السبت , أبريل 27 2024

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

تناول في هذه المادة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار من كتاب السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور على محمد الصلابي باختصار وتصرف.

قد يهمك:

banar_group

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

كان مبدأ التآخي العام بين المسلمين قائماً منذ بداية الدعوة في عهدها المكي.

 قال صلى الله عليه وسلم: “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام”. رواه البخاري ومسلم

قال صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه (أي لا يتركه مع من يؤذيه ) ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة”. رواه البخاري

قال تعالى: ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ “. [آل عمران: 103].

قال تعالى: ” وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” [الأنفال: 63].

وقد تحدث بعض العلماء عن أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين كل اثنين من المسلمين في فترة مكة لكن ترجيح العلماء أن هذا لم يتم إلا بعد الهجرة.

أما ما كان في مكة فهي أخوة على المؤازرة والنصيحة دون توريث.

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة:

قام النبي صلى الله عليه وسلم بالإخاء بين كل اثنين (أنصاري ومهاجر) على أساس الأخوة الكاملة بلا عصبية، ولا فوارق في النسب واللون والوطن، فلا تقدم ولا تأخر إلا بالتقوى.

وقامت هذه الأخوة على الإيثار والمؤانسة والمواساة ولم يحدث الأنصار صدعاً في شمل الأمة.

قال تعالى: “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” [الحشر: 9].

بعض نماذج الإخاء:

تم الإخاء بين أبي بكر الصديق وخارجة بن زهير – عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك – أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ.

دروس وفوائد:

1-آصرة العقيدة هي أساس الارتباط:

وهي أرقى من رابطة القرابة وفيها تكون المولاة للمؤمنين،

فابن نوح من الدم لم يكن من أهل نوح في الإيمان ونبه القرآن من عدم اتخاذ الآباء والأبناء أولياء ممن استحب الكفر على الإيمان وهذا التأخي مسبوق بالإيمان”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ “.

2-الحب في الله أساس بنية المجتمع المدني:

قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي”.رواه مسلم

ولما نزلت: ” لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ” [آل عمران: 92] .

قال أبو طلحة الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم :إن أحب أموالي إلي بيرحاء (حديقة بها نخل كثير بجوار المسجد النبوي) وإنها صدقة لله أرجو برها، وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله،

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلتَ وإني أرى أن تجعلها في الأقربين”.

فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.

قال سعد بن الربيع لأبي عبيدة ابن الجراح: إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإن حلت تزوجتها.

قال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟

قال: سوق قينقاع، فغدا إليه عبد الرحمن.

تابع دروس وفوائد:

3- النصيحة بين المتآخين:

زار سلمان الفارسي أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة.

فقال لها: ما شأنك؟

قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.

فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له: كل، فإني صائم.

قال: ما أنا بآكل حتى تأكل.

قال: فأكل.

فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم.

قال: نم، فنام.

ثم ذهب يقوم، فقال: نم.

فلما كان آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا.

فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاَّ، ولنفسك عليك حقاًّ، ولأهلك عليك حقاًّ، فأعط كل ذي حق حقه.

فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “صدق سلمان”.رواه البخاري

4- الثناء والدعاء للأنصار:

 قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم أقسم بيننا وبين إخواننا (المهاجرين) النخيل، فرفض النبي.

فقالوا: تكفوننا المؤونة (العمل فيها) ونشرككم في الثمرة، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد شكر المهاجرين الأنصار على مواقفهم الرفيعة في الإيثار والكرم،

وقالوا: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلاً في كثير، ولقد كفونا المؤونة وأشركونا في المهنأ حتى لقد حسبنا أن يذهبوا بالأجر كله،

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله عز وجل لهم”. رواه أحمد

5- الإرث بالمؤاخاة:

لم يعرف التاريخ  كله حادثاً جماعياًّ كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب والسخاء والبذل، حتى كان حق الميراث منوط بهذا التأخي وظل الأمر كذلك حتى عاد التوارث إلى وضعه الطبيعي بعد غزوة بدر.

“وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ” الأنفال: 75.

تابع دروس وفوائد:

6- أرست الأخوة قيم إنسانية متحضرة ومبادئ مثالية لتذويب الفوارق الإقليمية والقبلية:

من خلال الروابط الوثيقة التي ألفت بين المهاجرين والأنصار أُرسيت قيم إنسانية واجتماعية ومبادئ مثالية لا عهد للمجتمع القبلي بها، وإنما هي من شأن المجتمعات المتحضرة الفاضلة.

ولم يكن هذا بالأمر الهين في مجتمع العصبيات القبلية والتفاخر بالأنساب وبالعشيرة.

7- إن روح العصبية والإقليمية أمراض تدهم الروابط الاجتماعية وتحول دون التمكين لدين الله.

8- المؤاخاة من أسباب التمكين:

وأهم أصول الوحدة وحدة العقيدة، ووحدة الروابط (الأخوة).

9- من فضائل الأنصار:

– تسمية الله لهم “الأنصار”.

– حب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار “اللهم أنتم من أحب الناس إلي”.

– من أحبهم أحبه الله:

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله”. رواه البخاري

– الشهادة لهم بالعفاف

 عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يضر امرأة نزلت بين بيتين من الأنصار أو نزلت بين أبويها”. رواه أحمد

– رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الانتساب إليهم:

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو أن الأنصار سلكوا واديًا أو شِعْباً لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار”. رواه البخاري

– دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

“اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، ولنساء الأنصار”. رواه البخاري

موضوعات تهمك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *