نبي الله زكريا عليه السلام، هو من نسل سليمان عليه السلام، وعاش مع زوجته يسارعون في الخيرات، ويدعون الله رغباً ورهباً، وكانوا خاشعين، وهبه الله ولداً على الكبر رغم أن امرأته كانت عجوزاً عاقراً، فاستجاب الله لدعائه ورزقه يحي الذي آتاه الله النبوة منذ صباه، فكانت النبوة في زكريا ويحيى.
كان زكريا نجاراً يعمل بيده ويأكل من كسبها، وكان من خدام بيت المقدس، وكان قد كفل مريم بنت عمران، فكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير إبانها ولا في أوانها وهذه من كرامات الأولياء، فسألها: يا مريم، أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فعلم أن الرزاق للشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولداً وإن كان قد طعن في سنه.
قام زكريا من الليل يصلي في محرابه، فنادى ربه مناداة أسرها عمن كان حاضراً عنده فقال: يا رب يا رب يا رب. فقال الله: لبيك لبيك لبيك. فقال: رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً، يارب إني أخاف انحراف الموالي من بعد موتي، وأنا ليس لي وريث يحمل شرعك ونبوة آل يعقوب ويأخذ بأيدي الناس، اللهم فاجعل لي ولياً تقياً مرضياً يرثني ويرث من آل يعقوب، رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء.
زكريا ويحيى
فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بغلام اسمه يحي، وهو اسم لم يطلق على أحد من قبل، وأن هذا الغلام مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين.
فرح زكريا بالبشرى وتساءل متعجباً: رب كيف يكون لي غلام وامرأتي عاقر لا تلد، وقد بلغت من الكبر عتياً!
قالت الملائكة: كذلك قال ربك، يفعل ما يشاء سبحانه، وهذا الأمر هين على الله، فقد خلقك من قبل ولم تك شيئاً.
وهكذا استجاب الله لنداء زكريا وبشره بيحي وأصلح له زوجته للحمل والولادة، فقال زكريا: رب اجعل لي علامة أعرف منها أن امرأتي قد حملت مني الولد. فقال الله: آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار. وحين حان الوقت اعترى زكريا السكوت فلم يستطع النطق بحديث مع الناس رغم أنه كان صحيحاً سوياً ليس به مرض، لكن لديه القدرة على الذكر والتسبيح، فراح يذكر الله كثيراً ويسبح في الصباح والمساء كما أمره الله، ولما خرج على قومه من المحراب استخدم أسلوب الإشارة والرموز بدل الكلام وراح يأمرهم بذكر الله صباحاً ومساءً بدون كلام لمده ثلاثة أيام.
ولد يحي ابن زكريا، ولما بلغ الصبي، أعطاه الله النبوة وهو صبي، وأمره الله أن يأخذ كتاب الله بقوة، وكانت النبوة المبكرة ليحيى رحمة من الله ومحبة وتطهيراً له من النقائص، فقد كان يحي تقياً وباراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً، ومن كرامات الله له أن جعل يوم ميلاده ويوم وفاته ويوم بعثه سلاماً عليه.
قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب. فقال: ما للعب خلقنا.
فقد زكريا ابنه يحيى ثلاثة أيام فخرج يلتمسه في البرية فإذا هو قد احتفر قبراً وأقام فيه يبكي على نفسه، فقال يا بني أنا أطلبك من ثلاثة أيام وأنت في قبر قد احتفرته قائم تبكي فيه؟ فقال: يا أبت ألست أنت أخبرتني أن بين الجنة والنار مفازة لا تقطع إلا بدموع البكائين. فقال له: ابك يا بني. فبكيا جميعاً.
أمر الله يحيى بخمس كلمات، أن يعمل بهن ويأمر بها بني إسرائيل، وكاد أن يبطئ فقال له عيسى عليه السلام: إما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن. فقال: يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي. فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وأمركم أن تعملوا بهن. وأولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، فإن مثل ذلك مثل من اشترى عبداً من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك، وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً.
وتابع يحي: وآمركم بالصلاة فإن الله ينصب وجهه قبل عبده مالم يلتفت فإن صليتم فلا تلتفتوا. وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك، وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فشدوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: هل لكم أن أفتدي نفسي منكم فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيراً، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في إثره فأتى حصناً حصيناً فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل.
وكان ملك دمشق قد أراد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا تحل له، فعلم يحي ونهاه عن ذلك، لكن الملك لم يسمع له وتزوج، فطلبت منه زوجته رأس يحي، فبعث الملك من قتل يحي وجاء برأسه في طست وقدم رأسه لزوجة الملك، فهلكت المرأة من فورها. وقيلت روايات أخرى عن قتل يحي عليه السلام.
تابع أيضاً:
- قصة زكريا ويحيى عليهما السلام | مختصر ابن كثير
- قصة عيسى بن مريم عليه السلام (ج1) | مختصر ابن كثير
- قصة عيسى بن مريم عليه السلام (ج2) | مختصر ابن كثير
- قصة عيسى بن مريم عليه السلام (ج3) | مختصر ابن كثير