الأربعاء , أكتوبر 9 2024

ما بين الأحزاب والحديبية (2)

نتناول في هذه المقالة ما بين الأحزاب والحديبية (2) الآن نغزوهم ولا يغزوننا وتصفية المحرضين على الدولة من كتاب السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور على محمد الصلابي، باختصار وتصرف.

ذات صلة:

banar_group

ما بين الأحزاب والحديبية (2)

(2)- الآن نغزوهم ولا يغزوننا

صرح النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن عنوان المرحلة القادمة وهي غزو قريش “الآن نغزوهم ولا يغزوننا”، فقد تغيرت موازين القوى وأصبح المسلمون أقدر على الهجوم من ذي قبل.

وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بسط سيادة الدولة حول المدينة لأنه ذو صلة بالإعداد لغزو قريش في مرحلة لاحقة، فقد قام في عام واحد (6 هـ) بغزوتين و14 سرية بهدف إنهاك قوى قريش ولإحكام الحصار وتقليم أظافرها، فقد قضى علي بني قريظة وضيق الخناق الاقتصادي علي قريش، ونفذ العديد من السرايا لمعاقبة مشركي الأحزاب من جهه والثأر من القبائل التي غدرت بالدعاة أو ناصبت العداء للمسلمين.

1-سرية محمد بن مسلمة إلي بني القرطاء

كان العمود الفقري لقوات الأحزاب من القبائل النجدة فهي قبائل جرئية وشرسة وكانوا يشكلون الأغلبية الساحقة في الأحزاب (3 آلاف من غطفان وأشجع وسليم وفزارة وأسد)

أرسل النبي صلي الله عليه وسلم تأديب للقبائل النجدية من بني بكر بن كلاب الذين يقطنون القطاء على مسافة 7 ليالي من المدينة.

خرجت سرية من 30 صحابي بقيادة محمد بن مسلم في محرم 6 هـ وداهمهم على حين غرة فقتلوا 10 وفر الباقون وغنم المسلمون إبلهم وماشيتهم، وفي طريق العودة أسروا سيد بني حنيفة ثمامة بن أثال وهم لا يعرفونه فقدموا به إلى المدينة وربطوه في سارية بالمسجد النبوي.

عرف النبي صلي الله عليه وسلم أنه سيد بني حنيفة وطمع النبي صلي الله عليه وسلم في إسلامه ورجا فيه خيراً.

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليه فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم علي شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت.

فتركه النبي صلى الله عليه وسلم لليوم الثاني ثم سأله نفس السؤال وأجاب ذات الإجابة.

فتركه النبي صلى الله عليه وسلم لليوم الثالث وسأله: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك.

فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلي نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، والله ما كان علي الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ، والله ما كان دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين إليّ، والله ما كان بلد أبغض إلي ّمن بلدك فأصبحت بلدك أحب البلاد إليّ، وأن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا تري؟

فبشره رسول الله صلي الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة وعلموا بإسلامه قالوا: صبوت؟ قال: لا والله ولكني أسلمت مع محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلي الله عليه وسلم.

وقد أبر بقسمه مما دفع وجوه مكة أن يكتبوا إلى النبي صلي الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة ليخلي لهم حمل الطعام، فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لرجاء قومه رغم حالة الحرب معهم.

دروس:

1-جواز المنّ علي الأسير وتعظيم أمر العفو عن المسيء بغير مقابل.

2-الإحسان يزيل البغض وينبت الحب.

3-الملاحظة مع من يرجي إسلامه وخاصة إذا كان خلفه من يتبع.

2-سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر

هدفها استمرار محاصرة قريش اقتصادياً.

خرج أبو عبيدة بن الجراح في 300 ناحية الساحل ليرصدوا عيراً لقريش.

وعندما كانوا ببعض الطريق فني الزاد، فأمر أبو عبيدة بجمع أزواد الجيش ليتم توزيعها بالتساوي، فكان نصيب الفرد بعض التمر يأكلونه قليلاً قليلاً حتى أصبح نصيب الفرد تمرة واحدة في اليوم، يمصونها ويشربون عليها الماء.

واضطر الجيش إلى أكل ورق الشجر، يقول جابر: وكنا نضرب بعصينا الخبط (يضربون بالعصي الشجر فيسقط الخبط أي ورق الشجر) ثم نبله فنأكله.

تأثر قيس بن سعد بن عبادة أحد جنود السرية فذهب إلى رجل جهني معه جمال فعرفه بنفسه واستدان منه 3 جمال ثم سخرها للجيش، ثم عاد فنحر ثلاث أخرى، ثم عرض على الجهني أن يشتري منه النوق مقابل تمر للمدينة.

أراد أبو عبيدة أن ينهاه رفقاً به إذ كيف يستدين أو يشتري ولا مال له.

فقال قيس: أتري أن أبا ثابت (أبيه) يقضي ديون الناس ويحمل الكل ويطعم في المجاعة لا يقضي عني تمراً لقوم مجاهدين في سبيل الله؟

إلا أن أبا عبيدة نهي عن الذبح أكثر من ذلك، وعاود الجوع والجهد الشديدين بالمسلمين وبينما هم كذلك إذا بالبحر يزفر زفرة أخرج فيها حوتاً ضخماً ألقاه على الشاطئ ميتاً، يصفه جابر بن عبد الله أنه كهيئة الكثيب الضخم (التل من الرمال) فلما أقبلوا عليه علموا أنها تدعي العنبر.

فقال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا بل نحن رسل رسول الله وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا. فأقاموا عليه شهراً حتى سمنوا، وجمع أبو عبيدة 13 رجلاً فأقعدهم في وقب عين الحوت (النقرة التي تكون فيها العين) يأكلون من دهنها وأخذوا ضلعاً من أضلاعه فأقاموا، وجعلوا أعظم بعير معهم يمر من تحتها.

فلما قدموا المدينة قال صلى الله عليه وسلم: ما حسبكم؟ فذكروا له القصة وأمر الحوت فقال: هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمون. فأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

دروس:

1-حكمة أبي عبيدة في جمع أزواد الناس وإعادة توزيعها.

2-كرم قيس بن سعد بن عبادة.

3-الحلال والحرام: رغم الجوع الشديد لم يغير المسلمون على الجهني مثل قطاع الطرق.

4-جواز أكل الميتة.

3-سرية ابن عوف إلى دومة الجندل (شعبان 6 هـ)

هدف السرية على تخوم الشام وهي ضمن مخطط النبي صلى الله عليه وسلم في احتكاكه بالإمبراطورية الرومانية، ودعوة سكانها من قبيلة كلب الكبرى إلى الإسلام.

فمهمة السرية ذات جانبين: مهمة دعوية ومهمة حربية.

قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف (من رجال الرعيل وأحد دعائم الدعوة الإسلامية): تجهز فإني باعثك في سرية في يومك هذا أو غداً إن شاء الله.

وفي اليوم الثاني تجهزت السرية من 700 رجل وجاء عبد الرحمن للنبي صلى الله عليه وسلم بعدما مضي أصحابه من السحر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلفك عن أصحابك؟ فقال: أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك وعليّ ثياب سفري.

وكان ابن عوف على رأسه عمامة لفها على رأسه، فدعاه صلى الله عليه وسلم وأقصده بين يديه فنقض عمامته بيده ثم عممه بعمامة سوداء فأرخي منها بين كتفيه ثم قال: هكذا فاعتم يا ابن عوف ثم قال: اغز باسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله، ولا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليداً ثم بسط يده فقال: يا أيها الناس، اتقوا خمساً قبل أن يحل بكم: ما نقص مكيال قوم إلاّ أخذهم الله بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يرجفون، وما نكث قوم عهدهم إلاّ سلط الله عليهم عدوهم، وما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عليهم قط السماء، ولولا البهائم لم يسقطها وما ظهرت الفاحشة في قوم إلاّ سلط عليهم الطاعون، وما حكم قوم بغير أى القرآن إلاّ ألبسهم الله شيعاً، وأذاق بعضهم بأس بعض.

خرج عبد الرحمن بالسرية إلي دومة الجندل ومكث ثلاث أيام يدعوهم إلى الإسلام وفي اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي رئيسهم وكان نصرانياً، أرسل ابن عوف إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أنه يريد أن يتزوج فيهم، فأمره النبي صلي الله عليه وسلم أن يتزوج تماضر بنت الأصبغ.

دروس:

1-تواضع وشفقة ومودة النبي لابن عوف حين ألبسه عمامته بيده.

2-اغز باسم الله، فالجهاد ليس باسم محمد أو زعيم أو قبيلة أو وطن أو قومية.

3-نهى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن عن الغلول (الأخذ من الغنيمة قبل تقسيمها) وغدر العهود وقتل الولدان، وهي نماذج من الأدب الإسلامي في الجهاد، الذي يجعل المسلم جامعاً بين منتهي القوة والبطش ومنتهي الرحمة والعطف.

4-عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة وهو سيد من سادات هذه الأمة ومن أكبر دعاتها يتميز بالحلم والحكمة والثقافة والتجربة والعبقرية والسبق والبلاء.

إن النجاح الذي كلله عبد الرحمن في إسلام سيد بني كلب يشبه إسلام النجاشي على يد جعفر، وإسلام السعدان على يد مصعب.

فقد أصبحت دومة الجندل موقعاً جديداً من المواقع الإسلامية في هذه الأطراف المتنامية ولها أهميتها في مستقبل المواجهات مع الروم.

وهذه أول حكم الإسلام خارج حدوده ويتعايش المسلمون والنصارى في دولة واحدة.

5-إن زواج عبد الرحمن من بنت سيد بني كلب زعيم دومة الجندل يقوي الروابط بالدولة الإسلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يتزوج هو وقادته بنات سادة القبائل، فهو كسب كبير لدعوة الإسلام، فالمصاهرة تزيد القرب وتمتص أسباب العداوة.

4- تأديب الغدارين:

1-غزوة بني لحيان:

فبنو لحيان هم الذين غدروا بخبيب وأصحابه يوم الرجيع، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في 200 من أصحابه في ربيع الأول أو جمادى الأول 6 هـ.

أعلن النبي أنه يريد الإغارة على الشام وذلك لتضليل العدو، ولما وصل إلى مكان يقال له (البتراء) عدل طريقه نحو بني لحيان.

هربت بنو لحيان وفروا في رؤوس الجبال، ومكث النبي صلى الله عليه وسلم يومان يبث السرايا والمطاردة لإرهابهم.

ثم اغتنم النبي صلى الله عليه وسلم قربه من مكة فقام بمناورة عسكرية لإرهاب قريش فنزل وادي عسفان ثم أرسل أبا بكر مع 10 فوارس للتحرك نحو مكة لبث الرعب والفزع في نفوسهم.

فزعت قريش وساد الزعر صفوفها، ولما علم أبو بكر بتحقيق الهدف عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عادوا إلى المدينة، وفي الطريق مرّ على (غران) الموضع الذي لقي فيه الشهداء مصرعهم، فترحم عليهم ودعا لهم.

2-غزوة الغابة:

لم تمض ليال قلائل على غزوة بني لحيان حتى أغار عينية بن حصن الفزاري مع 40 على لقاح (الإبل الحوامل ذوات الألبان) لرسول الله بالغابة وقتلوا ذر بن أبي ذر الغفاري وأسروا زوجته ليلي، واستاقوا الإبل وعددها 20.

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في 500 على أثره وأدركهم الرسول صلى الله عليه وسلم عند جبل ذي قرد فقتل بعض أفراده واستنقذ الإبل.

وأبدى سلمة بن الأكوع بطولة نادرة قبل وصول كتيبة المسلمين حيث كان ضمن الرعاة في منطقة الغابة، وظل بمفرده يشاغل المغيرين ويراميهم بالنبل، وكان من أعظم الرماة في عصره واستطاع من خلال مطاردته لهم أن يستخلص بعض الإبل قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم.

أما المرأة فقد تمكنت من الإفلات على ظهر ناقة تابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نذرت لئن نجاها الله لتنحرن تلك الناقة، فلما أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم تبسّم وقال: بئسما جزيتها (أي أنها حملتك ونجت بك من الأعداء فيكون جزاءها النحر) ثم قال لها: لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين وقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمضي خمس ليال خارجها.

3-تتابع السرايا:

وتتابعت السرايا نجحت بعضها وتعثر بعضها الآخر، ومن أبرز هذه السرايا:

* محمد بن مسلمة في 10 إلى ذي القصة في ربيع الثاني 6 هـ لإرهاب بني ثعلبة وعوال لمنعهم من الإغارة على سرح المدينة،فلقيهم 100 من الأعراب فقتلوا المسلمين وجرح محمد بن مسلمه ولم يتمكن العودة إلا بعد أن أدركه مسلم وأخذه إلى المدينة، وعلى إثر ذلك بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في 40 إلى منازلهم، فهربوا، فغنم المسلمون نعمهم.


*سرية زيد بن حارثة في 170 راكب في جمادى الأول 6 هـ لاعتراض قافلة لقريش عند العيص فأدركها وأخذها وأسر أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي.

*سرية علي بن أبي طالب في 100 في شعبان 6 هـ لتأديب بني سعد بن بكر الذين جمعوا الناس لإمداد يهود خيبر، فأغار عليهم وغنم بعض نعمهم.

5-سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرينيين

قدم جماعة من عكل وعرينة على النبي صلى الله عليه وسلم في شوال 6 هـ وتكلموا بالإسلام وشكوا أنهم استوخموا المدينة فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الإبل مع راع وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها ويتمسحوا ببولها.

فلما وصلوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا الراعي وعينه واستاقوا الإبل.

فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم بعث الطلب في آثارهم فقبضوا عليهم وسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم وتركوا ناحية الحرة حتى ماتوا.

وقيل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة بعد ذلك، وقيل أن هذا الجزاء كان قصاصاً لما فعلوه بالراعي، وقيل أن هذا القطع هو جزاء الحرابة.

(3)- تصفية المحرضين على الدولة

1-سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلام بن أبي الحقيق:

أبو رافع سلام بن أبى الحقيق من يهود بني النضير، كثير التحريض على المسلمين وقد جعل الجعل العظيم مقابل غزة المدينة، وكان ممن أحب الأحزاب وأصبح تحريضه خطراً يجب أن يوضع له أحد.

بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجالاً من الأنصار فأمر عليهم عبد الله بن عتيك وتحركوا حتى بلغوا حصن خيبر، ثم تقدم ابن عتيك بجوار باب الحصن بعد غروب الشمس وتقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب إن كان يريد الدخول أن يدخل قبل أن يغلق الباب.

دخل ابن عتيك وراقب البواب حتى إذا ما أغلق البواب الباب ووضع الأقاليد على وتد أخذ بن عتيك الأقاليد وفتح الباب لأصحاب فدخلوا الحصن.

فلما وصلت السرية عند منزل أبي رافع وكان منزلاً مرتفعاً وجدوا عنده نفراً من أصحابه يسمرون عنده، فانتظروا حتى انصروا ثم صعد ابن عتيك المنزل وكلما دخل باباً أغلقه خلفه حتى لا يمنعه أحد عن المهمة حتى وصل إلى أبي رافع في بيت مظلم وسط عياله، فقال ابن عتيك: يا أبا رافع فقال: من هذا؟ فهوى ابن عتيك بسيفه نحو الصوت لكنه لم يقتله فصاح أبو رافع.

فخرج ابن عتيك من البيت ومكث غير قليل ثم عاد إليه مرة أخرى وقال لغة اليهود: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأبيك الويل، إن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف. ثم هوى ابن عتيك على الصوت وقتله، ثم خرج مسرعاً يفتح الأبواب باباً باباً حتى وصل إلى الدرج وبينما هو ينزل وقع فانكسرت ساقه فعصبها بعمامة ثم جلس بجوار الباب ليتأكد من مقتل أبي رافع.

فلما صاح الديك قام الناعي ينعى أبا رافع، فخرج ابن عتيك إلى أصحابه وعادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح النبي على ساق ابن عتيق فشفيت.

وذكرت روايات أن ابن عتيك همّ بضرب امرأة أبي رافع بعد ما صاحت لكنه امتنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن قتل الصبيان والنساء.

ويذكر كتاب السير أن السرية كلها شاركت في قتل أبي نافع وأن كل واحد فيهم زعم أن ضربته كانت القاضية، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أسيافهم فنظر إليها ثم قال: هذا قتله وهو سيف عبد الله بن أنيس لأن سيفه به أثر الطعام من جوف أبي رافع.

هذه السرية كلها من الخزرج في إطار حرصهم على منافسة الأوس حين قتلوا كعب بن الأشرف، وقد كانوا يتسابقون لمرضاة الله ورسوله.

والملاحظة في هذه السرية أن عبد الله بن أنيس كان جندياً تحت إمرة ابن عتيك رغم أن أنيس من السابقين وله بطولات في الجهاد وهو الذي قتل سفيان خالد الهزلي، ولم يكن بين الصحابة غضاضة في تقدم أحدهم في القيادة أو تأخره في الجندية.

2-سرية عبد الله بن رواحة إلى اليسير بن رزام اليهودي

بعد مقتل سلام بن أبي الحقيق أصبح اليسير بن رزام أمير اليهود بخيبر وأخذ يجمع اليهود ويحرضهم على النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ تأديب غطفان.

لما تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من صحة المعلومات أرسل عبد الله بن رواحة في شوال 6 هـ في 30 من أصحابه إلى اليسير فقال له: أرسلني إليك رسول اله صلى الله عليه وسلم ليستعملك على خيبر.

فلم يزالوا به حتى خرج اليسير في 30 من اليهود مع سرية المسلمين مع كل رجل منهم رديف من المسلمين، وكان اليسير رديف عبد الله بن أنيس.

فلما وصلوا بموضع يقال له (قرقرة) ندم اليسير فأراد قتل أنيس، فهوى بيده ليأخذ سيف أنيس، ففطن أنيس فهاجمه ثم ضربه بالسيف فقطع رجله، وضربه اليسير بمقربة فشج وجه أنيس، وعندئذ مال كل مسلم علي رديفه من اليهود، فقتلوا كل اليهود عدا رجل أفلت على رجليه.

ولما عادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم تفل النبي على شجة أنيس فلم تقح ولم تؤذه.

دروس

كانت خطة النبي صلى الله عليه وسلم التحدث إلى اليسير لإيقاف نهر الدم لكن غدر اليسير أفسد الخطة فوقعت الدائرة عليهم.

ختام

شهد العام السادس الهجري تصعيداً عنيفاً في عمليات المواجهات فلم يكد يمر شهر دون سرية أو سريتين، وذلك بعد إعلان النبي صلى الله عليه وسلم عنوان المرحلة “الآن نغزوهم ولا يغزوننا” لتبدأ بعدها مرحلة جديدة تبدأ معالمها مع صلح الحديبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *