

فقال‏:‏ لو إني أتيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدى، فلقيه، فقال‏:‏ يا محمد، إني أرقى من هذا الريح، فهل لك‏؟‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادى له،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏.‏ أما بعد‏)‏‏.‏

فقال‏:‏

أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات،

فقال‏:‏ لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء،

فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن قاموس البحر،

هات يدك أبايعك على الإسلام، فبايعه‏.‏

 

ست نسمات طيبة من أهل يثرب

وفي موسم الحج من سنة 11 من النبوة وجدت الدعوة الإسلامية بذورًا صالحة، سرعان ما تحولت إلى شجرات باسقات،

اتقى المسلمون في ظلالها الوارفة لفحات الظلم والعدوان حتى تغير مجرى الأحداث وتحول خط التاريخ‏.‏

وكان من حكمته صلى الله عليه وسلم إزاء ما كان يلقى من أهل مكة من التكذيب والصد عن سبيل الله

أنه كان يخرج إلى القبائل في ظلام الليل، حتى لا يحول بينه وبينهم أحد من أهل مكة المشركين‏.‏

فخرج ليلة ومعه أبو بكر وعلى، فمر على منازل ذُهْل وشيبان بن ثعلبة ، وكلمهم في الإسلام‏.‏

وقد دارت بين أبي بكر وبين رجل من ذهل أسئلة وردود طريفة،

وأجاب بنو شيبان بأرجى الأجوبة، غير أنهم توقفوا في قبول الإسلام‏.‏

ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبة منى،

فسمع أصوات رجال يتكلمون فعمدهم حتى لحقهم، وكانوا ستة نفر من شباب يثرب كلهم من الخزرج، وهم‏:‏

1 ـ أسعد بن زُرَارة ‏[‏من بني النجار‏]‏‏.‏

2 ـ عوف بن الحارث بن رفاعة ابن عَفْراء ‏[‏من بني النجار‏]‏‏.‏

3 ـ رافع بن مالك بن العَجْلان ‏[‏من بني زُرَيْق‏]‏‏.‏

4 ـ قُطْبَة بن عامر بن حديدة ‏[‏من بني سلمة‏]‏‏.‏

5 ـ عُقْبَة بن عامر بن نابي ‏[‏من بني حَرَام بن كعب ‏]‏‏.‏

6 ـ جابر بن عبد الله بن رِئاب ‏[‏من بني عبيد بن غَنْم ‏]‏‏.‏

وكان من سعادة أهل يثرب أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة،

إذا كان بينهم شيء، أن نبيًا من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج، فنتبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم‏.‏

فلما لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم‏:‏ ‏(‏من أنتم‏؟‏‏)‏

قالوا‏:‏ نفر من الخزرج،

قال‏:‏ ‏(‏من موالى اليهود‏؟‏‏)‏ أي حلفائهم،

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏أفلا تجلسون أكلمكم‏؟‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى، فجلسوا معه، فشرح لهم حقيقة الإسلام ودعوته، ودعاهم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم القرآن‏.‏

فقال بعضهم لبعض‏:‏

تعلمون والله يا قوم، إنه للنبى الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه، فأسرعوا إلى إجابة دعوته، وأسلموا‏.‏

ولما رجع هؤلاء إلى المدينة حملوا إليها رسالة الإسلام،

حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

 

استطراد ـ زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة

وفي شوال من هذه السنة ـ سنة 11 من النبوة ـ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة الصديقة رضي الله عنها

وهي بنت ست سنين وبني بها بالمدينة في شوال في السنة الأولى من الهجرة وهي بنت تسع سنين‏.

الرحيق المختوم

تعليق واحد

  1. صلى الله عليه وسلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *