علوم القرآن هي العلوم التي تتناول ما يتعلق بالقرآن الكريم من أسباب النزول، وجمع القرآن وترتيبه، ومعرفة المكي والمدني، وغير ذلك من ما له صلة بالقرآن الكريم، ونتناول هنا قصة جمع القرآن الكريم.
قد يهمك:
قصة جمع القرآن الكريم
قرر الله تعالى حفظ القرآن الكريم إلى قيام الساعة..
“إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ”.
الحجر 9
وقد أنزل الله القرآن الكريم في ليلة القدر في شهر رمضان..
“إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ”.
القدر 1
“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ”.
البقرة 185
ونزل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مفرقاً في 23 سنة،
فقد كان ينزل بحسب الحاجة وبنحو 5 آيات أو 10 آيات أو أكثر أو أقل.
“وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا “.
الإسراء 106
وقد نزل القرآن مفرقاً ليثبت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، ويجيب على أسئلة السائلين، ويسهل حفظه وفهمه، ويراعي التدرج في التشريع.
ليلة القدر وتفريق القرآن:
لكن كيف يستوي القول بنزول القرآن في ليلة القدر والقول بأنه نزل في ثلاث وعشرين عام؟
للعلماء في ذلك رأيان:
1- أن القرآن نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك مفرقاً أو منجماً في ثلاث وعشرين سنة، وهذا رأي ابن عباس وجماعته وعليه جمهور العلماء.
2- أن القرآن بدأ نزوله في ليلة القدر، ثم تتابع على مدار حياة النبي صلى الله عليه وسلم حسب الوقائع والأحداث.
وهذا هو ما روي عن عامر بن شرحبيل (الشعبي) وهو من كبار التابعين.
مراحل جمع القرآن:
نزلت الكتب السماوية السابقة على أنبيائها جملة واحدة، أما القرآن الكريم فقد نزل منجماً أو مفرقاً على مدار 23 عاماً، ثم تم جمع القرآن الكريم كاملاً على ثلاثة أشكال للجمع:
1- العهد النبوي:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أول الحفاظ حيث تولى الله تعالى جمع القرآن في صدر النبي صلى الله عليه وسلم.
“إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ”.
وكانت الآية تنزل مفردة أو تنزل آيات متعددة، فيحفظها النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلم موضع الآيات وترتيبها من السورة، حتى إذا اكتمل الوحي في العام الأخير عرض جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كاملاً مرتباً مرتين.
وقد حفظ القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم جمع غفير من الصحابة، ومنهم من حفظ القرآن كاملاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منهم سبعة وردوا في البخاري:
1- عبد الله بن مسعود.
2- سالم بن معقل مولى أبي حذيفة.
3- معاذ بن جبل.
4- أبي بن كعب.
5- زيد بن ثابت.
6- أبو زيد بن السكن (قيس بن السكن).
7- أبو الدرداء.
ومن الحفظة القراء من المهاجرين:
1- أبو بكر الصديق.
2- عمر بن الخطاب.
3- عثمان بن عفان.
4- علي بن أبي طالب.
5- طلحة بن عبيد الله.
6- سعد بن أبي وقاص.
7- حذيفة بن اليمان.
8- أبو هريرة.
9- عبد الله بن السائب.
10- عبد الله بن عباس.
11- عبد الله بن عمر.
12- عبد الله بن عمرو بن العاص.
13- عبد الله بن الزبير.
14- عائشة.
15- حفصة.
16- أم سلمة.
ومن الحفظة القراء من الأنصار:
1- عبادة بن الصامت.
2- مجمع بن جارية.
3- فضالة بن عبيد.
4- مسلمة بن مخلد.
وقد كتب القرآن الكريم في العهد النبوي مفرق الآيات والسور، أو مرتب الآيات فقط، وكل سورة في صحيفة على حدة، بالأحرف السبعة الواردة (اللهجات السبع).
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ كتاباً للوحي، تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها، ويرشدهم لموقعها من سورتها.
ومن هؤلاء الكتبة:
1- علي بن أبي طالب.
2- معاوية بن أبي سفيان.
3- أبي بن كعب.
4- زيد بن ثابت.
وكانت الكتابة بها مشقة، فقد كانوا يكتبون بأدوات ليست يسيرة، هذه الأدوات هي:
1- العسب: هو جريد النخل، كان يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض منه.
2- اللخاف: جمع لخفة، وهي صفائح الحجارة.
3- الكرانيف: جمع كرنافة، وهي أصول السعف الغلاظ.
4- الرقاع: جمع رقعة، وقد تكون من جلد أو رق.
5- الأقتاب: جمع قتب، وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
6- قطع الأديم.
7- الأكتاف: جمع كتف، وهو عظم بعير أو شاة، إذا جف كتبوا عليه.
وكان الصحابة يعرضون على النبي صلى الله عليه وسلم ما لديهم من القرآن حفظاً وكتابة كذلك.
ولم تكن هذه الكتابة مجتمعة في مصحف عام، بل عند هذا ما ليس عند ذاك.
وكتابة آيات القرآن لم يكن ترتيبها بترتيب النزول، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى موضع الآية بين آية كذا وآية كذا في سورة كذا حتى اكتمل القرآن.
إذاً ترتيب الآيات في كل سورة توقيفي من جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة، أما ترتيب السور فقيل إنه توقيفي تولاه النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر به من جبريل عن ربه، وقيل إن ترتيب السور اجتهاد من الصحابة بدليل اختلاف مصاحفهم، إلا أن ترتيب المصحف الإمام الذي جمعه عثمان لاحقاً تم بإجماع الصحابة.
وبهذا فإن القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع حفظاً وكتابة وهذا هو الجمع الأول.
2- عهد أبي بكر:
في معركة اليمامة ضد المرتدين عام 12 هـ استشهد 70 قارئاً من قراء الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب، فأشار على الخليفة أبي بكر الصديق بجمع القرآن خشية الضياع.
نفر أبو بكر أول الأمر، وكبر عليه أن يفعل ما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، لكن عمر ظل يراوده حتى شرح صدر أبي بكر.
أرسل أبو بكر إلى زيد بن ثابت لمكانة في القراءة والكتابة والفهم والعقل، ولأنه شهد العرضة الأخيرة على النبي صلى الله عليه وسلم.
عرض أبو بكر الأمر على زيد، فنفر زيد أول الأمر كما أبي بكر، ثم شرح الله صدره وبدأ مهمته الشاقة لجمع القرآن.
جمع زيد ما في الصدور وما هو مكتوب لدى الكتبة، وجمع في مصحف عام كامل لأول مرة.
وقد حفظ المصحف عند أبي بكر، فلما توفي صار إلى عمر فلما مات صار أم المؤمنين حفصة.
وبهذا أصبح أبو بكر الصديق أول من جمع القرآن الكريم في مصحف واحد مشتملاً على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وهذا هو الجمع الثاني للقرآن.
وقد نال هذا المصحف الحظ الأوفر من التحري والدقة والجمع والترتيب، ويرى العلماء أن تسمية المصحف نشأت منذ ذلك الحين.
3- عهد عثمان:
اتسعت الفتوحات، وتفرق القراء في الأمصار، وأخذ كل مصر القرآن ممن وفد إليهم، ووفقاً لوجه من أوجه القراءة أو حرف من الأحرف السبعة.
وفي غزوة أرمينية وغزوة أذربيجان من أهل العراق، رأى حذيفة بن اليمان المسلمين يتنزعون في أوجه القراءة، وكفر بعضهم بعضاً، ولا يدرون أن قراءتهم كلها صحيحة، ولا يدرون أن القرآن الكريم قد نزل على سبعة أحرف.
فزع حذيفة إلى الخليفة عثمان بن عفان يسأله أن يدرك الأمة قبل أن تتقاتل.
عقد عثمان الشورى وأجمعوا أن ينسخوا نسخاً من المصحف إلى الأمصار لكن على حرف واحد.
وأمر عثمان بإحضار المصحف من عند أم المؤمنين حفصة، وأرسل إلى كل من:
1- زيد بن ثابت.
2- عبد الله بن الزبير.
3- سعيد بن العاص.
4- عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
وأمرهم أن ينسخوا نسخاً من المصحف، وإذا اختلفوا في شيء من القرآن يكتبوه بلسان قريش.
وكتبوا 5 أو 7 نسخ من المصحف، ثم أعاد عثمان المصحف الأول إلى حفصة، ثم أرسل نسخة إلى كل أفق، وأمر أن يحرق ما سوى هذا المصحف.
وكان هذا هو الجمع الثالث للقرآن الكريم عام 25 هـ ،وعلى حرف واحد، بدون الأحرف الستة الأخرى، وقد تم بإجماع الصحابة ورأوا المصلحة في ذلك، فالقراءة بالأحرف السبعة ليست واجبة.