موقع اسكتشات فنون سمعية وبصرية
تتناول هذه المقالة مرحلة الدعوة السرية في رحلة السيرة النبوية من كتاب السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور محمد علي الصلابي باختصار وتصرف.
قد تهمك:
- أهمية دراسة السيرة النبوية | د. علي الصلابي
- الحضارات السائدة ودياناتها قبل البعثة النبوية
- أصول العرب وحضارتهم وأحوالهم
- أهم الأحداث قبل المولد النبوي
- من المولد النبوي إلى حلف الفضول
- تجارته وزواجه وأهم الأحداث إلى البعثة
الدعوة السرية
الأمر الرباني بتبليغ الرسالة:
بعدما أدرك النبي (صلي الله عليه وسلم) يقيناً أنه نبي، وجاءه جبريل للمرة الثانية، وأنزل الله علي نبيه ” يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر” المدثر 1-4، كان ذلك إيذاناً ببدء العمل، واليقظة بعد النوم، والإنذار والإعذار.
وهذه الآيات هي خلاصة الدعوة المحمدية والحقائق الإسلامية التي يبني عليه الإسلام كله، وهي الوحدانية والإيمان باليوم الآخر، وتطهير النفوس، ودفع الفساد عن الجماعة وجلب المنفعة.
- يا أيها المدثر: نداء متلطف من لتوديع النوم والراحة.
- قم فأنذر: قم في عزيمة وقوة لتبليغ الرسالة والإنذار.
- وربك فكبر: لا تعظم شيئاً من أمور الخلق ولا تتهيب إلاّ ربك، فكل تعظيم وتكبير وإجلال له وحده.
- وثيابك فطهر: اهتم بطهارة الثياب وحسن المظهر.
- والرجز فاهجر: تجنب الآثام التي توجب العقاب.
بدء الدعوة السرية:
1-إسلام خديجة رضي الله عنها:
بدأ النبي دعوته بأهل بيته وأصدقائه وأقرب الناس إليه.
وكانت خديجة أول من آمن من النساء، وأول من آمن بالنبي (صلي الله عليه وسلم) على الإطلاق، وكانت أول من تلي القرآن، وأول من تعلم الصلاة.
2-إسلام على بن أبي طالب:
هو أول من آمن من الصبيان، وعمره 10 أعوام (على الأرجح) وهو ثالث من أقام الصلاة بعد النبي وزوجته، وقد نشأ على في بيت النبي (صلي الله عليه وسلم).
3-إسلام زيد بن حارثة:
أول من آمن من الموالي، وهو حب النبي (صلي الله عليه وسلم) ومولاه ومتبناه (قبل تحريم التبني).
4-إسلام بنات النبي:
أسلمت كل بنات النبي (صلي الله عليه وسلم) (زينب وأم كلثوم وفاطمة ورقية) واستجبن لدعوة أبيهن، وتأثرن بأمهن خديجة، فأصبح بيت النبي هو أول أسرة مؤمنة، وحاز بشرف الأسبقية.
فقد كان بيت النبي أول بيت:
– تلي فيه الوحي بعد غار حراء.
– ضم أسبق المؤمنين إلي الإسلام.
– أقيمت فيه الصلاة.
– تعاهدت بالنصرة ولم يتقاعس فيه فرد عن مساندة الدعوة.
فهو البيت القدوة والأنموذج الذي نسير على هديه في المعاشرة والصدق والتصديق والاستجابة والعمل.
فالأسرة هي الوسيط بين الفرد والمجتمع، وإذا كان الوسط سليماً قوياً، أمد الفرد والمجتمع بالسلامة والقوة.
والأسرة هي الحلقة القوية في بناء المجتمع الإسلام والدولة الإسلامية التي تسعي لصناعة الحضارة الربانية في عالم الناس.
5-إسلام أبو بكر الصديق:
أول من آمن من الرجال الأحرار الأشراف، كان إسلامه إسلام أمة، فهو في قريش في موقع العين (أي تحت أضواء قريش).
وكان أبو بكر:
– رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً.
– أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها وبما فيه من خير وشر.
– رجلاً تاجراً.
– ذا خلق معروف.
– وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه، لغير الواحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.
كان أبو بكر كنزاً ادخره الله لنبيه، فهو من الذين يألفون ويؤلفون، وهو أعلم الناس بأنسابها، وأعلمها بتاريخها، ولذلك كانت الطبقة المثقفة والشباب يرتادون مجالسه، وكان من أشهر تجار مكة، فكانت طبقة رجال الأعمال والمال من رواد مجالسه، وكان كريماً مضيافاً، فكانت كافة طبقات المجتمع تجد حظها عنده.
كان لأبي بكر رصيداً أدبياً وعلمياً واجتماعياً عظيماً، ولذلك عندما تحرك، استجاب له صفوة من خير الخلق وهم:
- عثمان بن عفان (34 عاماً)
- عبد الرحمن بن عوف (30 عاماً)
- سعد بن أبي وقاص (17 عاماً)
- الزبير بن العوام (12 عاماً)
- طلحة بن عبيد الله (13 عاماً)
كان هؤلاء الأبطال الخمسة أول ثمار أبي بكر، فكانوا الدعامات الأولي التي قام عليها صرح الدعوة، وتتابع الناس يدخلون في دين الله.
كان تحرك أبي بكر عن قناعة ويقين بلا أي ريب، ولم تكن مجرد حركة عاطفية أو مؤقتة سرعان ما تذبل وتزول، فقد بقي على نشاطه وحماسته حتى توفاه الله.
6-الدفعة الثانية (12 مسلم)
- أبو عبيدة بن الجراح
- أبو سلمة عبد الله بن مخزوم
- الأرقم بن أبي الأرقم
- عثمان بن مظعون
- عبيدة بن الحارث
- سعيد بن ذيد
- قدامة بن مظعون
- عبد الله بن مظعون
- فاطمة بنت الخطاب
- أسماء بنت أبي بكر
- عائشة بنت أبي بكر
- خباب بن الأرت
7-الدفعة الثالثة (40 مسلم)
ويقدرون بأكثر من 40 فرد، منهم عبد الله بن مسعود، وجعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس، وعامر بن فهيرة، وعمار بن ياسر، وصهيب بن سنان (الرومي)، وبلال بن رباح (الحبشي)، وأبو ذر الغفاري وأخوه وأمه.
ملاحظات:
- الملاحظ من الأسماء أن السابقين الأولين كانوا خيرة أقوامهم وليس من حثالة الناس أو الأرقاء والمستضعفين كما ذكر الباحثين بالخطأ، فالحقيقة أن عدد الموالي والأرقاء من مختلف الأعجام كانوا 13 فرد ولم يكونوا أكثرية.
- إن الذين أسلموا لم يسلموا بدافع الطبقية أو التخلص من الرق، ولكنهم آمنوا لأنه الحق، وكان أغلب السابقين من كرام القوم وأصحاب النفوس الطيبة والعقول النيرة والقلوب الطاهرة.
وكان من سادة القوم وأشرافهم:
خديجة – أبو بكر – علي – عثمان – الزبير – عبد الرحمن – طلحة – أبو عبيدة – أبو سلمة – الأرقم – ابن مظعون – سعيد – عبد الله بن جحش – جعفر – سعد – فاطمة – خالد بن سعيد – أبو حذيفة بن عتبة – وغيرهم.
استمرار النبي (صلي الله عليه وسلم) في الدعوة:
استمرت الدعوة لكن مع السرية التامة، فكانت الدعوة فيها صعوبات ومشقات في تحركه (صلي الله عليه وسلم) ومن معه، فلا يخاطبون إلاّ من يأمنون شره، وكانت خطوات الدعوة بطيئة وحذرة، وتتطلب التلقي من النبي كما تتطلب تنفيذ تكليفات كالصلاة ودراسة القرآن، فكانوا يتخفون في الشعب والأودية إذا أرادوا الصلاة.
- الحس الأمني:
كان النبي (صلي الله عليه وسلم) يأمر أصحابه بالسرية والكتمان، وقسمهم مجموعات صغيرة من اثنين أو ثلاثة يجتمعون سراً لتعلم الإسلام وما أنزل من القرآن، وكانت التربية تركز علي العقيدة والعبادة والأخلاق والحس الأمني وغيرها.
كان النبي (صلي الله عليه وسلم) يشرف علي تربية أصحابه وتنظيمهم في مجموعات ففاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد مع نعيم بن عدي، كان معلمهم هو الخباب بن الأرت.
وكان اشتغالهم بالقرآن لا يقصر علي تجويد تلاوته ومخارج حروفه ولا الاستكثار من سرده أو الإسراع في تلاوته، بل كان همهم دراسته وفهمه ومعرفة أمره ونهيه والعمل به.
- دار الأرقم (مقر القيادة):
كان النبي (صلي الله عليه وسلم) يهتم بالتخطيط المنظم، وكانت الدعوة تتطلب اللقاء بقيادة هذه الدعوة، وبيت خديجة لا يتسع لكثرة الأتباع، فوقع اختيار النبي (صلي الله عليه وسلم) علي بيت الأرقم بن أبي الأرقم ليكون مقراً يلتقي به مع من آمن، ويتميز أنه في مكان بعدي عن الأنظار.
كان البيت هو المقر الذي تتم فيه اللقاءات الدورية المنظمة بين القائد وأتباعه، فهو خير وسيلة للتربية العملية والنظرية وبناء الشخصية القيادية وإعدادها لبناء الدولة وحمل الدعوة وقيادة الأمة.
ولو أن الإسلام مجرد دعوة عامة وإبلاغ عام، لما احتاج النبي (صلي الله عليه وسلم) لكل هذا الجهد، ويكفيه التحدث عن الكعبة حيث منتدي قريش، ولكن الرسالة أكبر وأعمق من ذلك.
أصبحت دار الأرقم مركزاً للدعوة، يتجمع فيه المسلمون بسرية ويتلقون من النبي (صلي الله عليه وسلم) جديد الوحي، ويربيهم علي عينه.
