السبت , أبريل 27 2024

غزوة أحد (2) في قلب المعركة

نتناول في هذه المقالة غزوة أحد (2) في قلب المعركة من كتاب السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور على محمد الصلابي، باختصار وتصرف.  

ذات صلة:

banar_group

غزوة أحد (2) في قلب المعركة

بدء القتال وبوادر انتصار المسلمين:

 حاول أبو سفيان إحداث تصدُّع داخل جبهة المسلمين، فأرسل إلى الأنصار أن خَلُّوا بيننا وبين ابن عمِّنا، فردُّوا عليه بما يكره.

 وحاولت قريش مرة أخرى بإرسال أبو عامر الرَّاهب (الفاسق) ففشل أيضاً.

بدأ القتال بمبارزةٍ بين عليِّ بن أبي طالبٍ وطلحةَ بن عثمان، فضرب عليٌّ طلحة فقطع رِجْلَهُ، فوقع على الأرض، فانكشفت عورتُه، فقال: يا بن عمِّي أنشدك الله والرَّحم.

فرجع على وتركه ولم يجهز عليه حياء من انكشاف عورته.

والتحم الجيشان، وشرع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يشحذ في همم أصحابه، فأخذ سيفاً وقال: “مَنْ يأخذُ هذا بحقه؟”.

فقال سِمَاكُ بنُ خَرَشَةَ (أبو دُجَانة): وما حقُّه يا رسولَ الله؟

قال: “أن تضرب به العدوَّ حتَّى ينحني”.

قال: أنا أخذه بحقِّه.

فدفعه إليه وكان شجاعاً يختال في الحرب و يمشي مشية المتكبِّر.

فقال صلى الله عليه وسلم: “إنَّها لمشيَةٌ يُبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن”.

مخالفة الرُّماة الأوامر :

استبسل المسلمون واستماتوا في قتالٍ ملحميٍّ تنجلي فيه أعظم البطولات، وسجَّل التَّاريخ روائعَ بطولاتِ حمزةَ، ومصعب، وأبي دُجانةَ، وسعد بن أبي وقَّاص، وغيرهم، وحقَّق المسلمون انتصاراً في الجولة الأولى.

ولما رأى الرُّماةُ هزيمةَ قريشٍ، قرروا النزول في أرض المعركة لجمع الغنائم،

فقال أميرهم عبد الله بن جُبَيْرٍ: أنَسِيتُم ما قال لكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؟

وحاول إثناءهم لكنهم عصوا وخالفوا.

رأى خالد بن الوليد انكشاف المسلمين، فالتف حولهم  ودخل من خلفهم، ولـمَّا رأى المشركون خالداً ، عادوا للقتل وأحاطوا بالمسلمين من جهتين، وفقد المسلمون مواقعهم الأولى وأخذوا يقاتلون بدون تخطيط ولا ترتيب حتى قتلوا اليَمانَ والد حُذيفة بالخطأً.

وتساقط المسلمون شهداء في الميدان، وفقدوا الاتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأشيع أنه قتل، واستطاع المشركون الوصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرموه بحجر كسر أنفه ورباعيَـتَـهُ (إحدى أسنانه)، وشجَّ رأسه، فتفجَّر الدَّم منه صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:

“كيف يُفْلح قومٌ شجُّوا نبيَّهم، وكسروا ربَاعيَّته، وهو يدعوهم إلى الله؟

فأنزل الله تعالى: “لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ”.

(آل عمران: 128).

وحمل ابن قَمِئَةَ على مُصعب فقتله، وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم فظن ابن قمئة أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فصاح: قتلت محمَّداً.

وما إن سمع المسلمون بمقتل محمد صلى الله عليه وسلم حتى اضطربوا وتفرقوا، فدخل بعضهم في الجبال، وعاد بعضهم إلى المدينة، واختلطت على من بقي ماذا يفعلون؟

فجلس بعضهم بجانب الميدان بدون قتالٍ.

وآثر آخرون الشَّهادة مثل أنسُ بن النَّضر، الَّذي كان يأسف لعدم شهوده بدراً، ويقول: والله لئن أراني اللهُ مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينَّ اللهُ كيف أصنع؟

وقد صدق إذ هتف في المسلمين الذين قعدوا وألقوا بسلاحهم، وقال: ما يجلسكم؟ إن كان محمَّدٌ قُتل، فإن ربَّ محمَّد لم يُقتل، وموتوا على ما مات عليه.

وقال: اللّهمَّ إنِّي أعتذر إليك ممَّا قال هؤلاء – يعني المسلمين – وأبرأ إليك ممَّا جاء به هؤلاء – يعني المشركين – ثمَّ ألقى بنفسه في أَتُونِ المعركة، فاسْتُشْهِد.

فوُجد فيه بضعٌ وثمانون ما بين ضربةٍ بسيفٍ، أو طعنةٍ برمح، أو رميةٍ بسهم، فلم تعرفه إلا أختُه ببنانه.

وفيه وأمثاله نزل قولُ الله تعالى: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً “.

(الأحزاب: 23).

وكان أوَّل مَنْ علم بنجاة الرَّسول صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك، فرفع صوتَه بالبُشرى، فأمره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالسُّكوت حتَّى لا يفطنَ المشركون لذلك.

ولقد عفا الله عن الفئة الَّتي عادت إلى المدينة بذلة شيطانية، فقال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ”.

(آل عمران: 155).

الصحابة يلتفون حول النبي صلى الله عليه وسلم:

حوصر الرسول صلى الله عليه وسلم في قلب المشركين، وليس معه إلا تسعةٌ من الصحابه (7 أنصار و2 مهاجرين).

كانوا يهدفون لحماية النبي صلى الله عليه وسلم وفك حصاره والاحتماء بجبل أحد بأن يصعدوا فيه.

واستبسل الصحابة في الدِّفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحمايته، وقاتل عنه طلحةُ بن عبيد الله حتَّى أُثْخِنَ، وأصيب بسهم شَلَّت يمينَه، وأراد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يصعد صخرةً فلم يستطع، فقعد طلحةُ تحته حتَّى صعد الصَّخرة والـنَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «أوجب طلحـة».

وقاتل سعد بن أبي وقَّاص بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يناوله النِّبال ويقول له: “ارمِ يا سعد! فداك أبي، وأمِّي”.

وأيضا أبو طلحة الأنصاري، وكان من أمهر الرُّماة، وكان متترِّساً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحَجَفةٍ له، وكان رامياً شديدَ النَّزع، وكَسَرَ يومئذٍ قوسين، أو ثلاثاً.

 وكان الرَّجل يمرُّ معه جَعْبَةُ سهام، فيقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : “انثرها لأبي طلحة”، وحينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرف إلى القوم، يقول أبو طلحة: يا نبيَّ الله بأبي أنت وأمي لا تُشْرِف يصيبك سهمٌ من سِهام القوم، نَحْرِي دون نحرك.

وأمسكت نُسَيْبة بنت كعب بالسيف تذبُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترمي بالقوس، حتى أُصيبت بجراحٍ كبيرةٍ.

 وتترَّس أبو دجانة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقع النَّبل على ظهره ليفدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والتفَّ حول الرَّسول صلى الله عليه وسلم في تلك اللَّحظات أبو بكرٍ، وأبو عبيدة، وقام أبوعبيدة بنزع السَّهمين من وجه النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأسنانه.

ثمَّ توالى ورود الصحابة حول النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغوا قرابـة الثَّلاثين.

واستطاع عمر بن الخطَّاب ومعه مجموعة من الصحابة أن يردَّ هجوماً مضادّاً ضد خالد من عالية الجبل، حتى سيطر المسلمون على الموقف من جديد، ويئس المشركون من إنهاء المعركة بنصرٍ حاسمٍ، وتعبوا من جَلادة المسلمين، فكفوا عن مطاردة المسلمين.

وكان المسلمون في حالةٍ ألم، وخوف، وغمِّ لما أصاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عليهم النُّعاس، ففاقوا مطمئنين.

من شهداء أُحد

1- حمزة بن عبد المطَّلب:

قاتل حمزةُ قتالاً ضارياً، وأثخن في المشركين، وأطاح برؤوس نفرٍ من حملة لواء المشركين، وبينما هو على هذه الحال من الشَّجاعة، والإقدام، كَمَنَ له وحشيٌّ، حتَّى تمكَّن منه، ثمَّ رماه بحربته، فدخلت في مثانته حتى خرجت من بين وركيه.

فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قتل حمزة بكى وقال: “مَنْ رأى مقتل حمزة؟”

فقال رجل: أنا رأيت مقتله.

قال: “فانطلق أرناه”.

فلما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة ورآه وقد شُقَّ بطنُه، و مُثِّل به، انهمر في البكاء وشهق من شدة البكاء، وقال: “لئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم.

ونزل الوحي بقوله تعالى: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ”.

(النحل 126)

فصبر النبي صلى الله عليه وسلم وعفى وكفر عن يمينه ونهى عن المثلة.

ووقف النبي صلى اله عليه وسلم بين ظهراني القتلى، وقال: “أنا شهيد على هؤلاء، كفِّنوهم في دمائهم، فإنَّه ليس جرحٌ يجرح في الله إلا جاء يـوم القيامة يَدمى، لونُه لون الدَّم، وريحُه ريحُ المسك، قدِّموا أكثرهم قرآناً، فاجعلوه في اللَّحد”.

وباستشهاد حمزة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أُحدٍ تحقَّقت رؤيا رسولِ الله صل الله عليه وسلم فقد أخبر أصحابه قبل الخروج إلى أُحدٍ، فقال: “رأيت في سيفي ذي الفقار فَلاًّ، فأوَّلْتُه فَلاًّ يكون فيكم (أي: انهزاماً)، ورأيت أنِّي مردفٌ كَبْشاً، فأوَّلْتُه كبش الكتيبة، ورأيت أنِّي في درع حصينةٍ، فأوَّلتها المدينة، ورأيت بقراً تُذبح، فبقرٌ والله خيرٌ فبقرٌ والله خيرٌ”.

رواه الترمذي

وجاءت صفيةَ مسرعة حين علمت بمقتل أخيها حمزة، فحاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يثنيها عن رؤيته وقد مثل به.

 فأرسل الزُّبير ليوقفها، ولكنها طلبت أن تراه وهي صابرة محتسبة وقد أحضرت ثَّوبين يكفِّن فيهما حمزة.

وحين شرعوا في تكفين حمزة كان بجواره شهيد من الأنصار حدث له ما حدث لحمزة، وشعر الصحابة بغضاضةً أن يكفَّن حمزة في ثوبين والأنصاريُّ لا كفن له، فجعلوا لكل واحد منهما ثوب.

وبعد مرور الأعوام وشاءت إرادة الله أن يسلم وحشي  قاتل وحشيُّ حين أقبل على النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: “وحشيٌّ”.

قال: نعم.

قال: «قتلت حمزة؟».

فقال: نعم، الحمد لله الَّذي أكرمه بيدي، ولم يهنِّي بيده، يا رسول الله! فاستغفر ل.

فدفع صدري ثلاثةً، وقال: “وحشيٌّ، اخرج فقاتلْ في سبيل الله، كما قاتلت لِتَصُدَّ عن سبيل الله”.

وشاءت إرادة الله أن يكون وحشي هو قاتل مسيلمة الكذاب.

2- مصعب بن عمير:

حين انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من أُحدٍ، مرَّ على مصعب بن عمير، وهو مقتولٌ على طريقـه، فوقف عليه، ثمَّ قرأ هذه الآية: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ” [الأحزاب: 23]، ثمَّ قال: “أشهد أنَّ هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فائتوهم، وزوروهم، والَّذي نفسي بيده، لا يسلِّم عليهم أحدٌ إلى يوم القيامة، إلا ردُّوا عليه”.

قتل مصعبُ ولم يترك إلا نَمرَةً، إذا غطَّوا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطَّو رجليه بدا رأسُه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : “غطُّوا رأسَه، واجعلوا على رجليه الإذخر”.

3- سعد بن الرَّبيع:

لـمَّا انتهت معركة أُحدٍ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مَنْ رجلٌ ينظرُ ما فعل سعدُ بن الرَّبيع، أفي الأحياء هو، أم في الأموات؟”.

فقال أُبيُّ بن كعب: أنا أنظره لك يا رسول الله! فقال له: “إن رأيتَ سعد بن الرَّبيع، فأقرئه منِّي السَّلام، وقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف تجدُك؟”

فنظر أُبَيٌّ، ووجد سعداً جريحاً به رَمَقٌ، فقال له: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول كيف تجدك قال: على رسول الله، وعليك السَّلام، قل له: أجد ريح الجنَّة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إنْ خُلِصَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شفر يطرف (عينٌ تطرُف)، ثم فاضت روحه.

4- عبد الله بن جحشٍ:

 قال عبد الله بن جحشٍ لسعد بن أبي وقَّاص: ألا تدعو الله، فَخَلَوْا في ناحيةٍ، فدعا سعدٌ، فقال: يا ربِّ إذا لقيتُ العدوَّ، فَلَقِّني رجلاً شديداً بأسُه، شديداً حردُه، أقاتلُه، ويقاتلني، ثمَّ ارزقني الظَّفَرَ عليه حتَّى أقتلَه، واخذَ سَلَبَهُ.

فقال عبد الله أمين، ثمَّ قال: اللَّهمَّ ارزقني رجلاً شديداً حردُه، شديداً بأسُه، أقاتله فيك ويقاتلُني، ثمَّ يأخذُني، فَيَجْدَعُ أنفي، وأذني، فإذا لقيتُك غداً، قلتَ: من جَدَعَ أنفَك، وأذنَك؟ فأقول: فيك، وفي رسولك، فتقول: صدقتَ.

 وبعد المعركة في آخر النَّهار وجد سعد عبد الله وإنَّ أنفه، وأذنه لمعلَّقان في خيطٍ.

5ـ حنظلةُ بن أبي عامرٍ (غَسِيل الملائكة):

كان حنظلة قد تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وقد رأيت جميلة كأنَّ السَّماء فُرِجَتْ فدخل فيها حنظلة، ثمَّ أُطبقت، فأولتها بالشهادة.

وكان حنظلة قد دخل بها ليلة المعركة، فلما أصبح سمع بخروج المسلمين للغزو فأسرع بالخروج للحاق بهم دون أن يغتسل لضيق الوقت.

 وفي المعركة ضرب حنظلةُ فرسَ أبي سفيان، فوقع على الأرض، وقد هم حنظلةُ بذبح أبي سفيان، وصرخ أبو سفيان إلا أن شدَّاد بن الأسود رمى حنظلةَ برُّمح نفذ فيه، فمشى حنظلة نحوه لمواجهته فرمى الأسود رمح ثاني فقتل حنظلة.

ورأه النبي صلى الله عليه وسلم بعد المعركة فقال: “إنِّي رأيت الملائكة تغسِّله بين السَّماء والأرض بماء المُزْن، في صِحَافِ الفضَّة، فاسألوا أهلَه ما شأنُه؟”

فعلموا شأن حنظلة وقد حملت جميلة من حنظلة ولداً سمته عبد الله.

6- عبد الله بن عمرو بن حَرَامٍ:

رأى عبد الله في منامـه قبل أُحـد مبشِّر بن عبد المنذر (شهيد بدر) يقول له: أنت قادم علينا في أيامٍ، فقال: وأين أنت؟ فقال: في الجنَّة نَسْرَحُ فيهـا كيف نشـاء.

فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “هـذه الشَّهادة يا أبا جابر”.

وحين نادى المنادي يوم أحد أصر أن يخرج وقال لابنه جابر: ما أراني إلا مقتولاً في أوَّل من يُقْتَلُ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنِّي لا أتركُ بعدي أعَزَّ عليَّ منك غيرَ نفسِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّ عليَّ ديناً فاقضِ، واستوصِ بإخوتك خيراً”.

ولما خرج للمعركة ونال وسام الشَّهادة في سبيل الله، وبعد المعركة أقبل جابر ليراه فكشف عن وجهه وبكاه والصحابة ينهوننه عن البكاء والنبي لا ينهاه.

وجَاءت أخت عبد الله تبكي، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: “تبكين، أو لا تبكين، ما زالت الملائكة تُظِلُّهُ بأجنحتها حتَّى رَفَعْتُموه”.

رواه البخاري ومسلم.

ورأ النبي صلى الله عليه وسلم جابر مهموماً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا جابر مالي أراك منكسراً؟”

قال: يا رسول الله، استشهد أبي، وترك عيالاً، ودَيناً.

قال صلى الله عليه وسلم: “أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟”

قال: بلى يا رسول الله.

قال صلى الله عليه وسلم: “ما كَلَّمَ اللهُ أحداً قطُّ إلاَّ من وراء حجاب، وكلَّم أباك كفاحاً، يا جابر أما علمت أنَّ الله أحيا أباك، فقال: يا عبدي تمنَّ عليَّ أُعطِك، قال: يا رب تحييني فأُقتل فيك ثانيةً، فقال الرَّبُّ سبحانه: إنَّه سبق منِّي أنَّهم إليها لا يُرجعون، قال: يا رب! فأبلغ مَنْ ورائي”.

الترمذي، وابن ماجة.

فأنزل الله تعالى: “وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.

(آل عمران: 169).

7ـ خيثمة أبو سعد:

قبل بدر أراد خيثمة وابنه الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاقتراعا فيما بينهما، فخرج سهم الابن سعد وخرج إلى بدر واستشهد.

وقال خيثمة: لقد أخطأتني وقعة بدرٍ، وكنت والله حريصاً عليها، وقد رأي خيثمة ابنه في النَّوم في أحسن صورةٍ، يسرح في ثمار الجنَّة، وأنهارها، ويقول: الحق بنا ترافقنا في الجنَّة، فقد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً.

ذهب خيثمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول والله يا رسول الله أصبحت مشتاقاً إلى مرافقت ابني في الجنَّة، وقد كبِرَتْ سِنِّي، ورَقَّ عظمي، وأحببتُ لقاء ربِّي، فادعُ الله يا رسول الله! أن يرزقني الشَّهادة، ومرافقة سعدٍ في الجنَّة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فلما جاءت أحد قُتِل شهيداً.

8- وهب المزنيُّ، وابن أخيه:

كان وهب المزنيُّ مع ابن أخيه يرعيان الغنم في جبل مُزَينة، فوجدا المدينة فارغة، فسألا: أين النَّاس؟ فعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد،فتركا الأغنام وانطلقا للحاق بالمسلمين،

فوصلا والمعركة دائرة وكانت الدولة وقتها للمسلمين، فدخلا مع المسلمين لجمع الغنائم، فجاءت خيول خالد وعكرمة من ورائهم واشتد القتال.

وأقبلت فرقة من المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لهذه الفرقة؟”.

فقال وهب: أنا يا رسول الله، فقام ورماهم بالنَّبْل حتَّى انصرفوا.

ثمَّ صعدت كتيبة أخرى، فقال النبي صلى اله عليه وسلم : “من لهذه الكتيبة؟”

فقال وهب: أنا يا رسول الله، فقام فذبَّها بالسَّيف حتى ولَّوْا.

ثمَّ طلعت كتيبةٌ أخرى، فقال: “مَنْ يقوم لهؤلاء؟”

فقال وهب: أنا يا رسول الله، فقال: “قم، وأبشر بالجنَّة”، فقام وهب مسروراً، وهو يقول: والله لا أقيل، ولا أستقيل، فقام فجعل يدخل فيهم فيضرب بالسَّيف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “اللّهم ارحمه” ثمَّ يعاود الكرة والضرب حتى انهالوا عليه بالسيوف والرماح فقتل، فوُجد به عشرون طعنةً برمح، ومُثِّلَ به أقبح مُثلةٍ، ثمَّ قام ابن أخيه، فقاتل قتاله حتَّى قتل،

وبعد المعركة وقف النبي صلى الله عليه وسلم على وهب وهو مقتولٌ، ويقول: “رضي الله عنك فإنِّي عنك راضٍ”.

كان بطلاً مغواراً وقال عنه عمر بن الخطَّاب يقول: إنّ أحبَّ ميتةٍ أموت لمَا مات عليها المزنيُّ.

ويقول سعد بن أبي وقاص وددت أني والله قد أصبت يومئذ معه.

9- عمرو بن الجَمُوح:

كان عمرو بن الجموح أعرجَ شديدَ العرج، وله 4 أبناء أسود يشهدون المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم.

فلـمَّا كان يوم أُحد أراد بنوه حَبْسَهُ، وقالوا: إنَّ الله قد عذرك.

فأتى عمرو النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ بَنيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، والخروج معك فيه، فو الله إنِّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنَّة.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أمَّا أنت فقد عذرك الله تعالى، فلا جهاد عليك”.

وقال لبنيه: “ما عليكم ألاَّ تمنعوه، لعلَّ الله أن يرزقه الشَّهادة”.

فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم! لا تردَّني إلى أهلي خائباً، فقُتل شهيداً.

10- أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش:

لـمَّا خرج المسلمون إلى أُحدٍ، كان اليمان واسمه (حُسَيل بن جابر)، ومعه وثابت بن وَقش داخل الحصون مع النِّساء، والصِّبيان، لأنهما شيخان كبيران في السن، فقال أحدُهما للأخر: لا أبا لك ما تنتظر؟ فو الله ما بقي لواحدٍ منَّا من عمره إلا ظِمء حمارٍ (أي مقدار ما بين شربتي حمار)، إنَّما نحن نموت اليوم، أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا، ثمَّ نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلَّ الله يرزقنا الشهادةً.

فأخذا سيافهما، ودخلا المعركة، فاستشهد ثابت بن وقش على يد المشركون، أمَّا اليمان ضربه المسلمين بسيوفهم وهم لا يعرفوه فقتلوه، فلما رآه ابنه حذيفة: أبي.

فأخبره أنهم لا يعرفوه، فقال: يغفر الله لكم، وهو أرحم الرَّاحمين.

فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفع دية أبيه، فتصدَّق حذيفةُ بديته على المسلمين.

11- حسن وسوء الخاتمة:

  • هناك رجل يدعى الأُصَيْرِم واسمه عمرو بن ثابت بن وَقش، من بني عبد الأشهل كان قد عُرض عليه الإسلام، فلم يُسلِم.

فجاء إلى المدينة يقول أين سعدُ بن معاذ؟ فقيل: بأُحدٍ، فقال: أين بنو أخيه؟ قيل: بأُحدٍ، فسأل عن قومه، فقيل: بأُحدٍ، فبدا له الإسلام، وأسلم.

وأخذ سيفه، ورمحه، ولبس لأمتَهُ، وركب فرسه، وانطلق مع المسلمين في أحد، قالوا: إليك عنا يا عمرو.

قال: إنِّي قد آمنت.

وقاتل حتَّى أثخنته الجراح.

وبينما رجالٌ من بني عبد الأشهل يتفقدون قتلاهم إذا بهم يفاجئون به وهو مصاب، فقالوا: والله إنَّ هذا للأُصيرم، ما جاء به؟ لقد تركناه وإنَّـه مُنكرٌ لهذا الحديث، فسألوه: ما جاء بك؟ أحدَبٌ على قومك، أم رغبـةٌ في الإسلام؟ فقال: بل رغبـةً في الإسلام، آمنت وأسلمت، وقاتلتُ ، وإن متُّ فأموالي إلى محمَّد يضعها حيث شاء، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّه من أهل الجنَّة”، رغم أنه لم يصلي أية صلاة.

  • لـمَّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد، جمع مُخَيْريقٌ قومه اليهود وقال لهم: يا معشرَ يهود والله لقد علمتم أنَّ نصر محمدٍ عليكم لحقٌّ.

قالوا: إنَّ اليوم يوم السَّبت، قال: لا سبت لكم، فأخذ سيفه، وعُدَّتَـهُ، وقال: إن أُصِبْتُ فمالي لمحمَّدٍ يَصْنَعُ فيه ما شاء.

ودخل في المعركة وقُتِل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مُخَيْرِيق خيرُ يهود”.

  • وكان رجلٌ يدعى قُزْمَان، تأخَّر يوم أُحدٍ، فعيَّرته نساء بني ظَفَر، فأخذته الحمية وانطلق إلى أحد حتى بلغ الصف الأول للمسلمين، فكان أوَّل من رمى من المسلمين بسهمٍ، فاستطاع أن يقتل 7 أو 9 وأصيب بجِرَاحَةٌ، فناداه قتادة بن النُّعمان: هنيئاً لك الشَّهادة.

وقال بعض المسلمين له: والله لقد أبليتَ اليوم يا قُزْمَان، فأبشر قال: بماذا؟ فوالله ما قَاتلتُ إلا على أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلتُ.

فذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إنَّه من أهل النَّار، إنَّ الله تعالى يؤيِّد هذا الدِّين بالرَّجل الفاجر”.

من دلائل النُّبوَّة:

1- عين قتادة بن النُّعمان:

أُصيبت عينه وسقطت على وَجْنَتِـهِ، فردَّها رسولُ الله الله عليه وسلم بيده، فكانت أحسن عينيه، وأحَدَّهُمَا.

2 – مقتل أُبيِّ بن خلف:

كان أُبَيُّ عندما يَلْقَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بمكَّة يقول: يا محمد إنَّ عندي العَوْذ فرساً أعْلِفُه كلَّ يوم أقتلك عليه، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بل أنا أقتلـك إن شاء الله”.

فلـمَّا كان يـوم أُحد، وقد أُسند رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الشِّعْب أدركه أُبَيُّ وهو يقول: أي محمد لا نجوتُ إن نجوتَ، فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحَرْبَةَ من الحارث بن الصِّمَّة، وانتفض بها ورماها فطعنه في عنقه فأصابت منه خَدشاً، فوقع وتدحرج عن فرسه مراراً، فرجع إلى قريش وهو يصرخ: قتلني والله محمدٌ.

قالوا له: ذهب والله فؤادك، والله إنْ بك من بأسٍ، قال: إنَّه قد كان قال لي بمكَّة: أنا أقتلُك، فو الله لو بَصَق عليَّ لقتلني، فمات عدوُّ الله أثناء عودتهم إلى مكَّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *