الجمعة , أبريل 26 2024

قصة إبراهيم عليه السلام (ج2) | مختصر ابن كثير

نواصل قصة نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام، ومناظرته لعبدة الكواكب، وذبحه لابنه، وبناء الكعبة.

إبراهيم يدعو عبدة الكواكب

تزوج إبراهيم عليه السلام “سارة”، وقرر الهجرة في سبيل الله، وانطلق نحو بلاد الشام حيث الأرض المقدسة (بلاد بيت المقدس) ومعه ابن أخيه “لوط” الذي آمن معه، ونزل إبراهيم بأرض كان أهلها يعبدون الكواكب، وينظمون لها الأعياد والقرابين.

قرر ابراهيم أن يدعو هؤلاء القوم إلى الله، ورتب حيلة ذكية لإقناع القوم أن هذه الأجرام والكواكب لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل، لأنها مخلوقة ومُسخّرة.

فلما جاء الليل وظهر في السماء كوكباً لامعاً، قال أمام القوم: هذا ربي. وفعل مثلما يفعل القوم الذين يختارون ما يعبدونه، وحين اختفى الكوكب قال إبراهيم: لقد اختفى ربي، لماذ يختفي؟ أنا لا أحب هذا الكوكب، لأنه اختفي عني، وأنا لا أحب الآفلين. والقوم يتابعون إبراهيم وسلامة حجته.

ولما بزغ القمر وأصبح منيراً صاح ابراهيم: هذا ربي، لقد اخترت هذا القمر ليكون ربي، إنه أكبر من الكوكب السابق، وضوءه منير. فلما أفل قال إبراهيم: أين ذهب ربي؟ لماذا اختفي؟ إنه لا يصلح أن يكون رباً، أين أنت ياربي، اهدني إليك، ودلني عليك، لو تركتني هكذا لأكونن من القوم الضالين.

ولما بزغت الشمس وسطع ضوؤها، قال ابراهيم: هذا ربي، هو أكبر من الكواكب وأكبر من القمر، وينبغي لربي أن يكون أكبر من كل شيء، وضوءه أقوى، وينبغي لربي أن يكون الأقوى والأقدر من كل شيء.

فلما غربت الشمس، توجه ابراهيم لقومه قائلاً: الشمس ليست ربي، لأنها اختفت، وما ينبغي للشمس ولا للقمر ولا للكواكب أن تكون آلهة، إن ربي هو الذي خلق هذه الكواكب والنجوم، وهو الذي يجعلها تتتابع في الليل والنهار، إن ربي هو الله الذي خلق السماوات والأرض، إنه لمن الضلال أن يترك العبد عبادة الله الخالق ويعبد الكواكب والنجوم المخلوقة، يا قومي إني وجهت وجهي للخالق العظيم، الله جل في علاه.

تعجب القوم من قول ابراهيم، وقالوا: ما هذا الذي تقوله يا إبراهيم، احذر أن تصيبك النجوم بالضرر، فإنها آلهتنا، ألا تخاف منها؟

قال إبراهيم: يا قوم، الليل والنهار والشمس والقمر هي آيات من عند الله، فلا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن، وهذه الكواكب والنجوم لا تملك عليكم سلطاناً، فهى لا تسمع أو تبصر، وأنا لا أخاف مما تشركون به، وإنني برئ من عبادتها.

قالوا: يا ابراهيم، أنت تعرض نفسك للخطر والضرر، وستصيبك الآلهة باللعنة، فلن تشعر بالأمان في عيشك

قال إبراهيم: أتحاجونني في الله وقد هداني الطريق الصحيح؟ ألم تعلموا أن الله وسع كل شيء علماً، وهو يرانا ويسمعنا، فأي منا أحق بالأمن وأي منا أحق بالخوف والعذاب، إن الذين آمنوا بالله وحده ولم يلبسوا إيمانهم بالشرك وعبادة غير الله فهؤلاء هم الأحق بالأمن والرحمة والفوز برضوان الله ونعيمه.

ولم يستطع القوم الرد على حجة ابراهيم عليه السلام الذي رزقه الله حسن الحجة والمنطق، لكن الله يرفع درجات من يشاء من عبادة إنه حكيم عليم.

إبراهيم في زيارة إلى مصر

ذهب ابراهيم عليه السلام في زيارة إلى مصر، ومعه زوجته سارة، وكانت ذات جمال لافت، فوصل الأمر إلى ملك مصر أن امرأة حسناء دخلت مصر ومعها رجل، فقال الملك: أحضروها لي، واسألوا عن الرجل، فإن كان زوجها فاقتلوه، فلما سألوا إبراهيم قال: إنها أختي.

وأراد الملك أن يتخذ “سارة” لنفسه، وقد دعت الله أن يحميها ويحفظها، فكان كلما اقترب منها، توقفت أطرافه، فلما تكرر الأمر، خاف منها ورجاها أن تعيد له أطرافه كما كانت سالمة على أن يمنحها الكثير من الهدايا والعطايا، فدعت الله، فخرج من عندها قائلاً: لقد أتيتم لي بشيطانة. ثم نفذ ما وعد به، وأعطاها جارية تسمى “هاجر” كما أعطاها الهدايا الكثيرة.

وعاد ابراهيم مع زوجته “سارة” وجاريتها “هاجر” إلى الأرض المقدسة مرة أخرى، بعدما تعرض لبلاء في أهل بيته، لكن الله حفظها له، فهى من الصديقات.

ميلاد إسماعيل والهجرة إلى مكة

كانت “سارة” زوجة ابراهيم عقيمة لا تلد، فقالت لزوجها: إنني أهديك جاريتي لتمنحك الولد. وحملت “هاجر” وولدت “إسماعيل” وقد جعله الله نبياً، لكن الغيرة دبت في نفس “سارة” وبدأت تغار من “هاجر”، فطلبت من إبراهيم ألا تجتمع معها في مكانها.

أخذ إبراهيم “هاجر” ومعها طفلها الرضيع “إسماعيل” وسافر بهما إلى واد غير ذي زرع، والذي أوحى الله إليه أنه موضع بيت الله المحرم، وهو موضع مكة الآن، فلما تركها وهمّ بالانصراف، قالت هاجر: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا هاهنا، وليس معنا ما يكفينا؟ فلم يجبها، فلما ألحت عليه لم يجبها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت فإذاً لا يضيّعنا.

انطلق ابراهيم ثم رفع يديه وقال: ربنا إنني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون.

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات.

ثم تسمعت فسمعت، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضُه، وتغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.

فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن هاهنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله.

ومر قوم في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء. وانطلقوا ووصلوا إلى أم إسماعيل، وقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حقَّ لكم في الماء عندنا. قالوا: نعم.

ونزل القوم وكانوا أفصح العرب، وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، واستقروا، وشبَّ إسماعيل بينهم وتعلّم العربية.

إسماعيل الذبيح

بلغ إسماعيل السعي، وشب مع والده وأصبح خير وزير ومعين لأبيه في الوقت الذي أصبح فيه إبراهيم طاعناً في السن، وازدادت حاجته لابنه، وكان الابن الوحيد لنبي الله ابراهيم حتى هذا الوقت، ورأي ابراهيم في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد، أي يقدمه قرباناً لله، ورؤيا الأنبياء حق، وكان ابتلاءً جديداً من الله لخليله إبراهيم، فنادي على ابنه وقال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى؟

الأمر يبدو غريباً، لكنه لم يكن مستغرباً عند الأنبياء، الذين أسلموا أنفسهم وأرواحهم لله، وقدموا طاعة الله على هوى أنفسهم، قال إسماعيل: يا أبتي افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين.

كان إسماعيل، نعم العبد الحليم، استسلم لأمر الله كما والده، فلما أسلما، وعزما على تنفيذ أمر الله، أحضر إبراهيم سكيناً، ووجه جبين إسماعيل إلى الأرض ليذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال ذبحه، وسمى إبراهيم وكبر، وتشهد إسماعيل للموت، ونزل إبراهيم بالسكين فلم تقطع، وإذا به بنداء الله: ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا، واستسلمت لأمر الله، وفدينا ابنك بذبح عظيم، وجئ لإبراهيم بكبش أبيض أعين أقرن، فذبحه إبراهيم.

إبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة

قال إبراهيم لولده إسماعيل: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك به ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً للطائفين والقائمين والركع السجود، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها.

ورفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، ويقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

ولما ارتفع البناء، جاء بالحجر الأسود ووضعه، فكان البيت هو أول مسجد وضع لعموم الناس في الأرض، وكان مباركاً وهدى للعالمين، وجعل الله فيه آيات واضحة، ففيه مقام إبراهيم وهي الحجارة التي كان يقف عليها إبراهيم أثناء رفع البناء، وتركت آثار قدمه حافياً ليرى الناس من بعده هذا الأثر، وكتب الله الأمان لكل من دخل هذا البيت، وكتب على الناس في كل جيل أن يحجوا إلى هذا البيت ما استطاعوا.

الملائكة في زيارة لإبراهيم

كان إبراهيم عليه السلام قد أرسل لوطاً إلى قوم فشت فيهم الفاحشة بين الرجال وبعضهم، ولما لم يستجيبوا لنبي الله لوط، كتب الله عليهم الهلاك.

جاء وفد من الملائكة في هيئة رجال بهيئة حسنة إلى بيت إبراهيم عليه السلام وزوجته “سارة”، وألقوا السلام على آل إبراهيم، فاستقبلهم وذبح لهم الذبائح إكراماً للضيوف، وقد ظنهم غرباء، وكان من عادة إبراهيم –والعرب عامة- إكرام الضيف.

قدم إبراهيم الطعام إلى الوفد، وكانت زوجته “سارة” قائمة على إعداد وتجهيز هذا الطعام، لكن الضيوف لم يمدوا أيديهم نحو الطعام، فالملائكة لا تأكل، فأوجس في نفس إبراهيم خيفة من هؤلاء، فقد كان من عادة العرب أن الضيوف الذين لا يأكلون معناه أنهم يبطنون أمر سوء، وتوجست كذلك زوجته “سارة”.

قال الملائكة: لا تخف يا إبراهيم فنحن رسل ربك، ولسنا ضيوفاً، جئنا نخبرك بأن الله قد كتب العذاب على القوم المجرمين الذين عصوا لوطاً ورفضوا دعوته، وأن الله سيدمر القرية عليهم.

قال إبراهيم: إن فيها لوطاً

قالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله، إلا امرأته كانت من الغابرين

سمعت زوجة إبراهيم “سارة” مقالة الملائكة، فضحكت عجباً مما رأت، واستبشاراً بهلاك المجرمين

قالت الملائكة: يا سارة، إن الله يبشرك أنك ستلدي ولداً يكون نبياً يسمى إسحاق ومن بعده نبي آخر وهو يعقوب.

صكت سارة وجهها وقالت: يا ويلتى أألد وأنا عجوز عقيم، وهذا زوجي شيخاً كبيراً، إن هذا لشئ عجيب!

قالت الملائكة: أتعجبين من أمر الله، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد.

إبراهيم خليل الله

وصف الله إبراهيم عليه السلام أنه حليم أواه منيب، وأنه إبراهيم الذي وفّى بكل ما أمره الله به، واتخذه الله خليلاً، واستجاب الله لدعاءه أن يجعله إماماً للمتقين، يقتدون به، ويأتمون بهديه، وجعل الله بقية الأنبياء في الأرض من نسل إبراهيم عليه السلام، فكان أبو الأنبياء.

وصى إبراهيم بنيه من بعده قائلاً: يا بَني إن الله اصطفى لكم الدين، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

اصطفى الله إبراهيم، وأمر باقتفاء أثره واتباع ملته، وشرع للنبي محمد الدين الحنيف الذي شرعه للخليل إبراهيم، وكمله، وأمر الله نبيه محمداً أن يتبع ملة جده إبراهيم.

 

 

قصص الأنبياء

تابع أيضاً:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *