الجمعة , مارس 29 2024

هجرة الحبشة الأولى والثانية

نتناول في هذه المادة هجرة الحبشة الأولى والثانية من كتاب السيرة النبوية للدكتور علي الصلابي بتصرف واختصار.

قد تهمك هذه الموضوعات:

banar_group

هجرة الحبشة الأولى والثانية

تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع سنة الأخذ بالأسباب:

خلق الله الكون وأودعه من القوانين والسنن التي تضمن استقراره واستمراره، وجعل المسببات مرتبطة بالأسباب، فأرسى الأرض بالجبال، وأنبت الزرع بالماء.

ولقد وجه الله عباده إلى وجوب مراعاة هذه السنة ” وَقُلِ اعْمَلُوا..”، “فامشوا في مناكبها..”،” وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ “.

التوكل على الله والأخذ بالأسباب:

 التوكل لا يمنع من الأخذ بالأسباب،

فالأسباب ضرورة لكن المؤمن لا يجعلها هي التي تنشئ النتائج فيتوكل عليها، فلا علاقة بين السبب والنتيجة، فالله هو الذي ينشئ النتائج كما ينشئ الأسباب.

روى أنس ابن مالك رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل راواه الترمذي.

فلا تعارض بين التوكل والأخذ بالأسباب،

وقد روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتعود بطاناً”. رواه أحمد

فالحديث حث على التوكل والأخذ بالأسباب (الغدو والرواح).

وعلى الأمة الإسلامية اتخاذ الأسباب الموصلة للتمكين لدين الله، ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم”، فالمطلوب حشد أقصى طاقة حتى ولو كانت دون إمكانيات الخصوم، وما يزيد على ذلك يتكفل الله به.

الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة

 1-أسباب الهجرة:

قال صلى الله عليه وسلم: “لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه”.

1-كثرة المسلمين وظهور الإيمان وتعرضهم للفتنة، فقال صلى الله عليه وسلم: “تفرقوا في الأرض” قالوا: فأين نذهب يا رسول الله، قال: هاهنا وأشار إلى أرض الحبشة”.

2-الفرار بالدين:

قال ابن إسحاق: خرجوا مخافة الفتنة وفراراً إلى الله بدينهم.

3-نشر الدعوة خارج مكة:

يقول سيد قطب (باختصار وتصرف): الخروج للبحث عن قاعدة أخرى غير مكة تحمي العقيدة وتكفل لها الحرية وتتخلص من التجنيد الذي بمكة ولحماية معتنقيها وهذا في تقديري هو السبب الأول والأهم للهجرة،

فالقول بأنهم هاجروا لمجرد النجاة لا يستند إلى قرائن قوية، فالمهاجرين من أصحاب الوجاهة والقوة والمنعة ولم يكن فيهم مستضعفون.

ويؤكد الأستاذ الغضبان ذات المعنى ويقول: “فالنبي لم يطلب استدعائهم بعدما هاجر إلى المدينة وإنما تم ذلك بعد “الخندق” أي عندما أصبحت قاعدة المدينة آمنة ولم يعد هناك الحاجة لقاعدة ” الحبشة”.

4-البحث عن مكان أمن حتى تهدا العاصفة ويشتد عود الإسلام

2-لماذا الحبشة؟

1-النجاشي العادل:

وظهر ذلك في حمايته للمسلمين.

2-النجاشي الصالح:

وظهر ذلك في تأثره بالقرآن وأن إيمانه بعيسى كان صحيحاً.

3-الحبشة متجر قريش:

وبعد المسلمين على دراية بها

4-الحبشة بلد آمن:

فهي بعيدة عن قريش ولا تدين بالتبعية لقريش، وملكها عادل.

5-معرفة النبي صلى الله عليه وسلم للحبشة ومحبته لها:

الحبشة ملتزمون بالنصرانية وهي أقرب إلى الإسلام من الوثنية،

والرسول يعرفها فحاضنته أم أيمن حبشية،

وكان النبي صلى الله عليه وسلم مطلع على أحوال وطبائع الدول في زمانه.

3-أحداث الهجرة:

الخروج في سرية

كانت الهجرة في رجب في العام الخامس من البعثة، وكانوا 10 رجال و4 نساء (أو 5)، وحاولت قريش أن تدركهم لتردهم وخرجوا في أثرهم حتى وصلوا البحر لكن المسلمين كانوا قد أبحروا، وتذكر المرويات أنهم قد خرجوا سراً وكان عددهم القليل مساعد على ذلك.

إسلام حمزة وعمر:

عاش المسلمون في الحبشة 3 أشهر وخلال ذلك حدث تغير كبير في مسار الدعوة بمكة، فقد أسلم حمزة بن عبد المطلب أعز فتيان مكة وأسلم عمر بن الخطاب وكان ذا شكيمة لا يرام، فكان إسلامهما عزة للمسلمين وقهراً للمشركين وتشجيعاً للمسلمين على المجاهرة بعقيدتهم.

قال ابن مسعود: إن إسلام عمر كان فتحًا، وإن هجرته كانت نصرًا، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه.

لما أسلم عمر ذهب إلى “جميل” وهو الذي ينقل الأحاديث في قريش،

فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد؟

فانطلق جميل يعدو ويجر ثيابه إلى باب المسجد ويصرخ: يا معشر قريش ألا إن ابن الخطاب قد صبأ وعمر من خلفه: كذب، ولكني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.

 فثار القوم على عمر يقاتلونه ويقاتلهم حتى أعي عمر

فقعد يقول: افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا.

 أصبح المسلمون في منعة بعد إسلام هذين العظيمين حمزة وعمر، فقد خرجوا من دار الأرقم مجاهرين حتى دخلوا المسجد، وكفت قريش عن إيذائهم بالصورة الوحشية التي تتبعتها.

العودة من الحبشة:

وصل الخبر لمسلمي الحبشة فقرروا العودة إلى مكة ظناً منهم أن مكة قد فتحت لكن قريش اتخذت تدابير جديدة بعد إسلام هذين الرجلين حتى بلغت فيما بلغت أسلوب الحصار والمقاطعة التي أشرنا إليها، ورجع المسلمون إلى الحبشة مرة أخرى وانضم إليهم عدد كبير.

الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة:

لما اشتدت قريش على المسلمين أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالخروج إلى الحبشة مرة أخرى، فكانت خرجتهم هذه أعظمها مشقة ولقوا من ذلك تعنيفًا من قريش، وهاجر هذه المرة 83 رجلاً( أو82) و18 امرأة.

سعي قريش لرد المهاجرين:

أرسلت قريش وفداً إلى لنجاشي مكوناً من رجلين جلبين هما عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة وعمرو بن العاص ليوقعوا بين المسلمين والنجاشي ويردوا المهاجرين إلى مكة.

حمل الوفد هدايا إلى بطارقة النجاشي وإلى النجاشي وأوصوا البطارقة أن يكلموا النجاشي في أن يسلم لهم المسلمون دون أن يتحدث إليه.

لكن النجاشي رفض تسليمهم قبل أن يسمع منهم ويعرف ما هذا الدين الجديد الذي اعتنقوه.

ولما أرسل النجاشي في طلب المسلمين اجتمعوا وتشاوروا ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن.

وقد دعى النجاشي أيضاً أساقفته (علماء النصارى) ونشروا مصاحفهم حوله ثم سأل النجاشي المسلمين ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا ديني ولا دين أحد من هذه الأمم؟

 فتقدم جعفر بن أبي طالب وقال:

أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف.

 فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه،

فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان،

وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة،

وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئًا،

وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام،

فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا،

فعدا علينا قومنا، فعذبونا وقهرونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل من الخبائث.

 فلما قهرونا وظلمونا، وشقَّوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك.

 فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به من الله شيء؟

قال: نعم، قال فاقرأه عليَّ؟

فقرأ جعفرمن بعض صدر مريم ” كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا …….” والتي تناولت جانباً من قصة زكريا ويحيى ومريم عليهم السلام.

فبكى النجاشي وبكت أساقفته، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أُسلِمُهم إليكم أبدًا ولا أكاد.

محاولة الدس مرة أخرى:

 قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة: والله لأنبئنه غدًا عيبهم عنده، ثم أستأصل به خضراءهم قال له عبد الله بن أبي ربيعة لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا، ورفض عمرو كلامه ثم غدا في اليوم التالي للنجاشي وقال

أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيمًا فأرسل إليهم فاسألهم ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟

 قال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء (التي لم يمسها رجل)، البتول (التي لا شهوة لها في الرجال).

 فضرب النجاشي يده على الأرض فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود.

 فغضبت البطارقة من قول النجاشي ونخرت فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم (آمنون) بأرضي من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دَبرًا (جبلاً) من ذهب، وإني آذيت رجلا منكم، ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليَّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناسَ في فأطيعهم فيه. 

إسلام النجاشي:

  أسلم النجاشي وأخفى إسلامه فلما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكبر أربع تكبيرات سنة 9 من الهجرة (أو 8).

دروس فوائد:

1-ثبات المؤمنين على عقيدتهم وبهذا تنتصر الدعوات.

2-حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تأمين أصحابه من الإبادة، واتخذ من الحبشة مركزاً احتياطياً.

3-تعددت أهداف الهجرة إلى الحبشة فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ضمن المهاجرين قادة ومتحدثين وساسة لشرح قضيتهم وإقناع الرأي العام بدعوتهم.

4-تضمن الوفد بن عم النبي صلى الله عليه وسلم جعفر وزوج ابنته عثمان مع زوجته بنت النبي، وهم من خواص القائد ورغم ذلك اختارهم للمهمة الصعبة.

5-مشروعية الخروج من الوطن إلى أرض غير المسلمين.

6-جواز دخول المسلمين في حماية غير المسلمين إذا دعت الحاجة لذلك ووفق شروط.

7-القائد على دراية بما حوله من الدول والممالك.

8-الحس الأمني المسلمين في سرية الدعوة.

9-عدم استصغار العدو فهاهم يقدمون الهدايا ويوفدون وفداً لمطاردة المسلمين.

10-فشل خطة قريش أتاح للمسلمين عرض قضيتهم ودينهم فأسلم من أسلم.

11-اعتماد المسلمين طريق الشورى في إقرار ما سيقولونه للنجاشي.

12-اختيار أمير المسلمين جعفر بن أبي طالب لصفات مميزة فيه عاش مع النبي فهو أخبر الناس به  وهو فصيح بليغ وهو من أقارب النبي مما يزيد ثقة  النجاشي فيه بالإضافة اتصافه بالعلم والصبر والحكمة وسعة الحيلة والمظهر الجذاب.

13-ذكاء عمرو بن العاص فهو على مستوى كبير من الذكاء والدهاء والمكر فعرض قضيته كالتالي:

  • دعوة محمد أحدثت بلبلة وفساد ذات البين في مكة.
  • خطورة اتباع محمد وفساد جو مكة قد يمتد إلى النجاشي وأرضه.
  • دعوة محمد تخالف دين النجاشي وتخالف دين قومه.
  • أنهم يستخفون بالملك ولا يسجدون له كما يفعل الناس.

تابع:

14-ذكاء جعفر ومهارته السياسية والإعلامية والدعوية والعقدية فقد عرض قضيته كالتالي:

أ- عدد عيوب الجاهلية بصورة منفرة.

ب- عرض شخصية النبي ونسبه وأخلاقه المؤهلة لنبوته.

ج- عدد محاسن الإسلام وأخلاق والتي تتفق مع دعوات الأنبياء (والتي يعلمها أيضاً النجاشي وأساقفته).

د- فضح سلوك قريش الذي اضطهد المسلمين لأنهم أمنوا بالإسلام ورفضوا عبادة الأوثان .

ه- حسن الثناء على النجاشي بأنه لا يظلم عنده أحد وأنهم لجؤوا إلى أرضه فراراً من تعذيب قريش.

و- رد على الشبهات بذكاء:

لا يعبدون عيسى لكنهم يقدرونه وأمه ولا يخضون في عرضها كما يخضون الكاذبون.

لا يسجدون للملك لكنهم يحيونه بتحية أهل الجنة.

15-وبذلك انهزم عمرو الداهية أمام جعفر العبقري الذي أجاد اختيار الموضوع والوقت المناسب وأحسن العرض ورد الشبهات وانهزمت قريش سياسياً ومعنوياً وإعلامياً أمام أساليب المسلمين الرصينة.

16-من التمس رضا الله بسخط الناس، كفاه الله مؤنة الناس.

17- كان بعض النصارى إيمان صحيح بدينهم، ولكنهم يكتمونه بسبب غلبة الانحراف.

18-الجهل بأحكام الإسلام لا يضر، فقد حدث تشريع للصلاة ولم يصل لمسلمي الحبشة.

19- تفاضل الجهاد حسب الحاجة فلأهل هجرة المدينة فضل، ولأهل هجرة الحبشة فضل.

20- كانت بداية إسلام عمرو بن العاص هي أرض الحبشة.

21- كان النبي صلى الله عليه وسلم يتابع أحوال المهاجرين ولما علم بوفاة زوج أم حبيبة وهي من المهاجرات وهى ابنة أبي سفيان تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لتخفيف عداوة بني أمية بشكلٍ عام، وتخفيف عداوة سفيان بشكل خاص.

22- رأى بعض الباحثين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهاجر إلى الحبشة لأسباب:

  • أنه رأى رؤية لدار الهجرة التي سيهاجر إليها، وأوصافها لا تنطبق على الحبشة.
  • الطبيعة الجغرافية للحبشة لا تناسب انتشار الدعوة في العالم.
  • بيئة الحبشة النصرانية وهيمنة الرومان على المسيحية لا تسمح بنمو الدعوة فيها.

23- هجرة الحبشة حطت من مكانة قريش في العرب وأساءت لأشرافها ورفعت من شأن الأحباش.

قد يهمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *