السبت , أبريل 20 2024

غزوة الأحزاب

نتناول في هذه المقالة غزوة الأحزاب من كتاب السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور على محمد الصلابي، باختصار وتصرف.  

ذات صلة:

banar_group

غزوة الأحزاب

أسباب الغزوة:

لما خرج اليهود من بني النضير إلى خيبر خططوا للانتقام من المسلمين وحرضوا القبائل العربية المختلفة، وتولي هذا الغرض وفداً يتكون من سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس الوائلي وأبي عمار.

نجح الوفد في مهمته، وقد وافقت قريش وغطفان، وقال وفد اليهود لقريش: إن دينكم خير من محمد وأنتم أولي بالحق منه.

وأبرم الوفد إتفاقية مع أعماء غطفان أن تخرج غطفان ب 6000 مقاتل مقابل تمر خيبر لسنة واحدة.

وبذلك أصبح جيش الأحزاب 10 آلاف (4 آلاف من قريش وأحلافها و6 آلاف من غطفان وأحلافها)

متابعة المسلمين للأحزاب (حفر الخندق)

حصل النبي صلى الله عليه وسلم على معلومات تلك التحركات فدعا إلى اجتماع عاجل لاتخاذ الإجراءات الدفاعية، فاقترح سلمان الفارسي حفر خندق لصد العدوان، فقال: يا رسول الله إنا إذا كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل خندقنا حولنا، فهل لك يا رسول أن تخندق؟  فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بالفكرة وشرعوا في تنفيذها.

فركب النبي فرسه مع نفر من أصحابه لمعاينة الأماكن التي سيتم حفرها وهي شمال المدينة وهو الجانب المكشوف حيث أن المدينة محاطة بجبلين ومن الخلف متلاصقة كالسور المنيع، أما الجنوب الشرقي وهو حي بني قريظة فهي متحالفة وكفيلة بتأمين ظهر المسلمين.

اهتمام النبي بالجبهة الداخلية:

1-أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع ذراري المسلمين ونسائهم وصبيانهم في حصن بني حارثة لتأمينهم، وبذلك لا ينشغل المقاتلون بذويهم.

2-شارك النبي صلي الله عليه وسلم العمل مع أصحابه، فقد كان ينقل التراب حتى وارى الغبار جلدة بطنه.

3-كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأثر بالمصاعب، فحين عانى أصحابه من شدة الجوع ثلاثاً ربط على بطنه حجراً، وحين وجد ما يسد به الرمق لم يستأثر بذلك دونهم.

4-رفع معنويات الجنود وإدخال السدود عليهم، فقد اقترن حفر الخندق بصعوبات جمة من البرد والريح الشديدة والجوع والخوف، فكان يرتجز بكلمات ابن رواحة مع أصحابه.

5-تقدير ظروف الجند والإذن لهم بالانصراف عند الحاجة.

6-تقسيم الصحابة إلى دوريات الحراسة على الخندق وحراسة نبيهم على مدار الوقت حتى إنهم استمروا ذات يوم من السحر إلى جوف الليل التالي، وفات المسلمون الصلوات الأربع لعجزهم عن التوقف لحظة واحدة.

اشتداد المحنة بالمسلمين:

لا نصر إلا بعد شدة ولا منحة إلا بعد محنة، وكلما اقترب النصر زاد البلاء والإمتحان وقد ازدادت محنة المسلمين في الخندق لأمور.

أولاً نقض بني قريظة للعهد:

استطاع اليهودي زعيم بني النضير أن يستدرج زعيم بني قريظة كعب بن أسد لينضم الأحزاب وينقض عهده على المسلمين.

لما سرت الشائعات بين المسلمين، أرسل النبي الزبير ليتأكد فقال: رأيتهم يصلحون حصونهم ويدربون (يمهدون) طرقهم، وقد جمعوا ماشيتهم، ثم أرسل النبي صلي الله عليه وسلم إلى اليهود سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير وقال لهم: انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هذا القوم أم لا؟ فإن كان حقاً فألحنوا لي لحناً أعرفه (أي كلام لا يعرفه أحد غيري) ولا تفتوا على أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.

فلما عاد قالوا: عضل والقارة (إشارة إلى خيانتهما).

وأرسل النبي صلي الله عليه وسلم سلمة بن أسلم في 200 رجل وزيد بن حارثة في 300 رجل يحرسون المدينة ويكبرون ليرهبوا بني قريظة.

فأرسلت بنو قريظة 20 بعيراً محملة تمراً وشعيراً وتيناً لإمداد الأحزاب إلا أن المسلمين استطاعوا مصادرتها واغتنامها.

ثانياً تشديد الحصار وانسحاب المنافقين:

زادت الأحزاب تشديد الحصار على المسلمين بعد انضمام بني قريظة، واشتد الكرب وتأزم الموقف وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وزلزل المؤمنون وكان ظن المؤمنين بالله قوياً.

أما المنافقون فقد انسحبوا، وازداد خوفهم، وقال قائلهم: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز قصري وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط.

وطلب بعضهم الإذن بالرجوع إلى بيوتهم بحجة أنها عورة فقد اتسموا بالجبن والإرجاف والتخذيل وانعدام الثقة بالله.

فتزايدت محاولات المشركين لاقتحام الخندق وأصبحت الخيل تطوف بأعداد كبيرة كل ليلة حول الخندق حتى الصباح.

حاول خالد بن الوليد مع مجموعة من فرسان قريش أن يقتحم الخندق في ناحية ضيقة منه ويأخذهم على حين غرة، لكن أسيد بن خضير في 200 من الصحابة يراقبون تحركاتهم.

وحصلت مناوشات استشهد فيها الصاحبي الطفيل بن النعمان علي يد وحشي طعنه بحربة أصابته في مقتل.

واستطاع حبان بن العرقة من المشركين أن يرمي سهماً أصاب سعد بن معاذ في أكحله (عرق في وسط الزراع إذا قطع لم يرقأ الدم) ورماه وهو يقول: خذها وأنا بن العرقة.

وقال سعد عندما أصيب: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إليّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، اللهم فإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.

ثم وجهه المشركون كتيبة غليظة على مقر النبي صلي الله عليه وسلم فقاتلهم المسلمون يوماً إلى الليل وشغلوا عن صلاة العصر فقال صلي الله عليه وسلم: ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس.

محاولات النبي تخفيف الحصار:

1-لما رأى النبي أن غطفان ما خرجت إلا لأجل المال وليس لهدف سياسي أو عقائدي اتصل بقائد غطفان وطلب مقابلتهم ليعرض عليهم عرضاً، فلم يترددوا فقد حضر القائدان الغطفانيان (عيينه بن حصن والحارث بن عوف) مع بعض أعوانهما وتفاوض معهما النبي صلى الله عليه وسلم على عقد أهم بنوده:

أ-الصلح مع غطفان منفردة من دون الأحزاب.

ب-توادع غطفان المسلمين وتتوقف عن أي عمل حربي ضدهم.

ج-تنسحب من الأحزاب.

ذ-يدفع المسلمون لغطفان مقابل ذلك ثلث ثمار المدينة (ويظهر أثر ذلك لمدة عام).

ووافق القائدان الغطفانيان على العرض، وقبل عقد الصلح شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال السعدان (بن معاذ – بن عباده): يا رسول الله أمراً تحبه فنصنعه أم شيئاً أول الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا؟

فقال: أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلاّ لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلي أمر ما.

فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا في ثمرة واحدة إلاّ قري أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟

ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلاّ السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.

فقال النبي صلي الله عليه وسلم ثم أخذ سعد بن معاذ الصحيفة ومحا ما فيها من كتاب ثم قال: ليجهدوا علينا.

إن موقف النبي إلي أمور فيها:

أ-البحث عن ثغرات القوي المعادية.

ب-تحييد من يستطيع تحييده مع مراعاة الفتوى والشورى والمصلحة.

وموقف الصحابة يؤكد على معانٍ:

أ-الشجاعة الأدبية في إبداء الرأي والمشورة.

ب-اتصال المسلمين بالله ورسوله وبالإسلام.

ج-امتلاء الروح المعنوية وقدرة على المواجهة بالصبر والرغبة وقهر العدو.

2-بث الخذلان في صفوف العدو:

ساق المولي إلي النبي صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود الغطفاني ليعلن إسلامه وقال: يا رسول الله إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت.

فقال صلي الله عليه وسلم إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة.

واستطاع نعيم زرع الشك بين الأحزاب فأغرى اليهود بطلب رهائن من قريش لئلا تدعهم وتنصرف عن الحصار، وقال لقريش: إن اليهود إنما تطلب الرهائن لتسليمها إلى المسلمين ثمناً لعودتها إلى صلحهم.

ونجحت دعاية نعيم أيما نجاح فانكسرت شوكة الأحزاب وهبطت عزيمتهم ومما ساعد علي نجاح نعيم أنه:

أ-أخفي إسلامه عن كل الأطراف فوثقوا به.

ب-ذكّر بني قريظة مصير بني قينقاع وبني النضير، فغيّر أفكارهم.

ج-أقنع كل طرف أن يكتم عما قال، فلم ينكشف أمره.

مجيء النصر:

أولا: تضرع النبي ونزول النصر:

كان رسول الله من كثير التضرع والدعاء والاستعانة بالله.

لما اشتد الكرب على المسلمين قالوا: يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال: نعم، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا.

وكان من دعائه: : اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم.

فأقبلت البشائر وزلزل الله أبدانهم وشتت جمعهم بالخلاف ثم الريح الباردة الشديدة، وكانت الريح معجزة فرغم أن المسلمين كانوا على مقربة من الكافرين لا يفصل بينهم سوي الخندق إلاّ أن الريح كانت بالاً على الكافرين فقط فقلعت الأوتار وقطعت الفساطيط (دون السرادق) وأطفأت النيران وأكفأت القدور، وجالت الخيول بعضها في بعض ونزل بهم الرعب.

وكان صلي الله عليه وسلم يقول: لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده.

فدعاء النبي واعتماده علي الله ثم مع التماس الأسباب البشرية حيث بذل الجهد لتفريق الأحزاب وفك الحصار.

ثانياً: تحري انصراف الأحزاب:

قال صلي الله عليه وسلم: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة.

وكرر ثلاث مرات، فلما لم يُجد أسلوب الترغيب لجأ لأسلوب الجزم والحزم فقال: قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ولا تذعرهم عليَّ.

فمضى حذيفة بن اليمان ودخل في المشركين وواتته فرصة سهلة لقتل أبي سفيان لكنه التزم بتوجيه النبي ولم يفعل، ولم يشعر بزمهرير البرد أثناء المهمة ثم أتى النبي وأخبره عزم قريش علي الرحيل فعاد شعوره بالبرد فألبسه النبي صلي الله عليه وسلم عباءة كان يصلي بها وتركه ينام حتى جاء وقت الصبح فأيقظه النبي صلى الله عليه وسلم ملاطفاً: قم يا نومان.

دروس وفوائد:

1-معرفة النبي صلى الله عليه وسلم لمعادن رجاله، فاختار الشخص المناسب للمهمة، حذيفة، شجاع، لبق، ذكي، خفيف الحركة، حسن التصرف في المآزق.

2-إنضباط حذيفة: لم يقتل أبي سفيان.

3-كرامات الأولياء: لم يشعر حذيفة بجو البرد أثناء تأديتة المهمة، فلما انتهي منها عاد شعوره بالبرد.

4-لطف النبي صلى الله عليه وسلم بحذيفة: إلباسه ثوبه صلي الله عليه وسلم، ومداعبته: قم يا نومان.

5-سرعة بديهة حذيفة:

كانت الأجواء مظلمة وقد خشي أبو سفيان وجود جواسيس فقال: ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه.

فأسرع حذيفة وضرب علي يد من على يمينه وقال: من أنت؟ فقال: معاوية بن أبي سفيان، ثم ضرب علي يد من على شماله وقال: من أنت قال: عمرو بن العاص.

نتائج غزوة الأحزاب:

-انتصار المؤمنين، انهزام الأعداء وتفرقهم ورجوعهم مدحورين قد خابت أمانيهم وآمالهم.

-تغير الموقف لصالح المؤمنين من الدفاع إلى الهجوم فقال صلي الله عليه وسلم: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم.

-كشفت حقد بني قريظة وتربصهم ونقضهم العهد.

-كشف صدق إيمان المسلمين وحقيقة المنافقين ويهود بني قريظة فكان الابتلاء تمحيصاً.

-حدوث غزوة بني قريظة.

غزوة بني قريظة:

بعد عودة النبي صلي الله عليه وسلم من الخندق ووضعه السلاح، أمر الله نبيه بقتال بني قريظة فجبريل والملائكة متأهبون ليزلزلوا حصونهم، فأمر النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه: لا يصلين أحدكم العصر إلاّ في بني قريظة، وضرب المسلمون الحصار 25 يوماً.

ولما أرادت بني قريظة الاستسلام والنزول اشترطوا أن يُحكم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم حليفهم سعد بن معاذ ظناً أن معاذ سيرأف بهم.

فلما جيء بسعد محمولاً من إصابته قال: تقتل المقاتلة وتسير النساء وتقسم الأموال. فقال صلي الله عليه وسلم: قضيت بحكم الله.

وتم إعدام 400 مقاتل في سوق المدينة حيث حوت أخاديد وقتلوا مجموعات، ونجت مجموعة قليلة جداً دخلت في الإسلام.

وكان جزاء بني قريظة جزاء عادلاً على غدرهم، ومن جنس عملهم حيث عرضوا أرواح المسلمين للقتل وأموالهم للنصب ونسائهم وجواريهم للسبي فكان جزاءً وفاقاً.

ولم تقتل من نساء بني قريظة إلاّ امرأة واحدة كانت قد قتلت صحابي طرحت الرحا عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *