نتناول في هذه المادة أحداث عام الحزن ومحنة الطائف من كتاب السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور علي الصلابي باختصار وتصرف.
قد تهمك هذه الموضوعات:
عام الحزن ومحنة الطائف
أولاً: عام الحزن:
وفاة أبي طالب:
توفي أبي طالب بعد انتهاء الحصار في آخر العام العاشر من البعثة، ولما حضرته الوفاة جاء زعماء قريش يحرضونه على الاستمساك بدينه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام يعرض عليه الإسلام قائلاً: “قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة”.
فقال أبو طالب: لولا تعيرني بها قريش، يقولون: إنما حمله عليها الجزع، لأقررت بها عينك،
فنزل قول الله تعالى: “إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”. القصص56
وفاة خديجة رضي الله عنها:
توفيت خديجة -رضي الله عنها في العام نفسه من وفاة أبي طالب قبل الهجرة بثلاث سنين،
وبموت أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، تضاعف الحزن على النبي صلى الله عليه وسلم،
فكان عمه السند الخارجي، وكانت زوجته السند الداخلي.
وتجرأ الكفار على النبي صلى الله عليه وسلم ونالوا منه ما لم يكونوا يطمعون به في حياة أبي طالب،
وأصبح في الساحة وحيدًا لا ناصر له إلا الله، ورغم الأذى الذي تعرض له النبي صلى الله عليه تحمل ما تنوء الجبال بحمله، وعزم على أن ينتقل إلى بلد غير مكة يعرض دعوته، ويلتمس نصرتهم.
ثانيًا: رحلة الطائف:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى لإيجاد مركز جديد للدعوة فخرج إلى الطائف نحو عشرة أيام، لكنها لم تستجب وأغرت صبيانها فرشقوه بالحجارة.
لماذا الطائف؟
- هي العمق الاستراتيجي لقريش، فيها الشجر والزرع، وكثير من أغنياء مكة يملكون الأملاك في الطائف.
- كانت تربط مخزوم مصالح مالية بثقيف فإذا ناصرت النبي صلى الله عليه وسلم هدد ذلك مصالح قريش.
أين كان موضع السلطة في الطائف؟
كان بنو مالك والأحلاف هما المسيطرين على الطائف لكنهما لم يكونا في وضع يمكنهما من الدفاع عنها،
فقد كانا يخافا من هوازن وقريش وبني عامر وهي قبائل قوية وقادرة على الانقضاض على الطائف.
لذلك عقدوا معاهدات ومهادنان ليأمنوا شرهم، وكان الأحلاف مرتبطون بقريش، وبنو مالك متحالفون مع هوازن.
اتجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وذهب إلى الأحناف ورئيسهم عمرو بن عمير لكنهم كانوا حذرين ورفضوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بل بالغوا في السفه وسوء الأدب،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:” إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني”.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريص على السرية الحيطة والحذر فقد:
أ-خروج من مكة على الأقدام، حتى لا تظن قريش أنه خارج من مكة.
ب-خرج مع زيد بن حارثة وكان ابنه بالتبني وقتها.
ج-لما رد زعماء الطائف بقبح وسخرية تحمله النبي صلى الله عليه وسلم بل طلب منهم أن يكتموا عنه.
تضرع ودعاء:
كان بنو عمرو لئامًا فلم يكتموا خبر النبي صلى الله عليه وسلم بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويرمون عراقيبه بالحجارة، حتى دمت عقباه وتلطخت نعلاه، وسال دمه الزكي على أرض الطائف.
وما زالوا به وبزيد حتى ألجأوهما إلى حائط (بستان) لعتبة وشيبة ابنا ربيعة،
وفي هذه الغمرة من الأسى والحزن توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله بالدعاء: “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي.
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنزل بي غضبك، أو يحل على سخطك لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
الرحمة والشفقة النبوية:
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟
قال: “لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي،
ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا.” رواه البخاري
دروس:
- إصابة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد كانت جسمية، أما يوم الطائف فكانت نفسية، فيها إرهاقًا شديد ومعاناة فكرية وشعور بالضعف وقلة الحيلة والهوان.
- الدعاء من أعظم العبادات وهو سلاح فعال يحمي الإنسان.
- قد تمر على المسلم مواقف يعجز فيها عن التفكير والتدبير ولا مخرج إلا باللجوء إلى الله.
مناهج التغيير:
1-الاستئصال:
“أطبق عليهم الأخشبين” وكما قوم نوح وعاد وثمود، وقد رفضه النبي صلى الله عيه وسلم.
2-استمرار الهجرة:
بأن يبتعد عن مكة والطائف، فالأولى أخرجته والثانية خذلته، وكان هذا هو اقتراح زيد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم رفضه.
3-دخول مكة: رغم كفرها، ويعاود العمل للتغير من داخلها واستثمار علاقاتها ومؤسساتها، فكان يريد أن يخرج الله من أصلابها من يوحد الله.
4-استثمار قوانين وأعراف المجتمع في طلب الحماية والإجارة.
إجارة المطعم بن عدي:
قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره
فقال: أنا حليف والحليف لا يجير، فبعث إلى سهيل بن عمرو، فقال له: إن بني عامر لا تجير على بني كعب.
فبعث إلى المطعم بن عدي فبعث إليه رجلاً من خزاعة: «أدخل في جوارك؟
فقال: نعم: ودعا بنيه وقومه،
فقال: البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدًا.
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدي على راحلته، فنادى: يا معشر قريش إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم.
فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته، والمطعم بن عدي وولده محدقون بالسلاح حتى دخل بيته.
لقد تغير الوضع، فبدلاً من الدخول مختفيًا دخل في حراسة ومنعة، وكان اختار رجلاً من خزاعة ليرسله إلى المطعم فيه ذكاء سياسي، فخزانة كانت خصمًا لعبد المطلب ثم تحالفت معه نكاية في قريش فرسالة النبي صلى الله عليه وسلم فيها وعي بالوقائع التاريخية والحلف القديم فالرسول هنا لم يكن يستعطف المطعم بقدر ما كان يهدده ويثير مخاوفه.
حماية المطعم لم تكن مجرد أريحية ونبل وإنما رعاية لمصلحته وحماية وضعه، وصمت قريش لم يكن خوفاً من أي سلاح، وإنما من سلاح خزانة وقسى الخزرج.
كان المطعم ممن نقض الصحيفة أيضاً، ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم تلك المواقف،
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوظف الأعراف والتقاليد وينظر للكافر باعتباره فرد في شبكة اجتماعية متداخلة العلاقات.
قصة عداس:
لما أذى النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف، وأخرجوه وألجؤوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فلما رآه عتبة وشيبة رقَّا له، ودعوا غلامًا لهما نصرانيًّا يقال له: عدَّاس، فقال له: خذ قطفاً من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه.
ففعل عدَّاس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم قال له: كل.
فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده،
قال: باسم الله، ثم أكل.
فنظر عدَّاس في وجهه،
ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟
قال: نصراني وأنا رجل من أهل نينوى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى»
فقال له عدَّاس: وما يدريك ما يونس بن متى؟
قال: ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه،
قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما عن الأخر، أما غلامك فقد أفسده عليك، فلما جاءهما عداس،
قالا له: ويلك يا عداس! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟
قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي،
قالا له: ويحك يا عدَّاس، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
فوائد:
* التسمية سنة ومن بركتها جذبت الغلام للإسلام.
* يقين عداس بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قويًّا، فحين أرداعتبة وشيبة ابني ربيعة لما الخروج إلى بدر فيما بعد، وأمرا غلامهما بالخروج معهما, قال فوالله لا تقوم له الجبال، فقال ويحك يا عداس قد سحرك بلسانه.
* كان اسلام عداس ويقينه وكلامه فيه مواساة عظيمة للنبي صلى الله عليه، فلئن آذاه قومه، فقد أسلم وافد من العراق.
إسلام الجن:
لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى مكة،
حتى إذا كان بنخلة، قام من جوف الليل يصلي،
فمر نفر من الجن استمعوا لتلاوة فلما فرغ ولَّوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا.
فالدعوة التي رفضتها الطائف دخلت إلى عالم أخر وهو عالم الجن،
وأصبح اسم محمد صلى الله عليه وسلم تهفو إليه قلوب الجن، فكان فتحاً ربانياً.
قد يهمك: